وطن أعزل يشكو السلاح!

03-06-2006

وطن أعزل يشكو السلاح!

القصف الإسرائيلي الذي ألهب الحدود الجنوبية الأحد الماضي يريد تذكيرنا بمشهد قديم من سنوات الحرب والفوضى. فمن بوابة الجنوب بدأت مسيرة انهيار الدولة اللبنانية بعد أن أعلنت عجزها عن حماية أرضها والدفاع عن مواطنيها.
بعد ثلاثة عقود ونيف على غياب الدولة، وست سنوات من زمن التحرير، نفتش عن الدولة لتأتي جنوباً لتحتضن إنجاز التحرير، فإذا بها ما زالت معلقة على طاولة حوار وطني يتداول أطرافها في الأجوبة عن أسئلة قديمة: من هو العدو ومن هو الصديق، وكيف تتحول القرارات الدولية خيمة واقية لسمائنا لا تخترقها العصافير ولا العقبان.
يعز علينا كثيراً نحن جيل الحرب أن يكرر هذا الوطن المعذب مأساته، فيأخذنا أهل السياسة مجدداً إلى حوار عقيم سبق أن دفع اللبنانيون ثمنه فيما هو لبنان من حيث الوجه واللسان. ونختلف على جلد الدب قبل صيده، فنضع مشروع الدولة في وجه سلاح المقاومة، فيما لو كانت الدولة لم تكن هناك مقاومة.
من طبيعة الدولة بحق أن تحتكر السلاح ولا تحاور سلاحاً. هذا
إذا كانت الدولة دولة لا مؤتمر قبائل وطوائف وأمراء نواح وأقاليم. أما إذا كانت الدولة مستضعفة، عندها لكل سلاح شرعيته وهيبته ودوره ولكل أمير إمارة ولو على حجارة.
قبل أسبوع من العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في صيدا على لبنانيين توطن في قلبيهما حب فلسطين، واكتمل في السلطان يعقوب والناعمة ومن ثم الحدود، قبل هذا العدوان طلب سفير دولة أوروبية مهتمة جداً باستقلال لبنان من وزير محسوب على الأكثرية أن يطلب مؤتمر الحوار من «حزب الله» موقفاً علنياً يضمن عدم تحريك الجبهة الجنوبية إذا تعرضت إيران لضربة عسكرية. هواجس السفير الأوروبي إيرانية في لبنان وإسرائيلية وليست لبنانية. ثم قامت إسرائيل بإشعال جبهة الجنوب لتصويب الحوار اللبناني باتجاه سلاح «حزب الله»، وطبعاً في محاولة لاختبار ما لديه من جديد.
لكن إسرائيل نبهتنا مجدداً الى أن لبنان وطن أعزل تستطيع أن توقع فيه أفدح الخسائر والأضرار، وأن دفاعنا الوطني ما كان ممكناً يوماً أن يكون توازناً استراتيجياً أو سياسة تقليدية.
لقد كنا على مدى ثلاثين سنة أيتاماً على مائدة المجتمع الدولي حتى عندما اجتاحت إسرائيل عاصمتنا بيروت. لم يساعدنا المجتمع الدولي على اقتناء السلاح ولا على طرد المحتل ولم يعطف علينا بقراراته كالتي يتكرّم بها اليوم علينا بسخاء، وهي تأتي في اتجاه واحد من حدود لبنان.
بعد التحرير الذي أنجزته المقاومة رفعنا شعار: «كل الجنوب إلى الدولة. كل الدولة إلى الجنوب». لكن الدولة ليست فرعاً للمعلومات في وزارة الداخلية، ولا حكومة تعطل مؤسساتها القضائية، وليست طبعاً تجمع الشركات «القابضة» على اقتصاد البلد وقوت العباد.
بعد ست سنوات من التحرير، وبعد عقد ونصف من وقف الحرب وسلام الطائف، ظل لبنان وطناً أعزل ودولة «شاكية السلاح» فيما المقاومة ترابط في الجنوب: حرّرت، ردت أكثرية الأسرى، وما تزال «تقلق» العدو الإسرائيلي، تساجله دون أوهام الردع، لكنه يحسب لها حساباً ويطلب وقف النار.
تهدد إسرائيل لبنان اليوم بأمنه، لكنها منذ وجودها تهدده بكيانه وصيغته واقتصاده. قوة لبنان اليوم أن يحصر التهديد الإسرائيلي بالأمن وأن يرد عن نفسه مخاطر التفكك أو الهيمنة. تلك هي مسؤولية المتحاورين في المؤتمر الوطني فإن نجحوا في حماية مشروع الدولة في لبنان لا يعود سلاح المقاومة مسألة أساسية. ولا قيامة للدولة إن لم يكن أبرز مهامها حفظ حدودها وأمن مواطنيها وإدارة شؤونهم فيقدموا لها الولاء والطاعة.
عند ذاك تستطيع الدولة أن تحدد خياراتها بين طهران وواشنطن وعلاقاتها بجيرانها سواء أكانت مميزة أم غير مميزة.
لقد ذكّرتنا إسرائيل الأسبوع الفائت أن لبنان وطن أعزل ودولة قيد الدرس تستجدي الأمن من مجلس الأمن بعد ثلاثين سنة من الأمن المستعار.
هذا الوطن الأعزل من مشروع الدولة كيف يشكو من سلاح المقاومة!؟

سليمان تقي الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...