"تجريد الفن من النزعة الإنسانية".. الجديد والجمهور

05-02-2014

"تجريد الفن من النزعة الإنسانية".. الجديد والجمهور

مشكلة الإنسان كساكن في هذا الكوكب مشكلة وجودية، لكنه تم تقليصها إلى مشكلة ذات طابع وطني، يعني تحويلها إلى دعابة، لكن أين هي الجنة؟ هل هي منظر الشمال أم منتصف النهار؟ يتساءل الكاتب الإسباني خوسيه أورتيغا أي غاسيت - 1883-1955 في كتابه "تجريد الفن من النزعة الإنسانية (الهيئة السورية للكتاب -2013) فيقول إن الجنة "هي المشهد الكلي الوجود لتراجيديا الحياة الهائلة"، حيث الإنسان يكافح فيها دائماً؛ هنا المنظر لا يحتاج إلى أشجارٍ آسرة، ولا إلى مواد مستخدمة في لوحة الموناليزا، فتجريد الفن من النزعة الإنسانية يُعدّه الكاتب "تهديماً وتحطيماً لمثالية جمالية قديمة"، يؤدي غيابها إلى الابتعاد عن المتلقي العادي للنتاج الفني؛ إلا أن صاحب كتاب "تمرّد الجماهير" يؤكد في مؤلفه، الذي نقله إلى العربية المترجم السوري جعفر محمد العلوني، أن "الفن الجديد لا يعتمد على الفنان وإنما على المتلقي الذي يتذوّقه" لينتهي به المطاف إلى إمكانية إعطائه تفسيراً نقياً محضاً، وبهذا تتحقق فكرة "الفن الخالص".
يبين لنا أورتيغا دور الاستعارة مستخدمةً لا كمصدرٍ جمالي وإنما كشكل من أشكال المعرفة؛ فمن خلالها يستطيع الإنسان النفاذ إلى المظاهر المظلمة للواقع؛ فبالإضافة إلى شرح الكاتب لوظيفة الفن الجديد المجرد من الإنسانية؛ هناك مقالتان لأورتيغا؛ الأولى يهاجم فيها المؤلف موقف الإنكليزي "راسكن" من الفن على أنه حالة اعتيادية ويومية؛ لكون هذه النظرة ستقضي عاجلاً أم آجلاً على الجمالية؛ فالفن في نظر الكاتب "يجب أن يحتوي على عوالم شعورية مجهولة" فهو دائماً يحتوي على شيء من الواقع؛ أما المقالة الثانية من الكتاب فجاءت تحت عنوان "آدم في الجنة" وتتألف أيضاً من مجموعة من المقالات تعالج موضوعات جمالية مختلفة؛ ففي البداية يمدح أورتيغا فن الرسام الإسباني "زولواغا" الذي يخلق في لوحته عالماً جديداً من الأشياء الفيزيائية التي يرسمها؛ ثم يتحدّث عن كل من العلم والأخلاق والفن بوصفها "أجوبة عن تساؤلات الإنسان". إذاً كل فن جديد هو "فن غير جماهيري" وليس هذا بمحض الصدفة؛ وإنما بسبب هدفه الجوهري؛ فالفن غير الجماهيري له جانبان: "المحبوب والمفهوم" و"المنفر الغامض" فالأسلوب الفني الذي يجدّد ويخلق يستغرق بعض الوقت ليلقى رواجاً بين الناس؛ وهو بدوره ليس جماهيرياً؛ لكنه في الوقت نفسه ليس غير جماهيري؛ فالأكثرية تقف ضد الفن الجديد وستقف دائماً لكون "أي جديد في الفن ليس له جمهور".
يوغل صاحب "دراسات في الفن" في نقد الحدود الفاصلة بين الفن الشعبي وفن النخبة، موضحاً أن أي نتاج فني جديد يُحدث تأثيراً اجتماعياً تلقائياً في الجماهير فيقسمها إلى قسمين: أقلية مؤلفة من عدد محدود من الأشخاص يفضّلون هذا الفن الجديد؛ وأكثرية لا تُحصى تقف ضده؛ فكل عمل إبداعي سيُحدث تباعداً في الرأي والذائقة؛ وهو لا يخضع لمبدأ معين. فالأمر يتعلق بأن أكثرية الجمهور "لا تفهم" العمل الفني الجديد.
يلتقط الفيلسوف الإسباني شواهد من القرن التاسع عشر مدللاً على فكرته؛ فالفن الجديد ليس لكل الناس كما كان سائداً في الفن الرومانسي؛ بل هو موجّه إلى "أقلية موهوبة" على وجه الخصوص، ومن هنا كان غضب الأكثرية. وجهة نظر الكاتب يدعمها سلوك الفنانين الأوروبيين في القرن التاسع عشر أيضاً؛ فهؤلاء بحسب أورتيغا كان أسلوبهم "مغشوشاً" لكونهم قللوا إلى أدنى حد من العناصر الجمالية الواضحة وشدّدوا على أن يقوم العمل كله تقريباً على تخيل الوقائع الإنسانية؛ وبهذا المعنى يكون فن القرن التاسع عشر برأي أورتيغا "فناً واقعياً" فقد كان بيتهوفن وفاغنر واقعيين؛ وكذلك كان شاتوبريان وإميل زولا.

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...