عينّة سورية لكوارث زواج الأقارب

26-06-2006

عينّة سورية لكوارث زواج الأقارب

الكستن قرية وادعة في محافظة ادلب تتبع لمنطقة جسر الشغور وتعد من السكان ما يزيد عن خمسة الاف نسمة دخلت دائرة الضوء وباتت محط الأنظار وحديث الناس ومرد ذلك يعود إلى ظاهرة ليست غريبة على مجتمعنا بل هي في القرية من أكثر الظواهر انتشارا إذ إن الكستن تجمع بين الزواج المبكر وزواج الأقارب..‏

ورغم انه ليس هناك احصائيات شاملة ومحددة في ادلب عن أعداد المعوقين في هذه القرية إلا أن المصادر تشير إلى وجود حوالي 120 معوقا والعدد هذا يعكس الحجم الحقيقي للنتائج السلبية لزواج الأقارب ..‏

احمد الابن البكر لعائلة هللت لمولودها الأول بفرح لكن الفرحة لم تكتمل إذ إنه وبعد فترة قصيرة علم الأهل أن طفلهم مصاب بمرض الضمور العصبي والعضلي وبأن حالته تتدهور شيئا فشيئا إلى أن يصاب بالشلل التام وهكذا ومع الأيام فقد احمد القدرة على السير وبغصة تقول والدته: تسألون كيف واجهت المصيبة.. فماذا لو علمتم بأن المصيبة أصبحت مزدوجة مع إصابة الولد الثاني بالمرض نفسه.. إعاقة أولادي جعلت من حياتي حلقات متصلة من الشقاء والعذاب لا مكان فيها لترف الراحة أو هدوء البال..‏

ديانا وناديا ومحمد واحمد أشقاء ولدتهم أمهم كفيفة البصر تباعا ليس بينهم تباعدا في الحمول.. والدتهم تصبح وتمسي وعيناها معلقتان على أطفالها المعوقين وتروي ما يعانونه بنفس القدر من التمسك بالتماسك والسكينة .‏

وقالت سيدة في العقد الرابع من عمرها أنها تزوجت من قريب لها غير راضية وكانت غير سعيدة بهذا الزواج فالمخاوف من إنجاب أطفال معوقين كانت تلازمها إلى أن حصل وأنجبت طفلين يعانيان اليوم من الإعاقة الذهنية والشلل النصفي.‏

وقال سعيد وزوجته هيام وهي ابنة عمه وابنة خالته معا كانا قد تزوجا منذ مدة ليست ببعيدة وقد فرض عليهما هذا الزواج الحالة المالية لسعيد فهو فقير وهيام كانت ضحية لعادات وتقاليد وعرف اجتماعي إننا ننتظر مولودنا البكر وإننا نحسب ألف حساب فيما لو أبصر الولد البكر لنا النور.‏

والسؤال الذي يخطر على البال هل المرأة سعيدة في هذه القرية? أم تعيسة?‏

على الرغم من أن السؤال لم يطرح إلا على النساء ممن تتراوح أعمارهن بين الخامسة والعشرين والأربعين عاما سمعن قصصا تحمل مرارة وقسوة الحياة على ارض تلك القرية التي ينحت أهلها طعامهم من الحجارة.. نساء كثيرات من هذه القرية يشتغلن اليوم خارج بيوتهن ويكسبن قوت يومهن, ولكن هل هذا حقا بمحض إرادتهن واختيارهن.. أم هي ضرورات فرضت نفسها على نساء هذه القرية.? إنهن يعملن لأن لابد لهن من العمل قبل الزواج وبعد الزواج وذلك بسبب كثرة مطالب الحياة فالمرأة في قرية الكستن مطلوب منها أن تعطي وتنتج وتستمر لساعات في عملها وبالها مشغول بطفلها المعوق وهي في صراع دائم بين متطلبات الحياة ودورها الانتاجي ودورها الغريزي كأم ويزداد هذا الصراع عندما يكون احتياج طفلها اشد من احتياج الطفل العادي وهو بحاجة إلى اهتمام متواصل, فالأم كما هو معلوم لن تستطيع أن تنتج وتنجز عملا في ظروف قاسية وصراع نفسي وقد ينقلب ذلك إلى اكتئاب وقلق للأم وللطفل معا. لكن ما اراح تفكيرنا أن المرأة في قرية الكستن تتسم بقوة الإرادة الصلبة والتصميم على مواصلة الحياة بالرغم من جميع الصعاب التي تواجهها, وهذا ما شجعنا على طرح سؤال أمام جمع من نساء وفتيات القرية فكان ردهن أن موضوع زواج القربى يجب أن يخضع للبحث والدراسة والتقييم الدقيق بمختلف أبعاده العلمية والاجتماعية فالقول بخطورة استمرار هذه الظاهرة حق لاجدال فيه. واجمعن على القول بأن صراعا عنيفا ينتابهن اليوم فهن يتطلعن للانطلاق الى افاق بعيدة.‏

ولكن التقاليد والعادات القديمة تحاول أن تمنعهن من السير في تيار المدنية الحديثة. وفي هذه القرية وكل من التقيناه من الرجال والنساء ممن تجاوزوا الخمسين من العمر يعكسون إحدى درجات الأمية وكلهم من ذوي القربي لبعضهم ولكل واحد منهم مشكلات قائمة بذاتها.. عبروا عن موقف يشجع ويركز على أهمية زواج القربى وعلاقات القربى من جهة نظرهم منطلقين من المثل الشعبي السائد عندهم ( اهلك اهلك ولو رموك على المهلك) وأهمية هذا المثل انه يشكل القاعدة القيمية التي تسند وتبرر زواج القربى الداخلي في قرية الكستن كما انه يعكس تصورا لوظيفة الزواج تتمثل في حفظ وصيانة ما يشار إليه بتجانس المجتمع وهذه الفئة من الرجال والنساء ممن التقيناهم مسؤولون مسؤولية كبيرة فيما يحدث للمجتمع في قرية الكستن من تدهور في الحياة المعاشية ( فقر مدقع) أمراض وراثية.. اعاقات بجميع أنواعها .. الخ).‏

وفي هذه القرية تبين لنا إن نسبة البنون تساوي نسبة البنات, هكذا تدل الاحصائيات والبنات فيها يعددن مبكرا لأدوارهن المتوقعة مستقبلا كأمهات ومما يعكس هذا الإرث أن البنات ينفقن على أداء المهام المنزلية وقتا أكثر بكثير مما ينفقه البنون.. والزواج المبكر من الأقارب هو القاعدة والحمل المبكر أمرا مرغوبا به وإن كان يشكل خطرا كبيرا على صحة المرأة الشابة.‏

والملاحظ في القرية هذه أن الحمل في مرحلة مبكرة من الحياة الزوجية عادة وذلك نتيجة لعدم إمكانية حصول المرآة على المعلومات والخدمات في العلاقات الجنسية وفي هذا تحتاج القرية وبالتحديد المرأة فيها إلى تعاون كبير ليس فقط من منظمة الاتحاد النسائي أو من المنظمة الصحية بل من جميع المنادين بالمحافظة على الصحة العامة وبالأخص صحة الأم والطفل..‏

 

حسن العبد

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...