دمشق و«خاصرتها الرخوة»: أحداث عرسال بداية

09-08-2014

دمشق و«خاصرتها الرخوة»: أحداث عرسال بداية

لا تبدو التطورات اللبنانية الأخيرة حدثاً عابراً بالنسبة الى القيادة السورية. فعلى رغم انشغالها بمعاركها الطاحنة، تأخذ «الخاصرة الرخوة» اهتماماً بالغاً لدى الدوائر الفاعلة في دمشق. في نظر سوريا، «ما يحصل في لبنان هو آخر حلقات المشروع الغربي ــــ العربي على المنطقة، ولا يكتمل المشروع من دون هذه الحلقة»، يقول مصدر سياسي سوري. وبحسب المصدر، فإن «العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، أَخَّر تحريك الملفّ اللبناني إلى الآن».

ما لا يخفيه المسؤولون السوريون أن القلق يظلّل رؤيتهم للواقع اللبناني الحالي. إذ يعبّر أمنيون وعسكريون رفيعو المستوى عن «قلق إزاء التطورات في عرسال، في ظلّ تلكؤ بعض اللبنانيين عن دعم الجيش اللبناني لحسم المعركة ضدّ الإرهاب». ويردّد أكثر من مسؤول سوري معني أن «الأحداث في عرسال ليست إلّا مقدّمة، والمماطلة تعني خلق توترات في مناطق لبنانية أخرى». غير أن الأزمة الحقيقية بالنسبة الى سوريا تأتي من شمال لبنان. وتشير مصادر عسكرية معنية في محافظة حمص إلى أن «المسلحين يريدون منفذاً بحرياً عبر السيطرة على طرابلس، وإعادة تغيير الواقع الميداني في حمص انطلاقاً من طرابلس وعكار... طرابلس ولاية غير معلنة لداعش».
وفي السياسة، ينتقد المصدر رهان بعض اللبنانيين على الوعود الدولية بتحييد بلدهم، في ظلّ اشتعال المنطقة، «هل يصدّق هؤلاء هذه الوعود بعد التجارب؟ الاتكال على القرار الدولي يودي بالبلد إلى التهلكة. الدول الكبرى آخر حساباتها لبنان، ولا بدّ من تعاون الجميع مع الجيش بمعزلٍ عن الخلافات السياسية لأن الآتي أعظم».
المماطلة في الحسم تخلق توترات في مناطق لبنانية ثانية

بعيداً من «الشماتة»، يعود المسؤولون إلى إشارات الرئيس بشار الأسد مراراً عن أن الإرهاب لن ينحصر في سوريا، وسينتقل إلى دول الجوار . «لو تعاون اللبنانيون منذ البداية مع سوريا، لما وصلت الأمور إلى هنا» يقول مصدر أمني. ويشير إلى أنه «قبل تمكن الجيش السوري في الأشهر الماضية من تحرير قرى وبلدات القلمون، كان دور عرسال كبيراً جداً. فالإمداد اللوجستي والعسكري والمالي للإرهابيين عبر عرسال وصل تأثيره إلى ريف دمشق الشرقي والجنوبي حتى خان الشيح والقنيطرة، وللأسف، القوى الأمنية اللبنانية لم تقم بدورها في ضبط الحدود».
الحديث عن التنسيق بين البلدين، والجيشين تحديداً، تسبقه ملاحظات كثيرة. تقول المصادر السورية إن «سوريا سعت منذ بداية الأزمة إلى تعزيز تعاونها مع الجيش اللبناني الشقيق. لكن الضغوط السياسية التي مورست على الجيش منعته من تأدية واجبه في حماية الحدود مع حمص وريف دمشق، ومنع تهريب السلاح والمسلحين في اتجاه الداخل السوري».
وتعود مصادر مواكبة إلى عام 2008، وزيارة الرئيس السابق ميشال سليمان إلى دمشق ولقائه الأسد، حيث طُرح تفعيل أكبر لـ«اتفاقية الدفاع والأمن» بين البلدين، الموقعة في أيلول 1991. وتشير إلى أن «هذا الوضع هو من مخلفات عهد سليمان وسطحيته السياسية. فالكيدية التي انتهجها (الرئيس سعد) الحريري في حكومته ثمّ (الرئيس نجيب) ميقاتي، والتحاق سليمان بالمحور المعادي، أوقفا أي تعاون جدي بين الجيشين تحت ذرائع مختلفة، فانحصر التنسيق الأمني باللواء عباس إبراهيم». فسليمان «لم ينفّذ شيئاً مما تعهد القيام به، وهو انقلب على أكثر من عشر صيغ للتنسيق بعد أن وافق عليها وتراجع قبل بدء التنفيذ، كما أنه طلب تقليص صلاحيات مكتب التنسيق العسكري بين الجيشين. نسي سليمان لمن لجأ أولاً في معارك نهر البارد، ونسي من زوّد الجيش اللبناني بأغلب ذخائره في ظلّ تخاذل الدول عن دعمه بالسلاح والعتاد وتقديم أميركا للجيش مساعدات غير قاتلة من ملابس وسيارات». وتشير المصادر إلى أن «التنسيق الحالي في لجان المحافظات في البلدين لا يكفي وحده، ولا يتناسب مع حجم المعركة الحالية والتطورات المقبلة».
لا يوفّر المسؤولون السوريون انتقاداتهم لـ «الهبة السعودية ». يقول السياسي السوري إن «المليار دولار هو هبة لإنقاذ آل الحريري وليس لدعم الجيش. من يريد دعم الجيش يقدم السلاح. أين مخازن الجيش السعودي التي يزود بها الإرهابيين في سوريا؟ وما تسميه السعودية اليوم إرهاباً، الجيش العربي السوري يحاربه منذ 1981». ولا تنسى المصادر التذكير بأن «السعودية ستعاني قريباً من تمدد الإرهاب، وهي تستخدم الآن قوات مصرية في حماية حدودها الشمالية».
تعرّج المصادر على الدعوات اللبنانية التي صدرت أخيراً الى توسيع صلاحيات القوات الدولية لتشمل الحدود مع سوريا. وتقول: «ليست هناك حالة حرب بين لبنان وسوريا، بل مواجهة عصابات إرهابية مسلحة، ويمكنهما التعامل معها من خلال البندين الأولين من اتفاقية الدفاع والأمن بين البلدين. المشكلة أن هؤلاء يرمون كلاماً في البازار السياسي، وهو غير واقعي، لأن أي دولة أوروبية أو مشاركة في اليونيفيل لن تجرؤ على نشر جنودها في مواجهة الإرهابيين». «إذا وافقت الدول توافق سوريا»، يسخر المصدر.
لا تستبق المصادر السورية الأحداث يقول أكثر من مصدر عسكري وأمني إن «الجيش السوري مستعد لمدّ الجيش اللبناني بكلّ ما يحتاجه من ضمن إمكاناته».

فراس الشوفي

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...