الدعاوى القضائيةعلى الصحفيين السوريين:دعوى بـ 1.5ملياروأخرى بمئةمليون

17-08-2010

الدعاوى القضائيةعلى الصحفيين السوريين:دعوى بـ 1.5ملياروأخرى بمئةمليون

دعوتان قضائيتان قد تجعلان من الصحفي في موقع (حكاية سورية) رامي منصور علامة فارقة بين أقرانه الصحفيين في سورية والوطن العربي لجهة التعويضات المطلوب منه دفعها للمدعين عليه والبالغة مليار ونصف المليار ليرة سورية بتهمة نشر أخبار غير صحيحة، يليه الصحفي في جريدة الثورة سلمان عز الدين بتعويض قدره 100 مليون ليرة سورية عن دعوى قضائية واحدة، ثم الصحفي في جريدة تشرين إياد عيسى بتعويضات فاقت عتبة الـ 15 مليون ليرة سورية عن 11 دعوى قضائية لتهم تندرج جميعها تحت جرائم (القدح، الذم، التشهير، الأخبار الكاذبة) تم البتّ بـ 5 منها، ولاتزال إجراءات التقاضي مستمرة في الدعاوى المتبقية، ثم مدير تحرير صحيفة الاقتصادية علي حمرة المطالب بتعويض قدره 15 مليوناً عن دعوى قضائية واحدة، ووصلت عدد الدعاوى المرفوعة على الصحفي في جريدة الثورة شعبان أحمد إلى 8 دعاوى مع مطالبة بتعويضات بملايين الليرات، وتكاليف تجاوزت 100 ألف ليرة، كما رفعت 3 دعاوى على الصحفية في جريدة تشرين فادية شحيبر مع مطالبة بتعويض قدره 5 ملايين ليرة سورية.
ورغم أن هذه التعويضات لا تدفع بذات القيمة التي طلبها المدعي، لكن رفع دعوى قضائية بحد ذاته على الصحفي سواء كسبها أم خسرها يلزمه بتكاليف ونفقات كبيرة هو بغنى عنها كالسفر إن لزم الأمر، وتوكيل محامٍ على حسابه الشخصي، وقد يعلم المدعي تمام العلم أن دعوته خاسرة وأن المقال الصحفي من المفردات الجرمية براء، لكنه يتابع فيها لأغراض كثيرة منها لَيّ ذراع الصحفي عبر تدويخه بدوامة طويلة في المحاكم، وخاصة أن القضية الواحدة قد تستغرق 10 سنوات، خلافاً لقانون المطبوعات الذي يحدد مدة الدعوى القضائية في كل محكمة بـ 3 أشهر فقط كما ورد في المادة 57 من أصول المحاكمات في قانون المطبوعات.
تمييز بين الصحفي ومؤسسته

يؤكد الصحفي إياد عيسى أن الصحف الحكومية لاتعامل موظفيها بالمسؤولية المطلوبة، إذا ماتعرضوا لمحاكمة قضائية سببها تحقيق صحفي نشر على صفحاتها ووافقت عليه إدارتها، رغم النفقات الكبيرة التي يرتبها رفع 11 دعوى قضائية على الصحفي، مشيراً إلى أن بعض زملائه المحامين تكفلوا بنفقات بعض الدعاوى ما خفف عبء التكاليف الكبيرة عليه.     
وقال عيسى: أغلب الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الصحفيين غايتها الثأر وإرباك الصحفي وابتزازه، وتحقيق هذه الأمور متاح للمدعي طالما أن الإعلامي يحاكم في محكمة بداية الجزاء والتي توجب الحضور على المدعى عليه، وتعفي المدعي من ذلك إن حضر محاميه.
ويستحضر عيسى للاقتصادي بعضاً من الدعاوى المرفوعة عليه فيقول: "ادّعى عليّ مسؤول سابق في إدارة الجمارك، وكان صدر حكم بحقه يتعلق بسوء استخدام السلطة وغرم بالحبس والمال، فنشرت الخبر كما هو متضمناً الحكم فقط، ولم يتضمن الخبر رأياً ولا ذماً ولا قدحاً، كما أنّ نشره غير محرم وفق قانون المطبوعات ومع ذلك، أدرج القضاء الدعوى تحت عنوان (القدح والذم) ولكني كسبت الدعوى في النهاية". كما يذكر تفاصيل قصة أقرب للطرافة بقوله: "رُفعت عليّ دعوى سقطت بالتقادم وتتعلق بمجموعة من المخالفات في إحدى البلديات، ونشر المقال في صحيفة تشرين عام 1998 وتنبه المعني بالتحقيق لرفع الدعوى ضدي بعد 9 سنوات أي في العام 2007 وضدّ شخص آخر معي، علماً أن الشخص الثاني انتقل إلى جوار ربه".
ويؤكد عيسى أنه فوجىء عام 1996 بحكم صدر بحقه، بعدما تشبيهه لكراجات بيروت وعمان بالمافيا، لافتاً إلى أن المتضررين كانوا يريدون الحصول على صك براءة من المحكمة قبل أن يصدر قرار ضدهم من الرقابة والتفتيش بعد وصول الموضوع إليها، وصدر حكم مثبت عليه بدفع غرامة قدرها 1500 ليرة.  ويشير عيسى إلى أنّ تبليغه بضرورة حضور المحاكمة جرى لصقاً بسبب جهالة عنوانه، رغم أن الدعوى رفعت ضده كونه صحفياً بجريدة تشرين، مايعني أن العنوان موجود. ويؤكد عيسى أنه استفاد في عدة دعاوى أخرى من مراسيم العفو.
ابن بطوطة
ينظر الصحفي شعبان أحمد من صحيفة الثورة والذي رفعت ضده 8 دعاوى قضائية مع مطالبة بتعويضات وصلت لملايين الليرات السورية بطريقة مختلفة، فهو ينصف القضاة ويؤكد تفهمهم لآلية العمل الصحفي، إلا أن المشكلة ـ حسب أحمد ـ تتعلق بالعذاب الذي يتكبده الصحفي في حال اضطر لحضور محكمة في محافظة تبعد مئات الكيلو مترات عنه، وبالتكاليف المادية التي عليه أن يدفعها، فالدعوى القضائية الواحدة تكلّف 250 ألف ليرة سورية وقبل صدور أي حكم.
ويشبّه أحمد نفسه بابن بطوطة الذي عليه أن يسافر دورياً من محافظة لأخرى ليلاحق 8 دعاوى مرفوعة عليه كرمى لعيون المدعين، وأن يكون معه محامي لاتقل أجرة وكالته عن 5000 ليرة، لافتاً إلى أنه لم يلجأ لاتحاد الصحفيين ولا في أي دعوى رفعت عليه فهذا أكثر راحة لباله وطمأنينة لنفسه، إذ إن صديقه محام ويتكفل بمعظم قضاياه. وينتقد أحمد مقاضاة الصحفيين في المحاكم الجزائية، مبيناً أن رفع الدعوى ضد الصحفي الذي يعمل لدى جهات القطاع العام يجب أن تطاله بصفته الوظيفية في مؤسسة حكومية، مايستوجب رفع الدعوى ضد المؤسسة والصحفي معاً بصفته الرسمية إضافة لعمله وليس بصفته الشخصية.
ويسرد شعبان أحمد تفاصيل بعض القضايا التي رفعت ضدّه وضدّ صحيفة الثورة بالقول: "نشر مراسل صحيفة الثورة في إحدى المحافظات تحقيقاً عن المخطط التنظيمي في هذه المحافظة، وتضمن التحقيق رأياً لرئيس مجلس المدينة، كما تم توجيه أسئلة مكتوبة له ونشرت أجوبته كما قالها حرفياً، لكنه اعترض بعد نشر الموضوع على عنوان معين، وأقام دعوى قدح وذم ولكن الصحيفة ربحت الدعوى".

ويتابع: "ورفعت ضدّي بصفتي الشخصية دعوتان بدمشق سقطتا بالعفو، واحدة منهما تتعلق بمقال نال من مدير الشؤون القانونية في إحدى المؤسسات الحكومية، إذ استطاع الحصول على ورقة غير موظف وجواز سفر دون أخذ موافقة الجهة التي يعمل لديها، وحينما قبض عليه في المطار وحققت الهجرة والجوازات معه ردّ في محضر التحقيق: فعلت ذلك لجهلي بالقوانين والأنظمة النافذة".
ويضيف شعبان أحمد: استفز ردّ هذا المدير قلمي، فكتبت (مدير الشؤون القانونية يجهل في القوانين والأنظمة النافذة) ولم أسمّه، وكان المحضر بحوزتي والوثائق كلها معي، وبعد النشر رفع مدير الشؤون القانونية دعوى قدح وذم ضدّي، ولكني لازلت أتساءل ماهو القدح والذم بنظرهم، وكيف يفهمونه؟.
ويتحدث عن دعوى ثانية في إحدى المناطق الساحلية، فيقول: "لدي وثيقة عن حكم وقّعه قاض ومصدق بحق أحد المسؤولين في مجلس المدينة والذي ارتكب مخالفات كثيرة وحكم 3 أشهر بالسجن، وكتبت عن مخالفاته، وواجهته بالحكم الصادر بحقه فأقام دعوى ضدّي".
ويكرر أحمد: "غريبة تلك الجرأة التي تجعل البعض يقيمون الدعاوى لدى مواجهتهم بحقيقتهم"، منوهاً إلى وجود جهد من وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين لتعديل قانون المطبوعات، وإلى ضرورة إلغاء عقوبة السجن عن الصحفي.
ويختم أحمد: "أنا لا أدافع عن الصحفي غير المهني، فذاك يجب أن يعاقب ما لم يمتلك الوثائق قبل التعرض لأي كان بمادة صحفية، وهنا أنوه بأن بعض الصحفيين يسيئون إما لجهل أو لغايات شخصية، فبعضهم عنده ردود أفعال وانتقام، بينما هناك آخرون ملتزمون يقعون في شرك الجهل، وليس عندهم النية السيئة، لذا فإنّه حري بكل صحفي أن يقرأ قانون المطبوعات ويتعلم كيفية التعامل مع المادة الصحفية قبل نشرها".

حوار المتنافسين
يكون مثول الصحفي أمام المحكمة أشد وطأة عليه إن كان المدعي لا يقنع بمبالغ مقبولة لتعويضه عما يسميه (ضرراً لحق به) جرّاء مادة صحفية كتبت بحقه، بل يطلب مبالغ مرتفعة هي أبعد ما تكون عن نتاج العمل الإعلامي. وهذا فعلاً ما واجه الصحفي رامي منصور والذي أجرى حواراً مع أحد رجال الأعمال ونشره في موقع (حكاية سورية)، فما كان من أحد منافسي رجل الأعمال هذا، إلا أن رفع دعوى قضائية ضدّ الصحفي الذي أجرى الحوار، لكون الشخص المحاور استهدفه في ردّه على أجوبة الصحفي، فطالبه بتعويض قدره مليار ونصف ليرة سورية.
وعن هذا يقول منصور: "ربما لا يعلم من يطالبون بهذه المبالغ الخيالية، أن الصحفي يحسب الأيام انتظاراً لأول الشهر أملاً في أنّ يقبض راتبه"، ويضيف: رغم أن المحكمة لا تحكم غالباً بذات التعويض المطلوب من المدعي، وهي تحاكم الصحفي في محاكم الجزاء التي لا تأخذ قانون المطبوعات بالحسبان، الأمر الذي يضطره لشرح مهام الصحافة مراراً وتكراراً.
ويؤكد منصور أن سورية تفتقد لمحاميين لديهم اطلاع كاف على قانون المطبوعات وآلية عمل الصحافة، مبيناً أن الدعاوى المرفوعة ضدّه اضطرته لرفع دعاوى على ذات المدعين حتى لا يكون الحلقة الأضعف، وخاصة أن التسجيل الصوتي الذي يشهد له بالحوار الذي أنكره الطرف المحاور معه لايعتد به أمام المحكمة.
هذه الدعوى المرفوعة ضدّ الصحفي رامي منصور رُفعت نفسها ضدّ الناشر الإلكتروني في موقع (حكاية سورية) طارق الخطيب، وتمت مطالبته أيضاً بتعويض قدره مليار ونصف ليرة سورية بالتعاضد والتكافل فيما بينهما، إذ لم يميز المدعي بين مهمة الناشر الإلكتروني والتي هي تنفيذية وتقانية فحسب تتعلق بنشر المواد في الموقع، وبين مهمة الناشر الذي يحصل على رخصة لافتتاح مطبوعة إعلامية أو موقع إلكتروني، ويكون هو نفسه المدير المسؤول عن كل ما يخص أمور هذه الوسيلة الإعلامية، أو ربما أن تقارب مسميات بعض  المصطلحات المتعلقة بتعريف كوادر المؤسسة الإعلامية تجعل الآخرين يخطئون في تحديد صلاحيات كل موظف.
وعن هذا يقول الخطيب: "التعريف باسمي كناشر إلكتروني في هيئة تحرير موقع (حكاية سورية) عرّضني لمساءلة قضائية عن حوار صحفي لاعلاقة لي به سوى بنشره في الموقع، إذ تمت مساواتي مع مجري الحوار ومدير عام الموقع رامي منصور فيما أسماه المدعي بالجرم".
صحفي يطلب فتوى
أثارت الدعوى القضائية المرفوعة ضدّ الصحفي سلمان عز الدين بعض ردود الأفعال المستغربة والطريفة من قبل زملائه الإعلاميين، لدرجة اقترح أحدهم عليه دفع نصف مبلغ التعويض المطلوب والبالغ  100 مليون ليرة سورية مقابل أن تنتهي هذه القضية على خير، وهي التي ولدت منذ نحو 3 سنوات إثر كتابته مقالاً نقد فيه إدارة أحد المؤسسات الثقافية وتحدث بأمور هو شاهد عيان عليها في مقال نشره بملحق صحيفة الثورة الثقافي دون أن يتعرض فيه للمدير بقدح أو ذم أو تشهير، ولم ينل منه بصفته الشخصية كما أكد عز الدين.
ورغم الفترة الزمنية الطويلة التي تعرقلت بها قضية عز الدين في المحكمة ومبلغ التعويض الكبير الذي طلب منه المدعي دفعه، إلا أن ثمة أمرين اثنين خففا من عذابه ومتابعته للقضية أولهما صدور مرسوم العفو رقم 22 تاريخ 23 شباط ( فبراير) 2010 حيث تحولت القضية بموجبه من جزائية لمدنية، ولم يعد مضطراً لحضور جلسات المحكمة، والثاني أن شقيقه يمتهن المحاماة، لذا فقد وكّله بالقضية مرتاحاً من الأعباء المادية.
هذه القضية التي انتهت منذ بضعة أشهر فقط، جعلت عز الدين يطلب إفتاؤه إن كانت المؤسسات الحكومية قد سُجلت بأسماء من يديروها وهل هم ورثتها الشرعيون الذين يحق لهم الدفاع عنها حتى إن لم يطالهم النقد بصفتهم الشخصية؟ فمعظم مديري المؤسسات ـ كما أكد عز الدين ـ يماهون بين المؤسسة وشخصهم فتصبح شؤونها شخصية وكأنهم ورثوها أباً عن جد، لافتاً إلى أنه لم يطلب مساندة في قضيته من اتحاد الصحفيين، لأنه وقف مكتوف الأيدي أمام قضايا شهدها لزملائه الذين تعرضوا لدعاوى قضائية مماثلة.
سجين لا يعلم حكمه
تحقيق نشره الصحفي علي حمرة في جريدة تشرين وكشف فيه موطن فساد وصفه بالكبير في ريف دمشق عرّضه لمحاكمة قضائية مع مطالبة بتعويض قدره 15 مليون ليرة سورية ولازالت إجراءات التقاضي جارية، كما رفع المدّعي نفسه دعوى قضائية أخرى ضد جريدة الوطن، مع مطالبة بتعويض قدره 25 مليون ليرة، وخسر المدعي القضية الثانية ولازالت إجرءات التقاضي مستمرة في الأولى رغم أن عقوبة الحبس سقطت عن المدعى عليه بعد صدور مرسوم العفو الأخير رقم 22 في 23 شباط (فبراير) 2010.
وإذ يؤكد حمرة امتلاكه لجميع الوثائق الرسمية التي تثبت صحة مايقول، يتساءل من طرف آخر، ماذا يعني مفهوم "نشر أخبار غير صحيحة" الوارد في قانون المطبوعات والذي يعاقب مرتكبه بالحبس من سنة إلى 3 سنوات؟ وكيف يفهمه المدعون على الصحفي؟ مستغرباً انخفاض الرسوم والتكاليف المطلوبة لرفع الدعاوى القضائية والتي لاتتجاوز 25 ل.س مما يسهّل رفعها بشكل كيدي.
وفي هذا الصدد أقر مجلس الشعب مؤخراً مشروع قانون الرسوم والتأمينات القضائية المتضمن تعديل الرسوم القضائية بشكل يواكب التطورات الاقتصادية والمالية. ولفت وزير العدل أحمد يونس في تصريحات صحفية إلى أن مشروع القانون شمل تعديل تعريفة المحاكم المدنية والجزائية والشرعية والتأمينات القضائية والنفقات بهدف الحد من رفع الدعاوى الكيدية التي من شأنها إشغال المؤسسات القضائية، معتبراً أن الرسوم القضائية النافذة حالياً أسهمت في زيادة عدد مثل هذه الدعاوى.‏‏

كما استغرب حمرة مقاضاة الصحفي غيابياً، حيث حكم عليه بالسجن لمدة سنة ولاعلم له بالأمر، لأن تبليغه جرى لصقاً أي عبر نشر التبليغ على جدران المحكمة، وبعد الاعتراض وافقت المحكمة على دراسة القضية مجدداً. ويقترح حمرة أن ماحصل معه يفترض أن ينبّه الصحفيين السوريين لضرورة القيام بزيارات دائمة واحتياطية للمحكمة تحسباً لأية دعاوى مرفوعة ضدهم.
 ملايين الليرات على متقاعدة
رغم أن الصحفية فادية شحيبر تقاعدت من صحيفة تشرين، إلا أنها لم تتقاعد من تبعات مهنة المصاعب، فهي تمثل أمام محاكم دمشق وحلب بشكل دوري لتتابع سير 3 دعاوى قضائية رفعت ضدّها كلفتها نحو مليون ليرة سورية، ولازال حبل النفقات ممدوداً على الغارب، بانتظار حكم قضائي نهائي بدعوتين رفعتا ضدّها عن ذات الموضوع، وحصلت على موافقة بضمهما بعد سنتين من تقديم الطلب للمحكمة لتجانس الموضوع، ومضى 3 سنوات على وجودهما في محكمة بداية الجزاء الثالثة، ولم يصدر أي قرار بعد، وقد رفعت القضية للتدقيق منذ عام تقريباً وأيضاً لم يصدر فيها حكم حتى الآن.
وتستحضر شحيبر الأسى حينما تقول: "طالب المدعي بسجني وتحميلي مبلغ 5 ملايين ليرة سورية عطل وضرر جراء ما أسماه (تشهير وقدح وذم) وقد ألهاني بالقضيتين 3 سنوات، وكلّفتني كل منهما بحدود 300 ألف ل.س مع المراعاة، كما كلّفتني قضية ثالثة تتعلق بقوافل الحجاج 500 ألف ليرة لكون الدعوى مرفوعة في محكمة حلب وهذا ما تطلّب مني تكاليف إضافية".
وتلفت شحيبر إلى دعوى أخرى مرفوعة ضدّها في حلب تلك الدعوى التي شملت وزير الإعلام بصفته الممول المالي للمطبوعة كماورد في الدعوى، وضدّ كل من رئيس التحرير ومدير التحرير بسبب نشرها قضية تتعلق بأحد المديرين في حلب الذي أعفي من منصبه بعد 5 أشهر من كتابة المادة الصحفية نظراً لورود كتاب موجه إليه منذ سنة و3 أشهر من وزير الزراعة لمحافظ حلب بترشيح البديل بسبب (الفوضى واللامسؤولية وعدم القدرة على الإدارة). وهذه الدعوى رفعت في محكمة حلب، رغم أنها من اختصاص محكمة دمشق ـ كما تؤكد شحيبر ـ حيث إن وقوع الجرم الكتابي في دمشق والمدعى عليهم في دمشق أيضاً.
وتتابع: "بقيت القضية نحو سنة ونصف إلى سنتين في حلب حتى استطعنا نقلها إلى محاكم دمشق ولازالت مستمرة حتى الآن، ومضى عليها سنتان في محكمة بداية الجزاء، ورفعت للتدقيق منذ أشهر ولم يصدر بها قرار حتى الآن".
ولدى سؤالها إن كانت لجأت لاتحاد الصحفيين قالت: "بعد توسط عدد من زميلاتي لدى الاتحاد لتوكيل محامي لي بأجر رمزي تم ذلك، ولكن حسب اطلاعي على بعض القضايا الصحفية السابقة، فإنها لم تنل الاهتمام الكافي من قبل محامي الاتحاد لذا قمت بتوكيل محام لنفسي".
تسرب من صحافة التحقيقات
ينظر بعض الصحفيين إلى مسألة الدعوى المرفوعة ضدّ الصحفيين بعين حاذقة، فيراقبون مدى تأثر بقية الإعلاميين بزميلهم المتضرر من دعوى قضائية، وهذا ما فعله الصحفي في جريدة تشرين ظافر أحمد والذي يلاحظ تسرباً من صحافة التحقيقات لأنواع إعلامية أخرى، لكون الصحافة الاستقصائية هي المستهدفة غالباً من المتضررين ولأجلها تقام الدعاوى، حتى أصبحت قليلة جداً هي المواضيع التي تتعرض لقضايا فساد في البلاد وقلّ من يكتب عنها إلا أولئك الذين فقدوا "رهبة التقاضي والحذر من الدخول في معمعة المحاكم" كما يقول أحمد لكثرة الدعاوى المرفوعة عليهم، مشدداً على أن الصحفي هو محامي نفسه في الإعلام السوري.
وينصح ظافر أحمد الصحفيين بالتحايل على الواقع الحالي من خلال التعمق بنوعية الدعاوى المرفوعة على زملائهم، والاستفادة منها عبر تجنب ذكر الأسماء ونسب الأمور لمصادرها والعثور على وثائق تثبت صحة ما كتب، ولو أن هذه الأخيرة ليست لصالح الصحفي دوماً كما يرى، وخاصة إن كان لدى المدعي وثائق مضادة، ويعرج أحمد على إشكالية الثقة بين الاتحاد والصحفي، فالوسط الإعلامي السوري يحتاج لاتحاد صحفيين قادر على ضبط الفوضى والضغوط على أعضائه، وعموماً فإن الصحفي السوري قلما يلجأ للاتحاد لحل مشاكله، مشدداً على ضرورة وجود إدارة صحفية تؤازر الصحفي وتوافق له على النشر.
قانون المطبوعات جاهز ولكن!
الأمور التي كانت مثار جدل في مناقشة قانون المطبوعات من قبل اللجنة المشكّلة لغرض دراسته وتمهيداً لإقراره، استعرضها للاقتصادي رئيس تحرير مجلة أبيض وأسود أيمن الدقر وهو الذي كان عضواً في اللجنة المذكورة كممثل عن المطبوعات الخاصة، فقال: "حازت مسألة سجن الصحفي بحيز واسع من النقاش، حتى ألغى مشروع القانون الجديد هذه العقوبة، إلا بحالة واحدة فقط تتعلق بوجود علاقة تخابر بين الصحفي ودولة أجنبية، كما تم التركيز في مناقشة مشروع قانون المطبوعات على موضوع الغرامة المالية حيث تم رفعها"، لافتاً إلى أنه أيّد هذا الرفع، بما يجعل الصحفي أكثر مسؤولية ودقة ومراجعة لمصدر معلوماته، كما تم في اللجنة شرح بعض العبارات التي كانت ضبابية في القانون القديم وفقاً للقانون المدني السوري مثل (قلق للراحة العامة) و(أخبار غير صحيحة)، مؤكداً أنه في حال صدر قانون المطبوعات الجديد فسيكون هذا إنجاز بحد ذاته، إذ طويت دراسته منذ سنتين ونصف على رضا شبه جماعي من أعضاء اللجنة.
وشدّد الدقر على أنه لا يجوز للمحكمة أن تقبل الخطأ الإجرائي الصادر بحق الإعلاميين فيما لو جرى رفع الدعوى ضدّهم فقط دون التعرض لرئيس التحرير والمطبوعة بمجملها، وعليها أن ترد الدعوى، كما يجب أن يمثّل الصحفي والمدعى عليهم أمام المحكمة محامي توكله الصحيفة على حسابها دون أن يضطر الصحفي لتوكيل محامي على حسابه، فرئيس التحرير عليه أن يتحمّل المسؤولية طالما أنه وافق على النشر، وكل هذه الأمور واردة في قانون المطبوعات الجديد كما أكد الدقر، ناصحاً الصحفي الذي صدر حكم براءة بحقه برفع دعوى ضدّ الجهة التي ادعت عليه بتهمة الافتراء والكذب مع المطالبة بتعويض مادي، والذي يقبضه الصحفي مضروباً بأضعاف مضاعفة إذا طالب به لكونه شخصية عامة.  
وعن دور اتحاد الصحفيين وواجبه تجاه الصحفي المدعى عليه قال الدقر: "للأسف هذا الاتحاد لازال يعتبر أن الصحفيين هم فقط من يعمل في القطاع الإعلامي الحكومي، أما دخول الصحافة الخاصة للاتحاد فيحتاج لاقتراح هيئة عامة لتعديل القانون وبالتالي صدور مرسوم جديد، موضحاً أن الاتحاد يحاول الآن إيجاد صيغة مشتركة بينه وبين الصحافة الخاصة، حيث تم تشكيل لجنة مؤخراً لهذا الغرض".
 لا لصمت معززٍ بقانون
نقاط عدة كشفها الإعلاميون للاقتصادي وضعناها في عهدة الخبير في جرائم النشر وقوانين المطبوعات يحيى شقير الذي أوضح أن التقاضي حقّ دستوري للمواطنين، والصحفي كغيره ليس محصناً من مقاضاته، لذا لا يجب أن يكون هناك حساسية من إتاحة رفع الدعاوى ضدّه لأي كان، لكن الإشكالية تتعلق ـ كما يرى شقير ـ بالبيئة الحاضنة للعمل الصحفي، فهل هي بيئة تتناسب مع المعايير الدولية؟ وهل هناك مبالغة في التقييدات التي تفرضها على العمل الصحفي؟ والعقوبات هل تأخذ بمبدأ التناسبية؟
واقترح شقير إلغاء بعض المواد المطاطية في قانون العقوبات السوري، والتي تضيق وتتسع بشكل يوسّع دائرة الجرم فلا يعرف الصحفي أو المواطن ما هو المباح وما هو المعاقب عليه، وضرورة تخصيص غرفة للنظر بالمخالفات المرتكبة بواسطة المطبوعات، ذلك لأن قضايا حرية الرأي والتعبير دقيقة ويلزمها مدعون عامون متخصصون وقضاة متخصصون أيضاً مؤكداً أنه بذلك لا يطلب أي تمييز للصحفي عن غيره.
وعن رأيه بالعقوبة التي يجب فرضها على الصحفي في حال نشر أخبار غير صحيحة، قال شقير: "إذا ثبت أن الصحفي بذل جهداً في التحقق من صحة الأخبار التي كتبها، وتبين فيما بعد أنها خاطئة أو مبالغ فيها، فلا يجب أن تكون عقوبته السجن أو الأشغال الشاقة، إذ ليس من العدل فرض مثل هذه العقوبة في ظل إحجام المصادر المسؤولة عن التصريح", وتساءل: كيف نوازن بين حق المواطنين في المعرفة ورفض إعطاء معلومات للصحفيين, سيّما أن الشائعات تنتعش في ظل غياب المعلومات؟
واقترح شقير إجراء التعديلات اللازمة ليتم التحول من الذم والقدح الجزائي إلى الذم والقدح المدني للتناغم مع الاتجاه العالمي Criminal defamation to civil، حيث أصبح هناك 10 دول تحولت إلى الذم المدني دون الجزائي، ومن شأن هذا التحول استثناء النيابة العامة من الموضوع وقيام الموظف العام بصفته الشخصية برفع القضية.
وبخصوص الحالات التي يجوز فيها للمدّعى عليه إقامة دعوى افتراء على المدعي يقول شقير: "الافتراء يعني أن المدعي نسب أفعالاً للصحفي وهو يعلم أنها غير صحيحة ومع ذلك اتجهت نيته للإضرار بالصحفي، وهذه الحالة فقط هي التي يعاقب عليها القضاء, لكن دعوى الافتراء لايمكن أن تقام من قبل كل من صدر بحقه حكم براءة، المسألة ليست هكذا"، كما يقول شقير، فعندما يحرك أحدهم دعوى جزائية ضدّ صحفي يجب أن تتحقق 3 أركان للجريمة؛ وهي الركن الشرعي (المادة القانونية التي خالفها الصحفي)، والركن المادي (المقال أو الخبر)، والركن المعنوي أو القصد الجرمي. وغالباً ما يتحقق الركنان الأول والثاني في قضايا الصحافة، أما الركن الثالث إذا لم يتحقق فيحكم على الصحفي بعدم المسؤولية أو أن الفعل لا يشكّل جريمة وبالتالي لا يستوجب عقاباً، في هذه الحالة لا يستطيع الصحفي رفع قضية افتراء على المدعي كما أوضح شقير. مساندة تحكمها الإمكانيات
لدى عودة مجلة الاقتصادي لاتحاد الصحفيين السوريين لمعرفة موقفه من الصحفي الذي يتعرض لدعوى قضائية، أفاد رئيس الاتحاد إلياس مراد بأن الاتحاد لا يحمي صحفياً يمارس ابتزازاً على غيره، وكل من تقدم للاتحاد بطلب مؤازرة في دعاوى قضائية تمت مساعدته بحدود الإمكانيات، فهو لايستطيع تبني كل القضايا لأن ميزانيته محدودة، وقد يدفع جزءاً من أتعاب المحامي عن الصحفي كما ينسق مع المؤسسة الإعلامية التي كُتبت فيها المادة الصحفية مثار الجدل طالباً منها مساندة الصحفي.

وأضاف: حتى يدافع الاتحاد عن الصحفي يجب أن يكون الأخير مسجلاً في الاتحاد، وبعدها تدرس القضية من قبل لجنة يشكّلها الاتحاد، فإن امتلك الصحفي الوثائق والأدلة على ماكتب تتم مساعدته ومؤازته في قضيته بالحدود الممكنة، لافتاً إلى أن الصحفيين العاملين في القطاع الخاص لاتسقط عنهم خدمات الاتحاد وبإمكانهم الانتساب إليه شريطة أن توقّع المؤسسات الإعلامية التي يعملون لديها عقوداً مع الاتحاد، لكن مديري هذه المؤسسات لايفعلون ذلك حتى لايلتزموا بالصحفي ويسرحوه في أي وقت رغبوا كما أكد مراد، راداً التأخر في صدور قانون المطبوعات إلى العمل بقانون الإعلام الإلكتروني والذي لم يكن  مطروحاً حينما تمت مناقشة قانون المطبوعات منذ سنتين ونصف، مبيناً أن الجهات المعنية تسعى قبل إصدار القانون للمواءمة بينه وبين قانون الإعلام الإلكتروني في خطوة لإصدار قانون الإعلام الشامل وليس قانون المطبوعات.

 

 

رغد البني

المصدر:  مجلة الاقتصادي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...