النظام السياسي في لبنان

05-12-2007

النظام السياسي في لبنان

المحامي جواد محمود المقداد:  

مدخل:
يشكل النظام السياسي اللبناني نموذجا ًفريداً وغير مسبوق في التاريخ السياسي الحديث -على الأقل- وذلك منذ التقسيم الدويلاتي الشهير وما تبعه من إنذار(غورو) الأشهر,ولعل ما سبق شكل المخاض الطويل للتكريس الطائفي الحالي والذي لم يزل يشغل النظام العربي والدولي -قديمه وجديده- وسيبقى شغلهما الشاغل ما استمر
هذا الكيان الفريد.
في هذه الموجزة سنسعى لتبيان استحالة الإستقرار السياسي - خلقاً أو فرضاً-  لعوامل تجذرت وبفعالية منقطعة النظيرعلى إمتداد عقود طويلة من الفعل الطائفي الممنهج والمنظم والذي صاغته قيادات أفرزتها الطائفة لتكريس وجودها أساسا ًوأيضاً,سنعمد لبعض توضيح للتلازم القائم بين الطائفة والقيادة ,وبين الانتماء الوطني والفئوي فضلاً عن الإرتهان السياسي القومي للكيان – إجمالاً- للمصالح الآنية والتي تحول أساساً والمفاهيم والثوابت الوطنية والقومية.

أولاً- الجذور الطائفية للكيان اللبناني السياسي :
تتجلى(الفرادة) التي يتميز بها النظام الطائفي اللبناني بالاعتراف… لابتعدد الطوائف فحسب بل و بالإقرار الصريح بالحقوق السياسية والإقتصادية والإجتماعية للطائفة وفي إطار سيادة الدولة ككل, وفي إعتماد قوانينها المفروضة من مرجعياتها الدينية كبديل عن القوانين الوضعية والناظمة لشؤون مواطني الدولة وهذا ما يتجلى
بوجود الهيئات والمجالس الخاصة بكل طائفة من تلك الطوائف , تلك الهيئات والمجلس يناط بها إدارةالمصالح 
والأموال – العائدة للطائفة ورموزها وقياداتها- وهي في ذلك تتخذ من المصلحة الطائفية - والشخصية على السواء وبإطار ملازم لذلك-  دون الخضوع لسلطة الدولة بل لما يندرج تحت إطار المصلحة الخاصة والتي لا شك بتعارضعها وتلك الوطنية.
في كيان كهذا تهيمن السلطة الطائفية والتي سنبحث بها لاحقا, إضافة للمحاكم المذهبية على مقدرات ومصالح وموارد ذلك الجزء من الشعب الذي ينتمي إليها ، ولعل ماسلف هو الميزة الأساسية التي يختص بها الكيان اللبناني سواء من حيث تقاطعها والمصالح الوطنية حيناً وأوجه الممارسات العامة الثقافية والاجتماعية والقانونية والسياسية حبنا آخر.
وإذا كانت الأحداث الراهنة من فوضى سياسية وتشرذم طائفي تعود بداياته للحرب الأهلية- عام 1975 -
فإنها لاتعدو نتيجة طبيعية لجذور النظام الطائفي المعتمد من قبل الإمبراطورية العثمانية التي رسخت الإقرار
بوجود الطوائف وحماية كياناتها سياسيا وتشريعيا من جهة, ووجود المصالح الأجنبية التي لا يمكن حمايتها
إلا بالإقرار بهذه الطوائف, أيضاً لجهتي الوجود والحماية.

ثانياً- بعض الجوانب التاريخية :
لتوضيح ما ذكرنا نشير بداية لمايلي:
1- هناك(14)طائفة مسيحية في لبنان إضافة إلى (3) طوائف إسلامية معترف بها وفقاً للنظم التشريعية اللبنانية فضلا عن طائفة يهودية واحدة , أيضاً أعطيت كل من الطائفتين العلوية والإسماعيلية غير المعترف بهما مقعدين نيابيين في طرابلس و عكار –كذا!؟-
2- للطوائف المذكورة حقوق ومصالح و(أماني وتطلعات) معترف بها رسمياً منذ صك الإنتداب الفرنسي الذي (لحظ) ذلك كأساس لما أسماه( ضرورة وضع نظام قضائي يضمن تلك المصالح والأماني والحقوق) وفقاً لنصوص مواده المعتمدة في 24\1\1922 والتي اشتر عتها (عصبة الأمم) ناهيك عن صيانة حصانة الإدارات الطائفية الدينية.
3- أتى الدستور اللبناني ليكرس النظام الداخلي المعتمد على المشاركة بين الطوائف في حكم وإدارة لبنان ويقننه,بل إن المادة الأشهر من الدستور اللبناني رقم\95\عكست فرادة لا مثيل لها عندما نصت على:


 (بصورة مؤقتة وعملا ًبالمادة الأولى من صك الإنتداب, وإلتماساً للعدل والوفاق,تمثل الطوائف بصورة
عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة, دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة).
إن هذه المادة رسخت المبدأ المهيمن على الأداء السياسي اللبناني - حتى الان - والذي يتمثل بتشكيل وصياغة وإعادة تكوين مصلحة الدولة بما لا يتعارض و مصلحة الطوائف المذكورة - وليس العكس-  وبمعنى آخر توجب على الإدارات المتعاقبة في لبنان صياغة سياساتها وطرائق حكمها والآليات الناظمة لذلك بحيث تراعي\18\طائفة,و قياداتها,الدينية والسياسية التابعة لها ,وما ينجم عن ذلك من مصالح فردية أو طائفية خاصة, في نفس الوقت.
4-  وفي تفصيل ذلك صنفت السلطات الفرنسية وفق قرارها رقم(60ل.ر) المعدل بالقرار رقم(146ل.ر)الصادر عام 1936 - والنافذ حتى تاريخه كقانون أساسي للطوائف المسيحية والطائفة اليهودية- هذه الطوائف ضمن مجموعتين تاريخية وأخرى عادية.
لقد تضمن القرار الاعتراف باستقلال محاكم وهيئات تلك الطوائف وهذا ما أدى إلى الاستفراد الأجنبي بلبنان من حيث التفريق بين المواطنين العرب ثم بين المسلمين منهم والمسيحيين فضلاً عن منح الحق لكل مواطن يإختيار طائفته التي يتبع إليها.
والجدير بالذكر بأن القرار المذكور امتنع عن ذاك التفصيل بالنسبة للمسلمين والذين كرست القوانين اللاحقة للدولة اللبنانية تقسيمهم.
5-  وبناءً على ذلك حلّ الانتماء الطائفي محل  الوطني والاعتبارات الطائفية الانعزالية محل الثوابت الوطنية والقومية ولاسيما أن (الصورة المؤقتة) التي تضمنتها المادة \95\ من الدستور اللبناني لم تزل حتى الآن بذات التاقيت, ولذات الاعتبارات المذكورة تجنبت وتتجنب الإدارات اللبنانية إحلال أي وضع بديل محل ذلك المؤقت.
6-  ولعل ما تجدر الإشارة إليه استحالة أي تغيير ينال من الفكر الطائفي و الانعزالي ولا سيما في ظل وجود قيادات كانت ولم تزل نتاجا ًطبيعياً ومحصلة لواقع سياسي مكرس تشريعياُ, وبعبارة أخرى لا يتصور التغيير ممن أنجبته الطائفة وبات يشعر بالانتماء إليها,وحدها, كبديل للشعب الذي يكون و الأرض والسلطة, أركان الدولة الحديثة.

ثالثاً- تفاصيل لا بد منها:
 سبق وذكرنا أن جذور النظام اللبناني القائم هي التي أسست, ولاحقاً لنظام طائفي قام على المشاركة بين الطوائف في الحكم والإدارة وعلى ذلك انسجمت مواد الدستور اللبناني والمادة \95\  الشهيرة فغدت المواد الناظمة للحريات العامة والمساواة في حرية التعبير والاعتقاد وتولي الوظائف العامة تستهدف العدل النسبي
بين الطوائف - وليس بين المواطنين-, إضافة  لذلك خلق التناقض بين مصلحة الدولة ومصلحة الطوائف – أي مصلحة ملوكها بطبيعة الحال - طابعاً توفيقياً وسم العملية السياسية بسماته, فعلى سيبل المثال...استحال مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة إلى تحقيق المصلحة الطائفية في شغل هذه الوظائف مما أوجد مفهوماً غريباً غرابة الطوائف وبدوره غدا التشكيل الهرمي في كل وزارة وإدارة وهيئة ولجنة فرعية........الخ
موزعاً بعناية ودقة تامين على أساس طائفي وكذا الأمر بالنسبة لكل من القضاء والجيش .أيضا يمكن إيراد مايلي كسمات عامة يتسم بها الكيان اللبناني:

(1) كرس مبدأ مشاركة الطوائف في الحكم والإدارة ذاك الواقع الذي حل فيه (التحاصص الطائفي) محل دور المواطنة , والمواطن كمادة الدولة الأساسية السياسية الأولى....ولعل التحليل العلمي والعملي لذلك سيعيدنا لبدايات تكون لبنان ككيان إجتماعي حمل ومنذ بدايات تكوينه بذور الصيغ الطائفية والتي أصبحت لاحقاً الضامن الرئيس لتكريس امتيازات الطبقة الحاكمة كمولود طبيعي للإستقرار الطائفي , وكضامن من جهة أخرى, لمصالحها المرتبطة بالمصالح الأجنبية واستمرارها في آن معا.
(2) نجم عما سبق تجميد المجتمع اللبناني لجهة التطور الذي ينزع إليه أي مجتمع بحيث يحقق التلاؤم بين ما يعتوره من تغيرات ,ومستلزمات التطور والذي لا بد منه في إطار تحوله لمجتمع وطني سليم ملتزم بثوابته في هذا المجال.

(3) أدت عوامل الاختلاف في التغيرات الاجتماعية والاقتصادية و السياسية في المنطقة من جهة وفي مجتمعات الطوائف اللبنانية, من جهة أخرى ,إلى خلق تناقضات أسفرت عن نزوع طائفي لإعادة توزيع وتقسيم الامتيازات لمعظم الطوائف المذكورة- وملوكها بطبيعة الحال- إن واقعاً كهذا كان ولابد له من إيجاد آلية معينة للخروج منه وتحديداً إثر التغييرات في مصالح الدول الفاعلة في المنطقة والعالم , إن تلك الآلية تمثلت بداية في الحرب الأهلية اللبنانية عام\1975\ وما تلاها من أحداث.

(4) إن ما ذكرنا يفسر تماماً حجم المواجهات السياسية والإجتماعية والاقتصادية الجارية في لبنان والتي كما هو واضح أدت للوصول إلى نقطة اللاعودة الجارية الآن. لقد مثلت اعتبارات كإعادة تقسيم مواقع النفوذ السياسي والعشائري والاقتصادي,وإحلال قيادات منسجمة والمرحلة,محل أخرى(تقليدية) ,والتوزيع الجديد للحصص ,السياسية والتي فرضتها الدول الأجنبية,تماما كما فرضت وسائل ضمانها وضمان استمرار تدفقها,الأسباب المباشرة – وغير المباشرة – للواقع المشتعل الآن,وما سيليه لاحقا.

(5) إن النقطة المذكورة والتي باتت تستحضر نذر الحرب الأهلية هي محصلة كان لابد منها لهكذا كيان وبخاصة في ضوء تعمق الشروخ والانقسامات الراهن وتزايد التدخلات الأجنبية للأسباب المشار إليها سابقا.

الخاتمة :
             لا شك أن المجتمع اللبناني بات يعاني وأكثر من أي وقت مضى من إشكاليات الهوية والمواطنة والانتماء. ذلك الانتماء الواضح المعلن والصريح بثوابته الوطنية والقومية وما تفرضه من استحقاقات ترتبط وبدورها,بثوابت التاريخ وبحقائق الجغرافيا ,بكل الحقوق والالتزامات الناجمة عما سبق.إضافة لتلك التي ترتكز عليها نواظم عضوية النظام الإقليمي العربي ,هذا النظام الذي تحدد تفاعلاته,ما هو لحظي,واني ومرحلي,وليس سواه.
إن التكريس المنظم بعد عدة قرون لآليات الممارسة السياسية الطائفية أدى إلى واقع مشتعل وقابل للإنفجار في أي لحظة ولعلنا لا نبالغ إذا سحبنا آثار انفجار كهذا على النظام الإقليمي العربي, والنظام الدولي بشكل عام.....

وبعيداً عن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والتي ما انفكت تتزايد تدخلاتها وبشكل سافر فيما هو حاصل سواء ابتغاء منافع ضيقة أو لتكريس امتيازات تاريخية غابرة , لم تعد تنسجم وما تحتمه التطورات الإقليمية الراهنة من جهة, والمصالح التي تفرضها هذه التطورات,من جهة أخرى. فإن الهدف الدولي والعربي- والإقليمي- لا بد وأن يتخذ من شمولية المصالح على صعيدي الزمان و المكان ...تلك المصالح باتت مرتهنة من حيث ضمانها بالاستقرار,- أيضاً الدولي والعربي والإقليمي-, وهذا ما لا نتصوره في ظل المعطيات الذي ذكرنا....................

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...