عندما تتحوّل ورقة نقديةإلى لوحة فنية

01-06-2013

عندما تتحوّل ورقة نقديةإلى لوحة فنية

ليست أوراق النقد مجرد وسيلةنموذج عن فئة المئة ليرة إصدار العام 1945 للتداول بين الناس، ولا هي عبارة عن مجموعة من الأرقام فقط يستخدمها علم الاقتصاد في تحليله للتجارة وحركة السوق.
في الواقع، هناك جانب جمالي في تصميم أوراق النقد يسمح لنا بمقاربتها من منظور مختلف بعض الشيء، فتصبح عملاً فنياً يجمع بين الإبداع والرونق.
ولا شك في أن فئة المئة ليرة لبنانية إصدار «بنك سوريا ولبنان» العام 1945 تنطبق عليها جميع المواصفات الكفيلة برفع عمل ما إلى درجة الفن. فهي تخلب الألباب بزخارفها المنمقة حتى يخال المرء أنه ينظر إلى لوحة فنية رسمتها ريشة مبدع قدير. وهي تختزن من التفاصيل والدقة ما يعجز جهاز الحاسوب في عصرنا الحديث أن يقلدها. وألوانها متناسقة تأسر العين التي تحتاج إلى تمحيص كبير كي تتمكن من فك أسرارها وملاحظة التناسب الذي يطغى على تصميمها.
وقد طافت هذه الورقة ببهائها أرجاء العالم، فجرى تصنيفها بين الخبراء أنها من أجمل العملات الورقية التي أصدرتها دولة ما. وحققت نتيجة لذلك سعراً مشجعاً في المزادات العالمية على الرغم من أنها ليست بندْرة وأهمية الـ250 ليرة لبنانية إصدار العام 1939. وهي حتماً الأجمل من بين الإصدارات العربية، ولو كانت فئة المئة ليرة إصدار «بنك سوريا ولبنان الكبير» العام 1925 تنافسها أحياناً موقع الصدارة.
وما يزيد من سحر هذه الورقة هو مصيرها الحزين. فبعد عدد يسير من السنوات على وضعها في التداول تبين وجود كمية مهمة من الأوراق المزورة ما دفع «بنك سوريا ولبنان» إلى اتخاذ تدابير سريعة، فتم سحبها من السوق العام 1952. وهكذا تكون قد انتهت رحلة هذه الفئة التي لم تعمر طويلاً فضاعت من ذاكرة اللبنانيين وسقطت في غياهب النسيان.
والذاكرة هي بالتحديد ما يجب العمل على إحيائها من جديد. فمقارنة سريعة بين إصدارات أوراق النقد القديمة والإصدارات اللاحقة للعام 1994 تظهر لنا مدى التحول الكبير الذي طرأ على تصميم العملة اللبنانية. فالذي ينظر إلى الأوراق النقدية الموجودة اليوم بين أيدينا يصاب بحالة من الاستغراب الشديد نظراً لما تحمله من أشكال نافرة ورموز عجيبة، لدرجة يظن المرء فيها أنه ينظر إلى لوحة تجريدية في معرض للفن الحديث. وغني عن القول إن العملات يجب أن تعبر عن تاريخ الدول وتراث الشعوب. فإذا ما حذفنا كلمة «مصرف لبنان» لا يمكن لأي إنسان توقع هوية الدولة التي أصدرت هذه الأوراق. فلماذا يتم تجاهل تراث لبنان العريق؟ ولماذا لا تحمل عملتنا ما يعكس ثقافتنا وتاريخ وطننا؟ أسئلة نضعها بتصرف المعنيين، وإلى حين الإجابة عليها، نعزي أنفسنا بورقة المئة ليرة من الماضي التليد.

وسام اللحام

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...