نساء ينتشلن اللقمة من مستنقع الكراجات ويتحدين الرجال

25-06-2006

نساء ينتشلن اللقمة من مستنقع الكراجات ويتحدين الرجال

الجمل ـ تحقيق ـ ليلى نصر : يبدو أن المرأة أوفر حظاً في الحصول على العمل، بعد أن غدت فرصته حلم يراود غالبية شبابنا رجالاً ونساء، أمام شبح البطالة المخيم على المجتمع، فالمهم فرصة عمل دون الاكتراث لظروفه وشروطه وعوامل الاستقرار الناتجة.
ففي مكان ككراج البولمان يعد ملتقى لمختلف شرائح المجتمع وفئاته، حيث يلف محيطه التلوث والضجيج والازدحام، كخواص ثابتة تميز المكان، وتلقي بثقلها على مرتاديه والمتواجدين ضمنه، بلغ عدد النساء العاملات ضمن الورديتين الصباحية والمسائية 64 عاملة، فعادة ما يُطلب الجنس اللطيف لجذب أكبر عدد ممكن من الزبائن المسافرين.
تتراوح ساعات العمل بين ست ساعات لثمان ساعات للدوام الواحد، واثنتي عشرة ساعة للدوامين، براتب لا يتجاوز الستة آلاف ليرة في أفضل الحالات، لتتعدى المهام لدى بعض الشركات حدود العمل ضمن المكتب، الرد على الهاتف، وتسجيل الهوية، وقطع التذاكر، لتنظيم حركة البولمان لحين مغادرته الكراج، أو القيام بدور (وشيشة) ضمن الكراج تستدرج الركاب من عند الباب ، لقطع تذكرة مقابل نسبة بسيطة يتم الاتفاق عليها.

فنون وكراجات


تضطر الكثير من طالبات الجامعة للعمل لتأمين مستلزماتهم الدراسية وتخفيف عبء مصروفهم عن الأهل كحال ( شيرين -27 عاماً) لكن النتائج كيف تكون؟ تقول: لأنني أكبر أخوتي كان علي أن أعمل مع دراستي في كلية الفنون الجميلة لتأمين مصروفي ومساعدة الأسرة المؤلفة من ستة أفرد، نعتمد جميعنا على راتب والدي المتقاعد وحسب. وبعد أن وصلت إلى السنة الثالثة تركت الجامعة لأنني لم أتمكن من التوفيق بينها وبين العمل.
وتشرح شيرين شروط العمل ومسؤولياته قائلة: أنا المسؤولة عن حسابات الشركة، حيث أقوم بمراجعة فواتير القطع بعد الفتيات، وفواتير العودة من السائقين، وأشرف على مواعيد انطلاق الرحل، والأمانات، وتوزيع الضيافة. لتبدأ ساعات العمل من التاسعة صباحاً حتى الثامنة مساء، وأحياناً أضطر للبقاء حتى الحادية عشر ليلاً في أيام ضغط العمل، دون وجود يوم عطلة، وأي تقصير أو خطأ في العمل أو الحسابات، يُحسم من راتبي الذي لا يتجاوز الثلاثة عشر ألف ليرة، بعد ثمان سنوات من العمل.

تضطر الكثير من طالبات الجامعة للعمل لتأمين مستلزماتهم الدراسية وتخفيف عبء مصروفهم عن الأهل كحال ( شيرين -27 عاماً) لكن النتائج كيف تكون؟ تقول: لأنني أكبر أخوتي كان علي أن أعمل مع دراستي في كلية الفنون الجميلة لتأمين مصروفي ومساعدة الأسرة المؤلفة من ستة أفرد، نعتمد جميعنا على راتب والدي المتقاعد وحسب. وبعد أن وصلت إلى السنة الثالثة تركت الجامعة لأنني لم أتمكن من التوفيق بينها وبين العمل.وتشرح شيرين شروط العمل ومسؤولياته قائلة: أنا المسؤولة عن حسابات الشركة، حيث أقوم بمراجعة فواتير القطع بعد الفتيات، وفواتير العودة من السائقين، وأشرف على مواعيد انطلاق الرحل، والأمانات، وتوزيع الضيافة. لتبدأ ساعات العمل من التاسعة صباحاً حتى الثامنة مساء، وأحياناً أضطر للبقاء حتى الحادية عشر ليلاً في أيام ضغط العمل، دون وجود يوم عطلة، وأي تقصير أو خطأ في العمل أو الحسابات، يُحسم من راتبي الذي لا يتجاوز الثلاثة عشر ألف ليرة، بعد ثمان سنوات من العمل.


مديرة مكتب و(وشيشة)

 

أما (لينا -27 عاماً) التي كانت تقف على باب الكراج، ضمن مهام عملها كما تقول الذي لا يقتصر على قطع التذاكر والمحاسبة، وتسجيل الهوية، وإنما تراقب الرحلة، وعدد الركاب وتحجز للركاب الذين يأتون على موعد انطلاق الرحلة في الخارج، وتحصي عدد الركاب المتخلفين، وتنظم كل راكب في مكانه، ثم توقع الدفتر من الشرطة، وبعدها من المحافظة، والإشراف الكامل على المكتب وعمل الفتيات، وتمارس دور (الوشيشة) أيضاً أي تجلب الركاب من باب الكراج إلى المكتب، حيث تقنعهم بقطع التذكرة، وتوصلهم إلى أماكنهم في البولمان، مقابل نسبة 10% من قيمة التذكرة  وكل ذلك يتم ضمن ظروف سيئة حيث البرد في الشتاء، و لهيب الشمس في الصيف.
تتذكر لينا الهوايات التي كانت تمارسها بأسى وتقول: قديماً كنت مهووسة بالمطالعة، خاصة كتب علم النفس والأدب، فقد قرأت إحسان عبد القدوس، توفيق الحكيم، أحلام مستغانمي، تشيخوف، وتولوستوي، وشعر نزار قباني، وكثيراً ما أحضر المسرح، لكنني الآن أذهب إلى البيت غير قادرة على الحديث مع أحد، من كثرة الضغط الذي نتعرض له، عداك عن الضجيج الذي ولد لدي وجع رأس مستديم، ودوالي في أرجلي من الوقوف الطويل، ولكن مكرهاً أخاك لا بطل، فلولا مرض أبي وأخوتي المسؤولة عنهم لا أبقى ثانية واحدة في هذا المكان.

 

المعيل الوحيد

 

وقد تترك بعض الفتيات المدرسة في سن مبكرة لممارسة أكثر من عمل في نفس الوقت كحال (لارا سليمان -22 سنة) إذ تقول: بعد أن مرض أبي في القلب، اضطررت لترك المدرسة في الإعدادية من أجل العمل وإعالة الأسرة المؤلفة من ستة أفراد، فأنا أكبر أخوتي وجميعهم في المدارس، لذا أعمل من الساعة العاشرة حتى الرابعة والنصف في الكراج، ومن الخامسة حتى التاسعة والنصف في عيادة طبيب أسنان، لأتمكن من تأمين مستلزمات الأسرة.
وكذلك (سامية- 25 عاماً) التي تركت المدرسة بعد وفاة أبيها، لتتحمل مسؤولية مصروفها وجزء من مصروف الأسرة المؤلفة من احد عشر فراداً كما تقول، فبعد عناء طويل من التنقل في عدة أعمال في القطاع الخاص، وجدت هذه الفرصة، ومع كل سلبياتها تراها أفضل من غيرها، فقد اعتادت عليها بعد  سبعة سنوات من العمل المتواصل.

 

ضربني بمحفظته


وبالحديث عن المشاكل التي يمكن أن تحصل مع الركاب، تقول شيرين: نضطر لتحمل طباع الزبائن المختلفة وأمزجتهم، وامتصاص غضبهم، فتأخر موعد الرحلة دقائق معدودة يمكن أن يولد مشاكل وخلافات قد تتدخل الشرطة لحلها.
وتسرد إحدى المشاكل التي حصلت معها قائلة: أحد الركاب كان يريد إلغاء التذكرة التي قطعها، وهذا ممنوع في قانون شركتنا، حاولت أن أشرح له أني سأدفع قيمتها من جيبي إن ألغيتها فلم يقتنع، وبعد جدال طويل ضربني بمحفظته على وجهي، فتدخلت الشرطة بيننا وفتح ضبط في الواقعة، وحينها كرهت الشغل، وهذا المكان، ولكنني مضطرة للعمل.
وتشير(سامية- 25 عاماً)  إلى سلبيات المكان والنظرة السائدة عن الفتاة التي تعمل في الكراج فتقول: تضطر الفتاة للتغاضي عن الكثير من المسائل التي لا تعجبها، فقد تسمع الإهانة والسباب وتسكت، وتظهر النظرة السلبية السائدة عن الفتاة التي تعمل في الكراج من خلال المشادات الكلامية التي كثيراً ما تحصل بيننا وبين الركاب، فأبسط جملة يمكن أن تقال (لو مانك وقحة ووسخة ما كنتي اشتغلتي بالكراج)، أو (خلي أخوكي الشب يجي يشتغل مكانك) ولكننا نرفع شعار التطنيش  لأننا مضطرين للعمل.

 

سهلة أو أخت رجال

 

وأمام هذه النظرة عن فتاة الكراج، قد تضطر لأن تتشبه الفتاة بالرجل لإثبات العكس، كخيار يبدو أنه الوحيد أمامها هذا ما أكدته لينا بقولها: المرأة هنا امرأة بالشكل، فأنا مثلاً تغيرت طريقة تعاملي مع الناس، حتى نبرة صوتي ولساني الذي بات سليطاً، فإذا ضحكتي مع فلان، ومازحتي فلان يأخذون عنك فكرة أنك سهلة المنال، يعني وباختصار (إذا مرقتي الصغيرة يمكن أن تمرقي الكبيرة)، وحتى أرباب العمل كثيراً ما يحاولون استغلال الفتيات لاسيما الصغيرات في العمر، فالبنت غير المتجاوبة قد يفصلونها من العمل، وإذا كانت متجاوبة يمضون معها بعض الوقت ويفصلونها ليأتوا بغيرها، لذا تضطر الفتاة لأن تكون (أخت رجال) ولا خيار آخر.
بينما تجد ( خلود-27 عاماً) الحائزة على دبلوم في الآثار، في العمل فرصة لتغير الجو وتأمين مصروفها وإثبات وجودها، بعد يأسها من التقديم على المسابقات دون فائدة. ورغم الضغط والزحمة والضجيج لكنها ترى أن العمل أرحم من القعود في البيت.
إلا أن (نبال -20 عاماً) التي باشرت عملها منذ أسبوع في الكراج، بدت سعيدة بالعمل الجديد رغم أنها تقوم بنفس مهام الأخريات إذ تقول: مع أنني أعود متعبة إلى البيت، (بس مبسوطة كثير) لأنني أتعرف على جو جديد بالنسبة لي، وأملأ وقت فراغي، و(البنات كثير مناح معي، بضحكوني، وبعلقوا على طريقة كلامي، لأن صوتي ناعم كثير) !!
تستغل بعض المدرسات عطلة الأشهر الثلاثة الصيفية في العمل، ولا يكترثن كثيراً لمكان العمل وظروفه كحال (سعاد - 30 سنة) إذ تقول: بعد عناء طويل من العمل والدراسة معاً، تخرجت من كلية الشريعة، وحالياً أنا مدرسة، ولكن مع بداية العطلة الصيفية بدأت في العمل لقطع تذاكر ضمن المكتب، لسداد بعض الالتزامات المادية عن الأسرة.
ولا تكترث سعاد لمكان العمل وظروفه طالما أنها تعمل بكرامتها، فهي ترى أن الفتاة المتوازنة والواثقة من نفسها تستطيع أن تفرض احترامها في أي مكان تتواجد فيه، ورغم الضجيج والازدحام وظروف التلوث والنظرة السائدة عن الفتيات اللواتي يعملن في الكراج لكنها تفضل هذا على حاجة الآخرين، أو المضي في طريق الخطأ.

 

ألفاظ بذيئة

 

وجدت (هوازن - 26 عاماً) من وجود الصحافة في الكراج فرصة للحديث عن معاناتها ومعاناة غالبية الفتيات فيه، فأرسلت أحدهم في طلبي، وأول جملة استهلت بها كلامها: المكان مستنقع وسخ، ( وش، وتلطيش، وتعامل سيء، وألفاظ بذيئة).
 وتشرح ذلك قائلة: عندما أنزل من السرفيس باتجاه الكراج، ينظر الموظفون و(الوشيشة) المتواجدون على مدخله إليَّ نظرات مزعجة، وكأنهم لأول مرة يرونني، رغم أنه مضى على وظيفتي في قطع التذاكر ضمن المكتب أكثر من عام، لكنني أسمع الكثير من (التلطيشات ) ، عداك عن الأوامر التي تفرض بطريقة غير حضارية عادة، فكلمات (يا أنسة، بعد إذنك، لو سمحتي) نادراً ما تستخدم هنا، ومن كثرة المشادات الكلامية التي تحصل والألفاظ النابية والكلام البذيء الموجود بعض الفتيات أصبحن يستخدمنها في المزاح والحديث، وكأنهن تأقلمن مع الجو العام للكراج.
أما (ليلى – 22 عاماً) التي تزوجت في عمر السادسة عشر، وانفصلت عن زوجها بعد ثلاثة أشهر، ليثمر زواجها طفلا لم يره والده، ولا يتعرف على أي التزام نحوه، ورغم ذلك أبقاها (لا معلقة ولا مطلقة) على حد تعبيرها، لكي لا يدفع مؤخرها، فوجدت في العمل الخيار الوحيد لتتمكن من تربية طفلها.
تتنهد ليلى بأسى قائلة: كما ترين أعمل من الحادية عشر حتى الثامنة والنصف مساء، أترك طفلي عند أبي وأمي طوال النهار حتى بات يضنهم أهله، أضحك وأمزح وأجامل ولكنني متعبة جداً، حياتي تقتصر على العمل وحسب، وانعدم عندي أي إحساس بالأنوثة، أمشي بين الرجال مثلي مثلهم ، وأتفقد الركاب في أماكنهم، وأعد المتخلفين، وأحجز للذين يأتون على موعد الرحلة، وأوقع الدفتر من الشرطة والمحافظة، لأعود مجدداً إلى المكتب.


الجمل

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...