جديد غسان شميط.. كيف أُهدرت العاصفة الأوكرانية

02-07-2012

جديد غسان شميط.. كيف أُهدرت العاصفة الأوكرانية

استغرقت رواية حنا مينه «الشراع والعاصفة» عامين من التحضير في أروقة «المؤسّسة العامة للسينما» في سوريا، حتى تأخذ طريقها إلى العرض في فيلم من توقيع المخرج غسان شميط، عن سيناريو كتبه الروائي وفيق يوسف.
يعرف الجميع أن مشاهد العاصفة، التي لا يُمكن الاستغناء عنها، كانت المعضلة، حيث لا إمكانية لتنفيذها في سوريا. فكان الحل في كلفة إنتاجية إضافية لتنفيذ العاصفة البحرية في مسبح أوكراني، بكلفة بلغت ثمانية ملايين ليرة سورية (حوالى 170 ألف دولار أميركي). غير أن العاصفة الأوكرانية سرعان ما أُهدرت، إذ استطاع بطل الفيلم، الممثل جهاد سعد، الانتصار على العاصفة، على الرغم من وزن زائد ملحوظ، وأداء مستخف. بدا الفيلم كأنه فقط تلك العاصفة. لم يرد السيناريو أن يهتم بتفاصيل الصراعات السياسية والأحزاب والقوى المتصارعة على وقع الحرب العالمية الثانية، في ظلّ الاحتلال الفرنسي لسوريا. ربما لاعتبارها أشياء فائضة عن حاجة المُشاهد المعاصر، إلى الحدّ الذي أفقر شخصيات الفيلم. والبطل، الذي يُفترض به أن يكون أحد الأبطال الشعبيين الذين تحدّوا العواصف البحرية والاجتماعية، بدا بلا عمل تقريباً. شخصية لا تعرف ما الذي صنعها، وماذا عن ماضيها. كأن المخرج أراد أن يجعل منه بطلاً وحسب. لن نُشغل البال بالمطابقة بين ما جاء في الرواية وما جاء في الفيلم، فليس هذا مهماً إذا قدّم الفيلم مسوّغاته.جهاد سعد في شخصية البطروسي في لقطة من «العاصفة والشراع» لغسان شميط
حتى تلك القصّة الإنسانية التي افتُتح الفيلم بها أُهدرت: المشهد الأول يحكي عن كيفية انتقاء البطل زوجته من المبغى، من دون خلفيات لهذه الحكاية. إذا لم يفسر العمل لماذا يأخذ بطل شعبي في أربعينيات القرن السوري الفائت زوجة من مبغى، يُصبح الأمر نوعاً من الادّعاء، يريد المخرج حينها أن يكرّر «كليشيه» تقول إن بطلنا إنسان قاهر للعواصف، في الوقت الذي يرهف السمع إلى حكاية إنسانية غير آبه بما سيُقال عنه. حسناً، يُمكن قبول ذلك الادّعاء. لكن، أين هي الحكاية الإنسانية؟
أدّت الممثلة رندة مرعشلي دور الزوجة. مع هذا الثنائي البطل، سعد ومرعشلي، لا بدّ للمرء من أن يسأل: كيف نقتل أنفسنا بحثاً وتحضيراً وكلفة إنتاجية، ثم نستسهل اختيار الممثلين الخطأ، الذين بدورهم لا يكلّفون أنفسهم عناء بسيطاً في المواءمة بين ملامحهم والشخصيات التي يلعبون؟ المَشاهد الأكثر ترويعاً في الفيلم كانت مشاهد الحب بين البطلين (سعد ومرعشلي): من الواضح أنهما يحاولان التحايل على المتفرّج بأنصاف قُبَل. مَشاهد تشي بأنها ليست عاهرة سابقة متمرّسة. مشاهد تقول للمُشاهدين: «كنا نريد لولا الرقيب». مَشاهد ليتها حُذفت من أساسها، لقلنا إن الحق على الرقيب.
كذلك، ضيّق الفيلم خياراته دائماً، من اختيار ممثليه إلى اختيار أمكنة وزوايا التصوير. يصعب تذكّر مشهد واسع، سوى مشهد البحر الكبير، وفيه مركب وحيد يتهادى. من الواضح أن الفيلم لم يرد أن يورِّط نفسه بكلفة إنتاجية عالية، فضيّق الكاميرا إلى أبعد حدّ، وطغت اللقطات القريبة، والمَشاهد الداخلية، أو ما شابهها. في المبغى، داخل منزل البطل، في مكتب مدير الميناء، وفي المقهى، وغيرها.
«الشراع والعاصفة» هو الفيلم الرابع للمخرج غسان شميط ، بعد «شيء ما يحترق» (1993) و«الطحين الأسود» (2001) و«الهوية» (2006)، إلى جانب ثلاثة عشر فيلماً قصيراً. مع هذا الكَمّ من الفشل، ربما صار واجباً القول: كفى.


راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...