لماذا نحتاج إلى قادة؟

28-04-2008

لماذا نحتاج إلى قادة؟

الجمل: إننا مجموعة ضدية و غالبا مثيرة للجدل من اليسار . فمن جهة يبدأ أغلبنا الاشتغال بالسياسة كمتمردين ضد السلطة . و غالبا ما نجد صعوبة في تقبل النظام – حتى النظام الذاتي . انظر إلى ميل اليسار للانشقاق و الانقسام .
من جهة أخرى فلدى اليسار أيضا ميل إلى التطلع إلى قادة أقوياء . إن لدينا ذلك الميل لكي نختزل رؤيتنا في فرد واحد يمكنه أن يعبر عنها بشكل جيد – أو من يبدو أنه يملك إحساسا واضحا و لا لبس فيه إلى أين يجب أن نصل و ما نحتاج لفعله كي نبلغ هذا الهدف . هذا يمكن أن يعني أن نحلل أنفسنا من المسؤولية الشخصية , الوجه الآخر من عملة نقص التزام اليسار بالنظام .
لكن يجب أيضا أن نبقي في الاعتبار الكثير من الأمثلة , رغم أنها أقل قبولا بكثير , من المنظمات اليسارية التي عملت على نحو فعال جدا من دون قائد واحد . هناك عدد كبير من الأمثلة من حركات النساء و السلام و حركات الخضر إضافة إلى التنظيم العالمي لحركة العولمة البديلة .
و بعض هذه الأمثلة الأفضل لهذا الشكل من المنظمة يمكن أن يوجد تاريخيا في الحركة النقابية و العمالية في أفضل الأحوال .
خذ على سبيل المثال بنية فروع النقابات و منظمات رجال النقابات . إنها نتاج تراث طويل من النقاش بين الأعضاء و من القواعد التي تمت الموافقة عليها و تجديد هذه الموافقة المكتوبة بشفافية , هذه القواعد التي تخلق هيكل أو إطار من المسؤولية المتبادلة , و الالتزام الذاتي بالنظام و المسؤولية الشخصية . إنها تسجل هناك على الورق , مسؤولية كل عضو في أن يستخدمها و يختلف معها و أن يتبعها بمجرد أن تجري الموافقة عليها .
بالطبع يمكن هنا أن يدخل الجمود , و أن تصبح القواعد حاجزا أمام التفكير الإبداعي و التغيير , يصبح المسؤولون فاسدين أو راضين عن النفس , أو يتقهقروا إلى نماذج جافة شكلانية و غير فعالة من النشاط . أو يمكن للهزيمة أن تؤدي إلى نفس النتائج من خلال الانسحاب من العضوية الفعالة . لكن تبقى هذه القواعد و المبادئ الرئيسية متوفرة لجيل جديد يعمل في ظروف أكثر تغيرا لكي يجري استخدامها و تعديلها و تغييرها – كما جرى في بريطانيا في السبعينيات من القرن الماضي و كما يجري الآن في القرن 21 .
لا يعني وجود بنية بالضرورة وجود قائد واحد . هذا تمييز هام لأن غياب البنية يمكنه أن يكون غير ديمقراطي كما هي التراتيب الهرمية على الطريقة القديمة . علينا أن نكون واعين دوما "لاستبداد غياب البنية" , مفهوم أخذ اسمه من كراس كتب اعتمادا على خبرة حركة تحرير النساء في السبعينيات , التي انعكست في خبرات تلك الحركة في التنظيم بطرق لا تقاوم فقط فكرة القادة , بل إنها تستغني في بعض الأحيان عن أية بنى أو تقسيم للعمل تماما . في الواقع فإن هذا الغياب الظاهر للبنية الذي يختفي غالبا في قيادة غير رسمية لا يتم الاعتراف بها و غير مسؤولة كانت أكثر ضررا لأن وجودها نفسه كان يجري إنكاره .
يكمن الجواب الديمقراطي الوحيد في خلق بنى شفافة تقوم على أسس يجمع عليها جماعيا و التي قد تتضمن أو لا تتضمن وجود قادة من نوع ما .
إذا لماذا قد نحتاج إلى قادة على الإطلاق ؟ هنا تخطر ثلاثة أسباب على البال .
أولا , هناك حاجة في المنظمات المعقدة لآليات للتنسيق و التوحيد . القادة غالبا هم أولئك الذين يحاولون أن يشكلوا نظرة شاملة عن نشاطات منظمة ما , و إلى جانب هذا أيضا المسؤولية عن الحاجات الكبرى لتلك المنظمة .
اليوم تمكننا الوسائل التكنولوجية الجديدة من تبادل و الاشتراك في المعلومات و التقديرات بسرعة و فعالية أكبر . تثبت الشبكات بشكل متزايد أنها أكثر فعالية من التراتيب الهرمية الصارمة . ستبقى هناك الحاجة إلى مناصب فردية و جماعية للمسؤولية , حيث تكمن الخطورة . لكن هناك فرصة أكبر لتجنب مركزة المعرفة و السلطة و لتدوير و تقسيم مواقع قمة المسؤولية .
ثانيا هناك تفاوت في الرغبة لجعل الأمور تحدث , لأخذ المبادرة و قبول المسؤولية - بصورة حاسمة . هنا غالبا يظهر القادة . لكي تتطور المنظمات و تتجدد فإننا نحتاج إلى رجال يوفرون دافعا أكبر , إبداعا أكبر , و مستعدين ليخصصوا وقتا أكبر .
لكن يجب ألا يقود هذا إلى مراكز دائمة للقيادة , بل يجب اعتبارها على أنها تشبه أكثر اندفاعات في الطاقة . إن الخطورة مع أي قائد , مهما كان قادرا أو فعالا أو مسؤولا على الورق , هو أن هذا الفرد يحل مكان و يعيق قدرات من يقودهم , إما بناء على رغبتهم الخاصة أو بسبب خمول البقية .
الحاجة الثالثة للقادة – و ربما الأكثر صعوبة للتغلب عليها في إطار منظمات اليسار – تتعلق بالمؤسسات السياسية . هناك عامل مشترك أساسي بالنسبة لكل الأزمات المختلفة نفسها التي ترتبط ببلير و لولا و شيريدان . إنه ( بشكل واضح إلى درجات مختلفة و حول سياسات مختلفة جدا ) تجاوز ما بعد السيطرة الديمقراطية لمنظمة ما من قبل شخص ما يبدو أنه يرمز لقضية هذه المنظمة .
في كل هذه الأحوال , فإن العملية التي تضفي كل هذا على قائد واحد تنتج تأثيرا نفسيا في الفرد المعني . في حالة طوني بلير , حزب فقد ثقته بنفسه في أنه قادر مرة أخرى على الفوز بالانتخابات وجد نفسه خاضعا لشخص يبدو أنه يعرف كيف يفعل ذلك . عندما بدأ بلير و حزب العمال الجديد بتدمير اليسار ( الذي رأوه العقبة أمام النجاح في الانتخابات ) فإنهم قد قاموا في الواقع بتدمير كل مصادر الرأي المخالف , و الكوابح و التوازنات . لم تكن النتيجة فقط في ظهور مفهوم الترئيس بل في ظهور رئيس تمكن بشكل متزايد من أن يحتل عالما خرافيا عن قواه كأداة للتاريخ .
إن المأساة المماثلة لحزب العمال البرازيلي كانت هي الطريقة التي قام من خلالها جزءا قويا من القيادة بتشجيع أعضائه و ناخبيه لكي يسبغوا على لولا ( الرئيس البرازيلي الحالي – المترجم ) كل أحلامهم عن السلطة الشعبية ( انظر سو برانفورد ) . إن الرؤية الراديكالية الديمقراطية القائمة على المساواة التي عمل عليها أعضاء حزب العمال على امتداد البلد جرى اختزالها إلى مجرد رمزية وجود عامل مصنع سابق في القصر الرئاسي . يعيش لولا خيال أنه إذا كان في هذا المنصب فإن الشعب هو في السلطة . عليه أن يصل إلى هناك و يبقى هناك بكل الوسائل الممكنة , لا يهم مهما كانت فاسدة أو كم هو وضيع في انصياعه للدولة البرازيلية و الأسواق المالية العالمية .
يشبه ذلك توم شيريدان ( بغض النظر عن الرأي الشخصي في الظروف التي تحيط بالانقسام الأخير ) فقد استثمر الحزب الاشتراكي الاسكتلندي أكثر مما يجب في هذا الفرد الواحد كتجسيد لهذا الحزب . يعتقد شيريدان , من دون شك , أنه يمثل الاشتراكية في اسكتلندا , و أن سمعته حاسمة لتقدمها , و أن المحافظة على هذه السمعة بكل الوسائل الضرورية هو أساسي بالنسبة للقضية . مرة أخرى تستخدم الأهداف لتبرير الوسائل . لكن هنا أيضا انتهى الرمز و قد استهلك الواقع .
هل هذا الشكل حتمي ما أن يدخل اليسار إلى مضمار السياسات الانتخابية ؟ ما هي خصائص مؤسساتنا السياسية "التمثيلية" التي تؤدي إلى هذا النوع من فصل رأس حركاتنا و أحزابنا الراديكالية أو الراديكالية المحتملة .
كان هناك على الدوام معنى مزدوجا لفكرة التمثيل . فمن جهة هناك التمثيل بمعنى "أن يجسد" أو "يرمز إلى" الشعب . و من الجهة الأخرى هناك تمثيل بمعنى "أن يمثل حضور" أولئك من لا يمكنهم أن يحضروا بشخوصهم . جانب من الأزمة المتعمقة لمؤسساتنا فيما يتعلق بالتمثيل السياسي هو أنه كلما خضعت المؤسسات المنتخبة على نطاق قومي أكثر للهيئات الاقتصادية غير المنتخبة و للتحالفات العسكرية , فإن رمزية القادة الشعبيين تملأ الفراغ الديمقراطي .
يجب أن تشمل العلاجات لهذا الوضع تحويل "التمثيل" إلى عملية تجعل الناس ممثلين بالفعل . يشمل هذا استخدام الحملات الانتخابية لتعزيز انخراط الناس بفعالية في السياسة , و رفع توقعاتهم , و تحفيز الناس ليكتشفوا مصادر قوتهم الخاصة ليتمكنوا من تحقيق هذه التوقعات .
كما أنها قضية تتعلق بالإصلاحات الديمقراطية الراديكالية أن نجعل تمثيل الشعب – كمجموع و ليس ككتلة واحدة – مباشرا أكثر ما يمكن . و إذا كان على الناس أن ينخرطوا في العملية السياسية بهذه الطريقة , فيجب إعطاؤهم السلطة لاتخاذ قرارات ذات معنى كنتيجة لهذا الانخراط – حتى لو لم تكن هذه القرارات هي نفسها التي نرغب بها نحن في اليسار .
بتعابير مباشرة و عملية , يتطلب هذا التزاما بديمقراطية محلية حقيقية – "محلية جديدة" حقيقية , و ليست النسخة الآمنة و الصحية التي تستهوي الطبقة السياسية الحالية في بريطانيا . سوف يتضمن ذلك برنامج واسع النطاق , يبدأ من نظام الانتخابات النسبي ( نظام لا يمنح السلطة ببساطة للأحزاب ) , و تشريع قوي لأقصى قدر ممكن من الانفتاح , و نقل حقيقي للسلطة إلى المحليات ضمن إطار من المعايير و الحقوق الوطنية .
كي نكون صادقين , يجب أن يتضمن نقلا كهذا للسلطة رغبة بتقبل قرارات "سيئة" أو كريهة , أن نسمح للناس بارتكاب الأخطاء – و أن يتحملوا مسؤوليتها . نحن في اليسار سيكون علينا أن نكون مستعدين لمواجهة توجهات نعارضها – بما في ذلك سياسات و قيم يمثلها الحزب القومي البريطاني ( الفاشي – المترجم ) , و بقية أشكال الشوفينية و العنصرية و الأصولية – سياسيا و ليس عن طريق الأوامر المركزية المؤسساتية .
كما تتطلب معارضة مقترحات الخصخصة نحو أشكال أعمق و يومية من السيطرة الديمقراطية على المؤسسات العامة . كما كتب أوسكار رايز في هذا العدد , فإن واحدة من "الأفكار الكبيرة" لحزب كاميرون المحافظ ذا المظهر الجديد هي الترويج لفكرة "نقل السلطة من خلال الأسواق" على التوازي مع مبدأ حزب العمال الجديد عن "دولة المقاولين" , الدولة كمتعاقد للخدمات . يحتاج اليسار إلى تطوير نماذجه البديلة الخاصة – و الفعالة – للتنظيم و السيطرة الاجتماعية الديمقراطية .
علاج آخر لأزمة القيادة هو نشر القوة داخل اليسار . ناقش كثيرون منا طويلا أن القوة لتحقيق التغيير الاجتماعي الراديكالي الانعتاقي ذات مصادر مختلفة عديدة : من المطبخ إلى مكان العمل , الإعلام القديم و الجديد , الشوارع و المتاجر الكبرى , بالإضافة إلى الأحزاب السياسية نفسها . إن الإقرار بهذه التضمينات الهائلة لتعددية مصادر التغير الاجتماعي هي أساس التزامنا بتوزيع راديكالي للقوة و التمثيل على اليسار – و للحاجة إلى إعادة تفكير راديكالية في دور الأحزاب و قادتها .
تلعب بعض الشخصيات العامة دور الحفاز أكثر منه دور "القادة" , و عوضا عن يشخصنوا القضية ( يجعلوها شخصية أو مرتبطة بشخوصهم – المترجم ) فإنهم يشجعون أولئك المنخرطين في المقاومة في ظروفهم الخاصة المباشرة على الوصول إلى كامل قوتهم الكامنة و ارتباطهم بعملية أوسع للتغيير .
طوني بن المتأخر , خاصة منذ أن انسحب من البرلمان ليعمل بالسياسة , قد يكون مثالا جيدا . أما طوني بن الأول , و الطريقة التي استثمر فيها أغلب يسار حزب العمال الكثير في حملة ترشيحه لنائب الرئيس في أوائل الثمانينات , قد لا يكون كذلك .
يسار حزب العمال محدود القوة يتجمع من جديد لخوض حملة انتخابات قيادة جديدة . هناك علامات على أن الدرس قد تم تعلمه – و ليس فقط كنتيجة للواقعية الواضحة أنها انتخابات لا يمكن الفوز بها .
من الواضح من المقابلة معه في هذا العدد من الفلفل الأحمر ( مجلة يسارية بريطانية – المترجم ) أن جون ماكدونيل يرى نفسه كمحفز لإعادة التفكير و إعادة البناء أكثر من كونه شخصية قيادية منفردة . فيما إذا كان طريق بلير التدميري سيترك أي شيء من حزب العمال ليجري إعادة بنائه هو سؤال مفتوح , لكن في النقابات على الأقل لدى حملة ماكدونيل قاعدة مؤثرة من الدعم .
أظهر استطلاع للرأي أجرته جمعية إصلاح الانتخابات المستقلة أن 59 % من مندوبي النقابات يدعمون ماكدونيل . إن بنى و قواعد عمل النقابات عنت أن دورها في الحركة العمالية قد نجت من جائحة كون القائد خارج السيطرة . هل من المبالغ الأمل أنهم قد لمحوا فرصة للتنظيم السياسي لليسار لا تستحوذ عليه كلية مسألة قائده ؟

ترجمة : مازن كم الماز

بقلم هيلاري وينرايت و ستيف بلات
9 أكتوبر تشرين الأول 2006

نقلا عن  www.zmag.org 

     

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...