السعودية تعرقل مفاوضات المناخ

05-12-2015

السعودية تعرقل مفاوضات المناخ

بعد الانطلاقة السياسية غير المسبوقة لمؤتمر الأمم المتحدة الـ ٢١ لاتفاقية تغير المناخ المنعقد في باريس، ومشاركة غالبية قادة الدول في الافتتاح الرسمي، انغمس مئات المفاوضين الدبلوماسيين في اسبوع ثقيل من المفاوضات، أجمعت مختلف الأطراف على أن محصلته في نهاية الأسبوع الأول كانت «سلبية جدا». وقال مصدر دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى، في محادثة غير رسمية مع عدد من الصحافيين، إن الرئاسة الفرنسية للمؤتمر تصر على أن لا تمديد لأي يوم إضافي للمؤتمر المقرر أن يختتم يوم الجمعة المقبل، في إشارة واضحة إلى أن فرنسا تريد أن تُقرّ مسودة نص تفاوضي، بحلول مساء الخميس كحد أقصى، على ان تُعلَن الموافقة عليه يوم الجمعة.

لكن أجواء التفاوض لا توحي بأن حسابات «الحقل» ستتوافق مع حسابات «بيدر» قائمة طويلة من الدول المعرقلة وعلى رأسها السعودية والهند. وفي هذا السياق، يؤكد الخبير اللبناني ناجي قديح الذي يتابع مسار المفاوضات من خلال «شبكة العمل من أجل المناخ»، أن السعودية تتصدى بقوة لمحاولة البلدان الصناعية المتطورة تمرير صيغتها بشأن الأهداف البعيدة المدى، تلك المتعلقة بما أعلنته مجموعة الدول الصناعية الكبرى G7 بشأن الانتقال الكامل (بنسبة 100 بالمئة) إلى المصادر المتجددة للطاقة، أي التخلص الكامل من استخدام الوقود الأحفوري (النفط والفحم) كمصدر لإنتاج الطاقة، مع نهاية هذا القرن. وبالفعل تصدرت السعودية قائمة الدول التي منحت «جائزة الوقود الأحفوري» التي تمنحها يومياً الجمعيات غير الحكومية للدولة التي تقدم أسوأ أداء، على مستوى عرقلة المفاوضات.

وفي باحة واسعة لتنظيم المعارض في لوبورجيه، حيث نصبت خيم عملاقة لاستضافة المؤتمرين، بدا واضحاً الضغط الذي يتعرض له المشاركون في مجموعات التفاوض، ضمن فريق عمل «منهاج ديربان للعمل المعزّز»، وعكست وجوههم الضغوط التي مارسها الكثيرون لإغلاق أكبر قدر ممكن من النص التفاوضي قبل نهاية الأسبوع. وأشار أحد أعضاء الوفود إلى أن التقدم كان متفاوتا جدا، مع نجاح بعض المجموعات في التعامل مع الأجزاء التي تتسم بالتوافق وغير المثيرة للجدل، كما أعرب أحد المفاوضين في المجموعة المنبثقة حول التمويل، عن قلقه من أن النص قد تراجع بالفعل، قائلاً إن الخيارات أضحت أقل وضوحاً مما كانت عليه قبل يوم واحد، وتساءل عن كيفية إجراء الوزراء التفاوض على هذا الأساس. وأشار أحد أعضاء الوفود الذين شعروا بالأسى إلى أن دفع المفاوضات إلى المرحلة المقبلة يعد «مسألة حياة أو موت»، وأن تحديد موضع القضايا الشاملة «لا يزال يتسبب في إرباك المفاوضات». وجرت الإشارة إلى أن العديد من قضايا التخفيف والتمويل والشفافية تنتمي إلى أقسام متعددة، مع وجود اختلاف في وجهات النظر حول الموضع المناسب لها. وفي الوقت نفسه، اندمج الفريق العامل المخصص المعني بمنهاج ديربان للعمل المعزّز في تتبع الموقف الخاص به، في ما يتعلق بالتمايز والتفاوت في المسؤوليات، ما حدا بأحد المراقبين إلى التساؤل عما إذا كان ذلك قد أدى إلى إهدار ساعات ثمينة.
وفيما انشغل المشاركون في مراجعة المسودة الجديدة المجمعة التي أصدرتها رئاسة المؤتمر، صباح الجمعة، تبيّن أن هذه المسودة قد زاد داخلها عدد الجمل الموضوعة داخل قوسين من ١٦١٧ إلى ١٧١٨، ما يعني تراجعاً دراماتكياً عن النص الذي طرح للتفاوض في بداية المؤتمر.
ودفعت هذه المسودة الضعيفة والمخففة إلى تشاؤم العديد من المشاركين بشأن نتائج المؤتمر، لكن الرئاسة الفرنسية للمؤتمر لا تزال متفائلة وخصوصاً أن عدد الصفحات قد انخفض من ٥٤ إلى ٥٠ صفحة، وأن البنود التي لا تزال تحمل أكثر من خيار قد تراجعت إلى ٢٠٥ بعدما كانت ٢٢٨، كما أحرز تقدم في فصل كامل يتعلق بآلية تنفيذ الاتفاقية، الذي بات نصاً «نظيفاً» لا يحمل جملاً بين قوسين أي متفقا عليها ولا يتضمن عدة خيارات متناقضة حول المسألة نفسها.
وحرصت الرئاسة الفرنسية للمؤتمر على أن تعكس أجواء ثقة لدى المفاوضين، وكرر أكثر من مسؤول فرنسي أنه ليس هناك نص سري يجري التفاوض عليه، وأن ما طرح يوم الجمعة هو المسودة الوحيدة التي يجري التفاوض عليها.
ومن المفترض أن ينتج عن مؤتمر باريس اتفاق عالمي جديد يلزم الحكومات بمجموعة من الإجراءات. وتنتظر الهند، كسائر الدول الأكثر فقراً في أفريقيا وآسيا تعهدات بدعم مالي توفره دول الشمال إلى الجنوب. وهو ما لم يتبين أنه سهل التحقق في باريس. وتركز التقارير العلمية على ضرورة أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها عام 2015، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80% من هذا المعدل عام 2050.
وقبل أسبوعين، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقريرها السنوي، أن مستوى تركيز الغازات المسببة لمفعول الدفيئة بلغ معدلات قياسية جديدة عام 2014. ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أكسيد الكربون، وهو هدف فشلت حتى اللحظة جميع السيناريوات التي تطرح في لوبورجيه في الوصول إليه.
في المقابل، تعمل السعودية الرافضة لأي نظام مراجعة دوري على جذب دول أخرى إلى صفها لتشكيل جبهة عرقلة، وهو ما نجحت به في الأسبوع الأول من المفاوضات.

بسام القنطار

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...