مازوت.. مازوت ..

15-10-2006

مازوت.. مازوت ..

سادكوب: زدنا المخصصات إلى 23 مليون ليتر في الشهر الماضي ...أصحاب المحطات : نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً..إحباط تهريب مازوت إلى لبنان وألعاب نارية قادمة منه ...حماية المستهلك: الدعم يجب أن يصل إلى مستحقيه....‏

لاتزال أزمة شح, أو بالأحرى فقدان مادة المازوت مرشحة للتفاقم مع توافر أسباب هذا التفاقم كلها, فغياب الضمير أنعش سوقا سوداء تتغذى بشكل طفيلي على هذه الأزمة ,وقلة العرض رفعت الطلب , وازدياد عدد المركبات لم تقابله زيادة ملحوظة في مخصصات بعض المحطات من هذه المادة الاستراتيجية, ويأتي تقصير المواطن في الإبلاغ عن المخالفات بذريعة ( العيب) و(الحرام) ليكمل فصول المعاناة, التي تشتد أيضا مع ترهل أداء بعض أجهزة حماية المستهلك, التي غالبا ما تكون تحركاتها مرتبطة بتلقي الشكاوى, وهذه الأخيرة نادرا ما تصل!! وهكذا يبقى المستهلك مرتهنا لتداعيات أزمة قد يكون سببا لها حينا وضحية أحيانا اخرى..‏

أبو نبيل, سائق ميكروباص بين دمشق وإحدى المحافظات, دخل إلى محطة للوقود ليحصل على هذه المادة, فوجد صاحب المحطة يملأ صهريجا خاصا به يقوم من خلاله ببيع مادة المازوت في السوق السوداء, وبعد أن رفض صاحب المحطة تعبئة المازوت للسائق إلا بعد أن ينتهي من ملء صهريجه الذي تبلغ سعته آلاف اللتيرات, هدده السائق بالشكوى, فرد عليه صاحب المحطة بلهجة تحد: ( روح بلط البحر ) و( ايدك وما تعطيك)..!!‏

وثمة طريق آخر يؤدي إلى السوق السوداء, كما يقول علي, سائق ميكرو باص حيث يلجأ أصحاب بعض المحطات , وبالتعاون مع سائقي الصهاريج, إلى إفراغ حمولتها في وقت متأخر من الليل, وفي صبيحة اليوم التالي يقولون لمن يطلب مادة المازوت الكمية انتهت, مع أن الواقع مختلف تماما, حيث تجد هذه الكمية طريقها إلى سوق سوداء يحركها الجشع..‏

كان مبارك, سائق ميكرو باص, ينظف يديه من بقايا المازوت عندما سألناه عن أزمة المازوت, فأجاب: لقد فرغت للتو من تعبئة سيارتي بالمازوت, ما يضطرني لتعبئة برميل احتياطي خشية أن أتعطل عن العمل, الذي هو مصدر الدخل الوحيد للأسرة.. إنها معاناة حقيقية, إذ أصبحت هذه الأزمة لا تطاق ففي الأسبوع الماضي مثلا وقفت في محطة في نهر عيشة أكثر من ساعتين ونصف دون أن أحصل على المازوت, ثم ذهبت إلى محطة القدم وانتظرت ثلاث ساعات حتى تمكنت من الحصول عليها, وهكذا فقد أضعت خمس ساعات ونصف من يوم عمل بالنسبة لي يمتد لإحدى عشرة ساعة, فهل يعقل أن أقضي نصف يومي باحثا عن المازوت, وكيف سأعمل وأسدد أقساط السيارة وأعيل أسرتي?!‏

الحقيقة من وجهة نظر أصحاب المحطات تبدو مختلفة بعض الشيء , فهم ينحون أنفسهم جانبا عن الاتهامات الموجهة إليهم ببيع مادة المازوت في السوق السوداء معتبرين أن التزايد الهائل في عدد المركبات مع ثبات المخصصات هما المسؤولان عن تفاقم الأزمة كما يرى حسان, صاحب محطة.‏

بينما يقول يوسف, صاحب محطة, إنه تقدم بعدة طلبات للمحافظ لزيادة مخصصات محطته, ولكن دون جدوى, ولم يتلق ردا حتى تاريخه ويشير إلى أن المحطات تعامل من قبل الجهات المعنية بتأمين مادة المازوت على طريقة ( خيار وفقوس), فمحطات تزاد كمياتها وأخرى لا, ومحطات يصلها شهريا 2-3 صهاريج وأخرى لا يصلها إلا صهريج واحد, دون أن يكون ذلك مقنعا أو منطقيا.. كذلك هناك محطات يتم إغلاقها من قبل حماية المستهلك ولا نلمس تحويل مخصصاتها إلى المحطات المجاورة بشكل ملحوظ..‏

أعتقد أن فرص حل الأزمة كانت أكبر في الصيف ,أما الآن فإن الطلب آخذ بالتنامي بسبب حاجة الناس لوقود التدفئة, ومن خلال عملية حسابية بسيطة نستطيع القول إن الطلب في الشتاء على المازوت سيكون من 7-10 أضعاف ما هو عليه في الصيف.. هذا ما قاله عمر الذي يعمل محاسبا.‏

وبدوره لا يرى حسام, صاحب منشأة تجارية, بوادر حل الأزمة قريبة, حيث يعتبرها تقليدا موسميا يسبق فصل الشتاء, بل هي من دلائل اقتراب هذا الفصل, لذا ستبقى هذه الأزمة مرشحة للتكرار وغير ممكنة التطويق طالما أن التعامل معها يتم بشكل جزئي دون البحث عن الحلول الجذرية..‏

الإشاعات حول رفع سعر المازوت كانت وراء زيادة الطلب عليه, دون أن تكون هناك أي تعليمات رسمية لدينا برفع السعر, كما يؤكد السيد عبد الله خطاب, المدير العام لشركة محروقات ( سادكوب) ,في تصريح نشر في وقت سابق, كما يشير إلى أن الكميات المخصصة زادت بمعدل وسطي خلال شهر أيلول الحالي عن 23 مليون ليتر, علما أن خطة الشركة لهذه الفترة كانت بمقدار 21,5 مليون ليتر.‏

يعتبر السيد فاروق الرباط, رئيس جمعية حماية المستهلك- وهي جهة غير رسمية وأغلب أعضائه من المتطوعين المتحمسين لحماية المستهلك- أن التصدير مسؤول في المقام الأول عن خلق هذه الأزمة, وهو أمر لا يتعلق بالمازوت فقط, بل يتعداه إلى البيض واللحم وغيرها , فمن غير المعقول أن نشرع بالتصدير قبل اكتفاء السوق المحلي من المادة المصدرة, فضلا عن أننا كثيرا ما نصدر المواد الجيدة ونستورد منتجات رديئة كما يحدث في حال تصدير أغنام العواس السورية الشهيرة.‏

بعد أن جلنا بأسئلتنا على جهات عدة ألقت أغلبها الكرة في مرمى مديرية حماية المستهلك, قمنا بمحاورة السيد أنور علي, مدير حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد والتجارة حول الأبعاد الحقيقية للأزمة وسبل حلها, حيث أشار إلى ما يمكن اعتباره ( خطا ساخنا) بين المديرية والمستهلك لتلقي الشكاوى عبر الهاتف 119 و120 إضافة إلى هواتف المديرية من جهة, وخطا آخر بين المديرية ووزارة النفط للإسراع في حل الأزمة وتطويقها من جهة أخرى..‏

ويبدي علي استعداده للمحاسبة في حال التقصير معتبرا أنهم تحت الحساب و لا يوجد على رأسهم غطاء, كما أن المديرية لن تتوانى عن محاسبة المخالفين في حال ثبوت المخالفة بدليل إغلاق المديرية لأكثر من 600 محطة خلال ستة الأشهر الأولى من بداية العام, علما أن المواطن يجب أن يحصل على السلعة في الزمان والمكان والسعر المناسب وهو معني بتوافر المادة وليس بالقوانين والمخاطبات الرسمية.‏

ويرفض علي الادعاء بأن المخصصات ثابتة , بل يشير إلى أن معطيات سادكوب تفيد بتوزيع نحو ثمانية ملايين ليتر في محافظة ريف دمشق وحدها خلال ستة الأشهر الأولى من العام الجاري, وليس بالضرورة أن تزاد المخصصات لكل من يطلب, لأن الزيادة تأتي بناء على دراسة تقوم بها لجنة برئاسة المحافظ وعضوية عدة جهات. علما أن سادكوب لم تتلق طلبات من بعض المحافظين لزيادة المخصصات!!‏

ويعول علي كثيرا على دور الإعلام لتوعية المستهلك وتنمية روح المبادرة لديه من خلال القيام بالشكوى في حال المخالفة,

مع أهمية كل ما قيل لابد من حل الأزمة, وبأسرع وقت ممكن, ليس لأهمية تأمين هذه المادة الحيوية والهامة في حياة المستهلك وحسب, بل بالنظر إلى تعطيل مصالح المستهلكين وأعمالهم, فضلا عن خلق جو من التوتر والشحن النفسي والاجتماعي نتيجة هذه المعاناة, التي لا يجوز أن تبقى منفلتة من عقالها, وهذه دعوة للجهات المعنية للمسارعة في الحل قبل حلول موجات البرد التي ستلتهم الأخضر واليابس.. فهل تفعل؟

أحمد العمار

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...