حقيقة النوايا الأمريكية تجاه المفاوضات على المسارين السوري اللبناني

02-09-2010

حقيقة النوايا الأمريكية تجاه المفاوضات على المسارين السوري اللبناني

الجمل: تداولت بعض الوسائل الإعلامية تصريحاً أمريكياً رفيع المستوى يقول بأن واشنطن أصبحت تتملكها نوايا العمل لجهة تفعيل مفاوضات السلام الإسرائيلية على المسارين السوري واللبناني: كيف نقرأ هذا التصريح الأمريكي؟ وما هي حقيقة النوايا الأمريكية المحفزة لصدور هذا التصريح؟ وما مدى مصداقية توجهات الدبلوماسية الأمريكية إزاء تفعيل مفاوضات السلام على المسارين السوري واللبناني مع إسرائيل؟
* توصيف المعلومات الجارية: أبرز التقارير الإخبارية
تحدثت بعض التقارير الإخبارية الجارية عن تصريح مبعوث السلام الأمريكي الخاص للشرق الأوسط السيناتور جورج ميتشل، والذي قال فيه بوجود نوايا أمريكية مع أجل تفعيل مفاوضات السلام مع إسرائيل على المسارين السوري واللبناني، وفي هذا الخصوص نشير إلى المقاطع الآتية التي وردت في تصريح السيناتور ميتشل كما وردت في بعض المصادر الأمريكية:
• بالنسبة لسوريا فإن جهودنا سوف تستمر "من أجل انخراط سوريا وإسرائيل في محادثات ومفاوضات يمكن أن تقود إلى السلام هناك وأيضاً إسرائيل ولبنان".السيناتور الأمريكي جورج ميتشل
• أنتم تتذكرون أن الرئيس عندما أعلن تعيين "بعد يومين من دخوله مكتب الرئاسة، فقد أشار إلى السلام الشامل بين إسرائيل والفلسطينيين، وإسرائيل وسوريا ولبنان، وأن تعيش إسرائيل بسلام وأن تكون لها علاقات طبيعية مع كل جيرانها العرب" ثم أضاف السيناتور ميتشل قائلاً بأن "ذلك سوف يبقى هدفنا".
هذا، وأشارت التقارير الإخبارية إلى النقاط الآتية المتعلقة بتصريح السيناتور ميتشل حول النوايا الأمريكية لجهة تفعيل محادثات السلام الإسرائيلية على المسارين السوري واللبناني:
- التوقيت: جاءت التصريحات عشية انعقاد جولة المحادثات الفلسطينية-الإسرائيلية.
- المكان: العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي.
- المناسبة: إطلاع الصحفيين والمراسلين الأمريكيين وغير الأمريكيين على جهود إدارة أوباما إزاء السلام في الشرق الأوسط قبيل لقاء نتنياهو- محمود عباس.
هذا، وأشارت لتقارير إلى أن السيناتور ميتشل قد سبق أن قام بعد جولات و زيارات لمنطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الخصوص، زار ميتشل كل من إسرائيل ودمشق وبيروت، إضافة إلى زيارات استطلاعية أخرى قام بها بعض رموز الكونغرس الأمريكي (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) وبعض كبار المسئولين الأمريكيين في الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي الأمريكي.
* تصريح السيناتور جورج ميتشل: تحت مجهر التحليل السياسي
جاء تصريح السيناتور جورج ميتشل في لحظة دقيقة مركبة الازدواج، وذلك بما جعل من محتوى ومضمون التصريح يحمل أكثر من تفسير وأكثر من دلالة:
• تفسير ينظر للتصريح باعتباره محاولة لإيهام الرأي العام بأن واشنطن تسعى من أجل تحقيق السلام على كافة محاور الصراعات والنزاعات الشرق أوسطية العربية-الإسرائيلية.
• تفسير ينظر للتصريح باعتباره محاولة لطمأنة دمشق وبيروت بأن دورهم في عملية السلام قادم لا محالة ريثما تنتهي واشنطن من إكمال مسيرة السلام الفلسطيني-الإسرائيلي.
• تفسير ينظر للتصريح باعتباره محاولة لدفع بيروت ودمشق باتجاه دعم جهود جولة المفاوضات المباشرة الفلسطينية-الإسرائيلية، طالما أن نجاحها سوف يفسح المجال أمام تحقيق واشنطن للمزيد من التقدم في ملفات السلام مع دمشق وبيروت.
• تفسير ينظر للتصريح باعتباره محاولة ردع دبلوماسي للمفاوضين الفلسطينيين، بما معناه: إذا لم تنجح هذه المفاوضات فإن واشنطن تنوي تحريك المسارين السوري واللبناني، وبالتالي يتوجب على رام الله أن تحرص على إنجاح جولة التفاوض هذه عن طريق عدم التردد في تقديم المزيد من التنازلات.
• تفسير ينظر للتصريح باعتباره يعبر عن رغبة حقيقية للإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية لجهة توسيع جهود إحلال السلام بما يشمل جميع الأطراف المتنازعة مع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.وزير الخارجية السورية وليد المعلم
برغم هذه التفسيرات، واحتمالات وجود المزيد منها، فمن المهم قراءة تصريح السيناتور جورج ميتشل على خلفية سياق العلاقة الخاصة الأمريكية-الإسرائيلية وكواليس خط محور واشنطن- تل أبيب الخلفية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- من غير الممكن للإدارة الأمريكية أن تدفع باتجاه عقد جولة المفاوضات المباشرة الإسرائيلية-الفلسطينية الحالية، إذا تتفاهم واشنطن مع إسرائيل وتحصل على موافقة مسبقة.
- من غير الممكن للسيناتور الأمريكي ميتشل أن يطلق مثل هذا التصريح إذا لم يكن قد تفاهم مسبقاً مع الإسرائيليين، ليس على هذا التصريح وحسب، وإنما على كل محتويات ما سوف يقوله في المؤتمر الصحفي.
جاء السيناتور جورج ميتشل مراراً وتكراراً بحيث ظل يتردد كمبعوث أمريكي خاص للسلام منذ أيام إدارة الرئيس كلينتون. وبعد طول انقطاع خلال فترة إدارة بوش الأولى والثانية، برز السيناتور جورج ميتشل مرة أخرى ليقوم بدور لاعب الدبلوماسية الوقائية الأمريكية الجديدة في المنطقة، وحتى لا نذهب بعيداً في التفاؤلات المثالية، فقد عودتنا معطيات خبرة مبعوثي السلام الخاص الأمريكيين، على أن التشاؤم بمستقبل هذه الجهود هي الأمر الأكثر واقعية. وتأسيساً على ذلك –وحتى يثبت العكس- فمن الممكن الإشارة إلى النقاط الآتية باعتبارها تمثل العناصر غير المعلنة في تصريحات السيناتور جورج ميتشل:
• رفضت إدارة بوش الجمهورية السابقة دعم أي جهود تفاوضية بين سوريا وإسرائيل.
• سعت إدارة أوباما الديمقراطية الحالية إلى التعامل بسلبية مع جهود الوساطة التركية التي تعلقت بالمحادثات غير المباشرة السورية-الإسرائيلية.
• لم ترفض واشنطن مساعي إسرائيل التي هدفت إلى تقويض جهود الوساطة التركية.
وعلى ما يبدو، فإن نوايا واشنطن التي يزعم السيناتور جورج ميتشل بأنها تهدف لجهة تفعيل مسار مفاوضات السلام على المسارين السوري واللبناني، هي نوايا تحمل التلميحات المبكرة الإستباقية الآتية:
- لم تنجح جهود إسرائيل لجهة دفع دمشق إلى التخلي عن جهود أنقرا. وبالتالي، فربما تنجح إغراءات واشنطن في دفع دمشق إلى هذا التخلي، بما يخلق تباعداً بين طرفي علاقات خط دمشق-أنقرا، وهذا التباعد الذي سوف تسعى إسرائيل إلى استغلاله من أجل استعادة قوة الروابط التركية-الإسرائيلية، والتي تدهورت بشكل متواتر بتأثير دخول دمشق المتواتر في الساحة التركية.
- لم تنجح جهود إسرائيل عن طريق الحرب والتهديدات في إرغام لبنان لجهة التخلي عن خيار الروابط مع دمشق، وذلك بما أدى إلى انهيار فرضية نظر أمن الحدود الشمالية الإسرائيلية  عن طريق إقامة اتفاقية سلام إسرائيلية-لبنانية بمعزل عن دمشق. والآن، فإن واشنطن قد تسعى لتفعيل مسار المفاوضات السورية ومسار المفاوضات اللبنانية، ثم عن طريق إدارة التفاوض تقوم بتوسيع الفجوة وجعل قضايا المسار اللبناني تتعارض مع قضايا المسار السوري، ثم يتم الدفع باتجاه توقيع اتفاقية على المسار اللبناني، وتعليق المسار السوري.
هذا، وبرغم المثل القائل بأن "فوق كل ذي علم عليم"، فإن ما يحدث في واشنطن الآن، هو محاولة أمريكية-إسرائيلية جريئة لتصفية القضية الفلسطينية، على وجه الخصوص ما يتعلق بإفساح المجال أمام إسرائيل لكي تتخلى بشكل كامل عن بنود اتفاقيات أوسلو، فقد اشترط بنيامين نتنياهو أن تأتي السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، يعني لا أوسلو ولا خارطة الطريق ولا خلافه. و الآن ذهب رئيس السلطة الفلسطينية بالفعل إلى المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة، أي أنه قطع التسلسل المنطقي الإجرائي القانوني الدولي لسياق اتفاق أوسلو، وعلى غرار قاعدة الأمر الواقع المعترف بها دولياً، فإن السلطة الفلسطينية لن تستطيع التذرع ببنود اتفاقيات أوسلو لا في هذه المفاوضات ولا في أي مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية قادمة طالما أن رئيسها محمود عباس قد نفذ عملياً حضور جولة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية المباشرة الحالية (دون قيد أو شرط).

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

التعليقات

هذا، وبرغم المثل القائل بأن "فوق كل ذي علم عليم"، الرجاء تغير هذا السطر وهذا ليس بالمثل القائل كما في مقالتكم، وإنما هذه أية من القرأن الكريم من سورة يوسف 12/76 وهذا لا يجوز تحريف المقال وشكراً

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...