مايكل جاكسون نقيض باراك أوباما.. وألفيس برسلي

27-06-2009

مايكل جاكسون نقيض باراك أوباما.. وألفيس برسلي

هو مايكل جاكسون الذي حاول الهرب من كل شيء وبقي العالم كله يلاحقه. هرب من طفولته الصعبة لكنه بقي عالقا في ذكرياتها. لاحقا، هرب من عائلته وفرقة «جاكسون5»، حاول التخلص من لون بشرته فكان تخليه المعلن والنهائي عن هوية لم يتقبلها يوماً. بعدها بسنوات غادر متضايقاً من بلده إلى الخليج على خلفية اتهامه بالتحرش الجنسي مرتين، قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة حيث أملاكه ومزرعته التي تضم مدينة ملاه وقطارات وفدادين شاسعة. مايكل جاكسون
بقي جاكسون بهذا المعنى بيتر بان، الطفل الذي يرفض أن يكبر. يفضّل الابتعاد عن خيبات تأتيه من العالم والإعلام المهووس بأدق تفاصيل حياته. الإعلام الذي رحب به نجماً صاعداً في عالم الموسيقى منذ كان طفلاً (وبالطبع أدمن هو على الترحاب الجماهيري)، عاد ليجلده في أصعب محطات تراجعه وجموده الفني، كما لو ان البابارازي والصحف والتلفزيون استهلكوا صورة طفل واعد على الساحة الفنية واستمرأوا لاحقاً مشاهدته يكبر ويلمع ثم يسقط، فاخترق الصحافيون والمعجبون تفاصيل خصوصياته الحميمة ومشاكله المالية وديونه..فكانت مادة إعلامية مثيرة، وإن تطلب ذلك طائرة مروحية تحلق فوق مزرعته وتخترق نوافذ بيته.
هكذا حضرت أخبار مايكل جاكسون بثيابه المبهرة دوماً، وموديل أنفه الذي لم يستقر على شكل محدد، وقفاز واحد عليه نثرات من بريق النجومية، كل هذا جذب الإعلام لكن لم يمنعه من التعاطي «بعدائية» مع جاكسون برغم الاحتفاء بفنه. فبقي في كل محطات حياته نموذجاً معاكساً تماماً لرجل أسود ثان لمع عالمياً، أي الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما. ومن سخرية القدر ان يتزامن صعود نجم أوباما مع وفاة مايكل جاكسون، كأنه تشديد على إعلان حقبة جديدة كرّسها أوباما لصورة الرجل الاسود في الولايات المتحدة. فالرجلان يملكان موهبة فذة كل في مجاله. لكن أوباما يبدو متصالحا مع ذاته وجذوره وبشرته السوداء وعلاقاته مع إعلاميين ومتنفذين من ذوي البشرة السوداء أيضاً. يستعمل ذكريات طفولته الصعبة لتدعيم مركزه الحالي بمؤازرة الإعلام الحديث. أي انه عملياً يسير في موجة مناقضة لتلك التي خاض جاكسون غمارها حين تسلطت الأضواء عليه. لم يكسب جاكسون ود بعض الاعلاميين الذين لم يرحموا أدق خصوصياته، بل كان دائم الشكوى، مثل أخته جانيت، من ما أسمياه «دأب الإعلام على تشويه صورتهما». في المقلب الآخر، برع أوباما في تطويع الإنترنت، بينما عاش مايكل جاكسون فترة التلفزيون الذهبية مع «ام تي في» تحديدا، فاستفاد منها واستفادت منه. إلا ان قمة الافتراق بين جاكسون والاعلام كانت عند ظهور دعاوى قضائية بحقه واتهامه مرتين بالتحرش الجنسي بقاصرين. لم يستطع جاكسون كبح جماح خيبة أمله وغضبه. اعتبر انه مستهدف وأن اميركا ومحبيه خذلوه بعدم الوقوف إلى جانبه (ولو ان براءته ظهرت لاحقاً في قضية، وتمت تسوية دعوى أخرى). أدار ظهره للإعلام والولايات المتحدة ورسم حول نفسه جداراً عازلاً، حتى عندما سكن في الخليج، ترددت أخبار عن ارتدائه برقعاً كي لا يبقى مكشوفاً لفضولية الناس والإعلام. لكن المحاولة فشلت. فجاكسون كان يحب الاهتمام الجماهيري لكنه لم يكسب تعاطفاً إعلامياً كبيراً أثناء الأزمة، بعكس أوباما الذي اقترب اكثر من الاعلام في الفترات الحرجة، كما عندما اثار غلاف مجلة «ذي نيويوركر» (الذي أظهره مرتدياً عمامة مع زوجته وخلفه صورة بن لادن) ضجة ساهمت في وضع المزيد من علامات الاستفهام حول ما يقال عن اسلامويته واسمه الأوسط حسين. تشديد اوباما على هيئة واثقة متصالحة مع الذات والجذور ثم التركيز على أواصر عائلية متينة جداً، كلها دعّمت صورة نعت بشكل أو بآخر المشهد الذي رسمه جاكسون على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
أمس، تعاطى الاعلام الأجنبي مع وفاة جاكسون المفاجئة بلكنة تكاد تكون اعتذارية، فالتركيز لم يكن على عمليات التجميل المتعاقبة بصورة مرضية، ولا على الأزياء الغريبة ولا زواجاته المتعددة أو تعمده تغطية وجوه أبنائه بأقنعة لحمايتهم من الإعلام تماماً (هنا فارق آخر مع أوباما). لمرة واحدة منذ سنوات، أجبر كثيرون على العودة إلى جاكسون الفنان الذي جعل من موسيقى البوب - التي ينظر إليها على انها «أخف» من أنواع موسيقية كالروك مثلاً- ظاهرة ثقافية عالمية، هذا عدا ان موسيقاه وطبقة صوته التي تغيرت في مراحل حياته من السوبرانو إلى التينور العالي، أتت في توأمة مع جسد يستطيع ان يفكك ويعيد تركيب نفسه خدمة لكوريغرافيا وحركات راقصة بقي أشهرها على الاطلاق «مشية القمر» تبعتها كوريغرافيا الرجل الآلي، كما عاد معجبوه أمس إلى رثائه بطقوس الرقص أو الحديث عن فن جاكسون الذي ترك أثراً يصعب حصره على المستوى العالمي، كما استرجعت معظم الشهادات (من «سي أن أن» إلى شاشاتنا وإذاعاتنا المحلية) اكتساحه العالم في أكثر من ألبوم بقي اشهرها على الاطلاق «ثريلر» الذي كان الفيديو المصور خاصته بمثابة فيلم قصير (13 دقيقة) سحر ملايين الشباب على مدى سنوات.
كل هذا الاهتمام يؤكد ان الرجل الذي برع بـ «مشية القمر» الراقصة لم يفقد جاذبيته يوماً وإن اتهم بفقدان توازنه النفسي.. والمفارقة ان جاكسون تزوج بإبنة ايقونة ثانية في عالم الموسيقى أي ليزا ماري ألفيس برسلي. هنا تحضر مقارنة ثانية. فبرسلي وجاكسون شهدا تحولات كبيرة في الشكل والمظهر اقتربت إلى حد التشويه. مرض برسلي واكتسب وزناً كبيراً كردة فعل على الإحباط والقلق، وأكد كثيرون ان إدمان جاكسون على عمليات التجميل ليس سوى رغبة في التخلص من عقد في الطفولة. ركز الاعلام على تفتيش برسلي على صورة الأم في علاقاته الشخصية، أما زواجات جاكسون المتكررة فبقيت أيضاً محط بحث وتحر بصفتها بحثا عن عائلة مفقودة ولو ان أحداً لم يعلم اسم زوجته الأخيرة. من جهة ثانية، يتعارض جاكسون جذرياً مع برسلي في نواح اخرى. فجاكسون فنان قدم صورة الثائر مع انفصاله عن عائلته وانتقاله من البلوز إلى البوب ومن الحركات البسيطة الى الرقصات الحداثية ثم الى ارسائه نمطاً جديداً، بينما غنى الروك أند رول واتهمه السود في بداية مسيرته الفنية بسرقة «الألحان السوداء» ورد هو بالعكس، إلا ان الاختلاف الابرز تترجمه زيارة برسلي للرئيس الأميركي نيكسون أثناء الحرب على فيتنام وتأييده للهجمات وانخراطه في الخدمة العسكرية، ثم لاحقاً انتقاده لفريق «البيتلز» الذي نافسه في الشعبية فبدا برسلي تقليديا ينضوي تحت لواء السلطة. بينما حافظ جاكسون على نمط ظهر معاكساً لتقليدية في الأفكار والأداء والتصرف وكتب أغنيات تدعو الى المساواة واحترام كل الشعوب.
بموت جاكسون يشهد العالم غياباً مؤلماً لملك البوب.. هذه المرة هو غياب (مُسبب؟) لفنان عوملت حياته بطريقة تشبه كرنافالات وغرائب مسموح التفتيش في دقائقها من دون مراعاة معاناة صاحبها.

مايسة عبود

المصدر: السفير

التعليقات

إلفيس في الستينات, البيتلز في السبعينات, مايكل جاكسون صنع الثمانينات, كان رمزاً للقلق و تحطيم الرومنسية التي سادت في الأجيال السابقة. جيل الثمانينات بما فيه من ثورة في الميديا و تطبيقاتها : الكليب الذي قدم اولى أغنياته يعد تحف فنية تحتفي بعصر جديد من التقنيات. و هو ما دأب على تقديمه في كل أعماله على الخشبةأو في الكليب. رجال من وزن كوبولا صنعوا صورته. عمليات التجميل و تغيير لونه تعد علامة فارقة ليس في حياته بل في تاريخ جيل كامل و ماتزال موجتها ممتدة حتى يومنا هذا. وقف سلاش الى جانبه على المسرح , ظهرت نعومي كمبل في كليباته, إيدي ميرفي, رجل ينام في كبسولة أوكسجين, مايكل جاكسون رمز للتحولات العميقة في الثقافة الاجتماعية التي قادها اقتصاد السوق- العولمة- قد لا يكون الراقص الأهم و لكنه عاش في الميديا التي صنعت اسطورته. فقدمته على انه ملك الرقص من خلال المونتاج. هنا لا يجب أن ننسى ملوك الرقص النقري الذين أفاد من حركاتهم , لا يمكن مقارنته بملك السول جيمس براون . و لكنه بلا منازع مختبر لتحولات القرن العشرين و بموته تنطوي صفحة من كتاب القرن العشرين.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...