تماثيل نساءٍ مقطوعات الرؤوس: رعبٌ أم عبادة؟

20-02-2013

تماثيل نساءٍ مقطوعات الرؤوس: رعبٌ أم عبادة؟

كنتُ أتصفّح «فايسبوك»، حين طالعني مشهد توقّفت عنده مطولاً، على صفحة «انتفاضة المرأة في العالم العربي». وقعت على صورةٍ لعائلة القائد الميداني في «سرايا القدس» حازم ضهير، التي قضت آخر الشهر الماضي، بعدما التهم حريق منزلها في غزة.
رغم هول المأساة، إلا أن تفصيلاً صغيراً في الصورة، أثار فيّ الرعب. أخفي وجه المرأة عمداً، دون سواها من أفراد عائلتها. هكذا، صارت الصورة كالتالي: رجل، ولدان صغيران، وشبح امرأة يرتدي عباءة غامقة اللون، ويحمل طفلة بين ذراعيه.
لم يكن لدي شعور واضح تجاه ما رأيت سوى الذهول التام. ما الشرّ في وجه تلك المرأة المسكينة؟ وما الذي دفع بأصحاب العقول النيّرة إلى إخفائه؟ هل يخافون مثلاً أن يثير وجه سيدة متوفاة الفتنة أو الشهوة؟ ربما لا يبدو هذا الطرح غريباً، بعدما اقترح أحد أعضاء مجلس الشعب المصري، تشريع ممارسة الجنس مع الزوجة الميتة.
رأيتُ تقنيات إخفاء مبتكرة لوجه المرأة سابقاً، في أحد برامج الجوائز على قناة عربية. أعلن المذيع وقتها اسم الفائزة، لكنّ صورتها لم تظهر على الشاشة، بل كتب اسمها فوق صورة رجل. ظننت أنّ في الأمر خطأً، لكنّ الأمر استمرّ لأيام، لأكتشف أنّ ذلك الخطأ كان مقصوداً.. وأنّ الرجل صاحب الصورة ليس سوى زوج الفائزة. وهذه طريقة أكثر احترافاً وفعاليّة لحماية الرجال من «الفتنة». فهي توفّر على المعنيين اللجوء إلى المؤثرات الخاصة لإخفاء وجه المرأة، إذ يكتفون بإلغاء الصورة من أساسها.
وبعيداً عن السريالية والبلاهة في عقل من ابتدع تلك «الحلول»، فإنّ تكرار وقائع مماثلة يطرح تساؤلات كثيرة. إلغاء صورة المرأة أو استبدالها بصورة زوجها مع الإبقاء على اسمها، يعني أنّ صورة الرجل تنوب عن صورة المرأة. لكن إذا ما نظرنا جيداً في لعبة المرايا تلك، يمكننا القول إنّ الرجل يمثل امرأته، وبالتالي فإنّ هويته مستمدة من هويتها وليس العكس. فالنائب هو من ينوب عن السلطة الأكبر أو المرجعية، وهي في هذه الحال المرأة المخفيّة قسراً.
يعيدني ذلك إلى كتاب قرأته عن صور المرأة ما قبل التاريخ. ويستعرض الكتاب صوراً لتماثيل صغيرة، تعود إلى حقب مختلفة، وتمثّل أجساد نساء مقطوعة الرأس أو بلا وجه. يبحث الكتاب في أسباب تلك الظاهرة الغريبة، ويرجح أنّها نتيجة الرعب والحيرة اللذين كان يثيرهما جسد المرأة، خصوصاً في مراحل الحمل والولادة. المفارقة، أنّ كلّ تلك التماثيل تعود إلى العهد الأمومي، الذي سبق العهد الأبويّ. ويرجح المؤرخون أن تكون التماثيل الصغيرة، تماثيل لآلهة أنثوية، وكانت تستعمل للعبادة.
يمكننا القول، من خلال المقارنة بين تماثيل الأمس وصور اليوم، أنّ الرعب الذي يثيره شخص المرأة في الرجل العربي المعاصر، أكبر بكثير من ذلك الذي أثاره في رجل ما قبل التاريخ. رعبٌ يدفعه إلى محاولة الإلغاء الكلي للمرأة، عقلاً وجسداً، وحتى تصويرها كشبح. لكن السؤال المحيّر نفسه، يمكن أن يستعاد من معضلة ما قبل التاريخ: فهل هذا الإخفاء رعب أم عبادة؟ الأرجح أننا نقف أمام المفارقة نفسها. فمن الصعب أن نميّز إن كنّا نعيش في مجتمع ذكوري حتى النخاع، أم في مجتمع لم يتخطَّ بعد العهد الأمومي. فكثرة الانشغال بالمرأة، والهوس المفرط بجسدها، خصوصاً عند ذوي الميول المتطرفة، المطالبين بقمعها أو تقديسها أو احتقارها، علامات لمجتمع أوديبي للغاية. حتى الشتائم اليومية كلها تطال المرأة. فإذا ما أردت أن تهين رجلاً، تهين أمه أو أخته أو زوجته، ما يعني أنّ هويّة الرجل غير منفصلة عنهنّ، لا بل تابعة لهن. هذا ما يدفعني للتفكير بأنّه على الرجل العربي أن ينتفض أيضاً، وعلى نفسه بالدرجة الأولى، ويتحرّر من رعبه من المرأة.

بانة بيضون

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...