أين الإنسانية والمهنية في عيادات ميدانية بائسة

10-07-2011

أين الإنسانية والمهنية في عيادات ميدانية بائسة

عمار سليمان علي ـ ألحّ عليّ هذا السؤال (العنوان) بقوة ولم يفارقني منذ قرأت تقريراً لموقع سي أن أن CNN حول نشاط تنسيقية أطباء دمشق وهي كما تعرّف عن نفسها شبكة سرية من حوالي ستين طبيباً (يعملون سراً لإنقاذ أرواح الجرحى والمصابين الذين يسقطون يومياً في ساحات وميادين وشوارع العديد من المدن السورية منذ نحو 100 يوم).
ومما جاء في التقرير :(لقد قاموا بتأسيس عيادات سرية في الأحياء التي تشهد مظاهرات، ولكنهم يغيرون من أماكن ومواقع تلك العيادات باستمرار، وحتى الطبيب نفسه لا يعرف أين سيكون موقع عيادته في اليوم التالي..)
ووصف التقرير إحدى تلك العيادات السرية الميدانية المتنقلة بالقول: (وفي إحدى العيادات السرية، في غرفة وضيعة، لا تحتوي إلا على اسطوانة أكسجين ومستلزمات بسيطة وأساسية.)
ونقل التقرير عن أحد الأطباء السريين أنه شهد وفاة عدد من المتظاهرين المعارضين جراء تعرضهم للنزيف حتى الموت، لأنه لم يكن لديهم أي وسيلة لإنقاذهم. واعترف الطبيب السري أنهم يرون المصابين يحتضرون ويموتون دون أن يتمكنوا من مساعدتهم. كما ذكر التقرير أن معديه التقوا بعدد من المرضى الذين عولجوا في العيادات السرية، ومن بينهم طفل أصيب بشلل جزئي بعد أن أصيب برصاصة في صدره استقرت قرب العمود الفقري.
بعد كل هذه المقتطفات من التقرير المذكور, وبغض النظر عن الجدل السياسي المستفحل حول من أطلق النار على من, ومن بدأ ومن رد, ومن كان السبب ومن كان النتيجة, يلحّ السؤال: هل يحق لطبيب أقسم قسم أبقراط والتزم ضميرياً ومهنياً وأخلاقياً وإنسانياً ببذل كل ما في وسعه لإنقاذ المرضى والمصابين, هل يحق له أن ينقل أولئك المصابين إلى العيادات الميدانية البائسة التي وصفها التقرير وتحدث عنها وعن إمكاناتها المتواضعة بله المعدومة؟! وكيف يكتفي ـ باعترافه ـ بأن يتفرج عليهم دون أن يقدم لهم أي عون؟! ألا يتحمل هو ومن معه مسؤولية تدهور أوضاعهم الصحية وربما فقدانهم للحياة ؟! خاصة وأن بالإمكان تقديم خدمات أفضل لأولئك المصابين في مشافي الدولة المجانية التي ذكر التقرير نقلاً عن أحد أطبائها أنها لا تتوانى عن استقبال أي مصاب, وهو أمر أعرفه جيداً بحكم عملي كطبيب في مدينة طرطوس, وأذكر ـ مثلاً ـ أن مشفى الباسل في طرطوس ومشفى بانياس الوطني قدما العلاج للعديد من المسلحين المناوئين للدولة الذين أصيبوا خلال الاشتباكات التي حدثت في بانياس, وكان تشديد حينها من مدير الصحة في طرطوس على العناية التامة بهم, على قدم المساواة مع مصابي الجيش والقوى الأمنية, وفقاً لتعليمات واردة من أعلى المستويات في الدولة. وهو أمر يؤكده على كل حال التقرير نفسه الذي جاء فيه: (التقينا برجل قال إنه أصيب برصاصة في ساقه عندما فوجئ بمظاهرة معادية للنظام، وتمت معالجته في واحدة من العيادات السرية، غير أن الجرح لم يلتئم. وقال إنه كان خائفاً من التوجه للمستشفى في البداية بسبب ما سمعه، مضيفاً "ولكن ليس لدي مشكلة".). وكان يشير بذلك إلى الزعم ـ وفق تعبير الـ سي أن أن وليس تعبيري ـ أن العائلات والأسر لا تستطيع استرداد جثث أحبتها إلا بعد التوقيع على وثيقة تفيد بأنهم قتلوا على أيدي الجماعات المسلحة. الأمر الذي فنده ونفاه ـ حسب التقرير نفسه أيضاً ـ أحد أطباء مستشفى دمشق (المجتهد) وهو الطبيب أديب محمود الذي قال: (نحن نقبل كل الحالات بصرف النظر عن كيفية الإصابة التي وقعت أو أين حدثت.) وأصر محمود على أن الزعم بأن على الأسر أن توقع على وثيقة مزورة هو أمر لا أساس له من الصحة. وهو أمر أستطيع أن أؤكده بحكم خبرتي الشخصية ومن خلال تواصلي مع العديد من الزملاء الأطباء في مختلف المحافظات. ولذلك كله يلحّ السؤال (العنوان): أين الإنسانية والمهنية في عيادات ميدانية بائسة؟!

التعليقات

من سمحت له وأخذته حماسته وشجاعته "بالتظاهر" وبالتعرض للمخاطر على اختلافها، تحتم على من سمحت له لا إنسانيته بالمساعدة على تقديم أحسن العون الطبي و بأحسن الظروف و أن لا يكون أقل جرأة ممن خرجوا أنفسهم.. إنهم شركاء في طمس كثير من الحقائق إن لم نقل شركاء في مؤامرة..

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...