مبادرة «تجارة دمشق» لتخفيض الأسعار .. دعاية مجانية وجعجعة بلا طحين

22-06-2020

مبادرة «تجارة دمشق» لتخفيض الأسعار .. دعاية مجانية وجعجعة بلا طحين

مبادرة تخفيض الأسعار التي أطلقتها غرفة تجارة دمشق منذ أيام بحضور وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تضمنت أحد عشر بنداً، وصفها غالبية من سألناهم عنها بالضحك على اللحى، وأنها دعاية مجانية لأصحابها. أحد عشر بنداً تخلو من العناوين والأرقام والأسعار، والأهم أنها تخلو من أي مساعدة حقيقية في مثل هذه الأوضاع الصعبة، وتخلو من مفهوم المساعدة الأساسي؛ أي التخلي عن الربح ولو لمرة واحدة.

ليس من حقنا مطالبة التاجر بالخسارة، مع أن طلباً كهذا ممكنٌ في الملمات الكبرى، أي حين تخسر مالاً وتربح شعباً، لكن وبكل ثقة من حقنا أن نطلب منه ألا يستغل فقرنا وحاجتنا، وألا يكذب علينا ويستخف بنا، فأسوأ أنواع الكذب هو الكذب غير المتقن، لأنه يوجّه إهانتين بدل الواحدة للمكذوب عليهم؛ الأولى بفكرة الكذب نفسها، والثانية بالاستخفاف بعقولهم لدرجة أن الكاذب لا يرى ضرورة في جعل كذبته تبدو حقيقية.


وبالمقابل، حين تستمع إلى مطالب التاجر وشرحه عن أحواله، تتأكد من فكرة وجود حلقة ضائعة لا يعرفها إلا قلة يرفضون الحديث عنها، وتشعر بأن في كلامهم منطقاً، منطقٌ إن عزلت مشاعرك تجاههم كمواطن يراهم أكبر الشرور، ستتقبله وتطالب معهم بحل يشمل ويرضي الجميع، وتصل في النهاية إلى نتيجة واحدة من الممكن تعميمها على مناحٍ كثيرة في حياتنا: الجميع مذنبون.. والجميع أبرياء.

ولعل النتيجة الأهم التي حصلنا عليها من الاستطلاع الذي أجرته «تشرين» حول المبادرة، هي أن رأب الصدع بين الناس والتجار صار شبه مستحيل، إذ يكفي أن تقول كلمة تاجر فقط، لتسمع كل أنواع الشتائم والتخوين، وربما لا يُلام الناس في بلد نهشته الحرب مدة عشر سنوات، ولم يسمعوا خلالها عن نموذج واحد يستطيعون تشبيهه بنماذج قرؤوا عنها في بلاد أخرى، نماذج ساعدت الناس ولم تكمل على البقية الباقية من أرواحهم.
مواطنون: ترويج وذر للرماد في عيون ما عادت تتسع دعاية مجانية

بعد عدة جولات على كثير من المحلات التي يفترض أن المبادرة ستشمل بعض موادها، وكانت النتيجة أن قلة قليلة جداً من محلات بيع الغذائيات المذكورة في المبادرة وصلها العرض المخفض، والغالبية لم يسمعوا بها، أما بالنسبة للمنظفات فكانت مبادرة أحدهم الأغرب وتتضمن أكثر من جزء: أولها الوعد بالتواصل مع الشركات، وثانيها أن أي تخفيض لن يتجاوز 15% في حال نفذ، وثالثها أن التخفيض المذكور تبعاً للمادة، والأغرب أن أصحاب الكثير من المحلات كان جوابهم كأنه متفق عليه: مسرحيات. في حين نفذ بعض المبادرين وعودهم، وقدّموا منتجاتهم بالتخفيضات التي ذكروها رغم ندرتهم.

وفيما يلي تفاصيل المبادرة التي أجرينا الاستطلاع حولها، وسنذكرها ليس من باب الإعلان، وإنما للتعريف:

1- السيد محمود خورشيد أمية كلاس منطقة ضاحية قدسيا تخفيض أسعار يوم الجمعة 19/6/2020 بنسبة 50% من المأكولات الغربية والشرقية.

2- السيد محمد خير درويش (أحذية الشام) تخفيض لمدة أسبوع تباع القطعة بسعر التكلفة.

3- السيد محمد حمزة الجبان (مؤسسة الشعلان التجارية) تخفيض أسعار مؤسسة الشعلان التجارية التي تورد إلى مراكز الجملة بنسبة 5 و10و15% حسب المادة.

4- السيد بشير الباني (جوارب السماح) تخفيض 20% لمدة أسبوعين.

5- السيد أنس الأبرص (الشيف نديم) تخفيض السكر والشاي بسعر التكلفة.

6- السيدة فريال رسلان (قدمت دورات مجانية للوزارة في مركزها).

7- السيد محمود المفتي (عضو لجنة المنظفات) الذي كانت مبادرته أنه سيتواصل مع شركات المنظفات لتخفيض 10 إلى 20 % حسب نوع المنتج.

8- السيد سامر رباطة (ألبسة رجالية) تخفيض 40% لمدة شهر.

9- السيد ماهر الأزعط (ألبسة) تخفيض بنسبة 20% لغاية شهر إضافة للعروض وتخفيض لكل من يملك بطاقة جمعية خيرية.

10- شركة سينالكو تخفيض 25% بمراكز السورية للتجارة لمدة يوم واحد كل أسبوع ولمدة شهر.

11- السيد عدنان تيناوي (قطع تبديل سيارات) تخفيض بسطونات غولف وطرنبة فرام غولف بنسبة 50%.

12 من أصل 134 مشاركاً في الاستطلاع أملوا بالمبادرة خيراً، لكنه أيضاً كان أملاً خجولاً، حيث لم تتجاوز تعليقاتهم فكرة الدعاء بأن يستفيد الناس من المبادرة، وأن يتشجع آخرون لمبادرات جديدة ومفيدة، بينما انقسمت بقية الآراء بين تكذيب المبادرة ووصفها بذرٍّ الرماد في العيون التي فيها من الرماد ما يكفيها، وأنها ليست أكثر من دعاية مجانية لمن ذكرت أسماؤهم، خاصة أننا على أبواب انتخابات مجلس الشعب الذي يشغل بعض مقاعده تجار معروفون، وبين السؤال عن سبب غياب الأسماء الكبيرة وغياب المؤسسات التجارية التي تسيطر منتجاتها على الأسواق بشكل واضح، وبالذات المنتجات الغذائية.


كذلك رأى بعض المشاركين أن المبادرة هي فرصة ذهبية لـ«سرقة» الناس أكثر، لأن معنى مصطلح (تخفيضات) بالنسبة لنا كسوريين، هو رفع الأسعار أكثر من الضعف، ومن ثم تخفيضها بنسبة بسيطة، أي إن ربح التاجر خلال «التخفيضات» يفوقة حقيقية، والحرب بحاجة إلى جيش، والجيش هو الدولة التي عليها تفعيل مؤسساتها أكثر كالسورية للتجارة والشركة الخماسية للألبسة، أما الاعتماد على المواطنين والمبادرات فلن يحل أي مشكلة.

 

 


تشرين - فراس القاضي  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...