جدل في بريطانيا: هل صار رسم نتنياهو من المحرّمات؟

31-01-2013

جدل في بريطانيا: هل صار رسم نتنياهو من المحرّمات؟

لم يكن رسام الكاريكاتور جيرالد سكارف يعلم ما سيؤول إليه رسمه المنشور في صحيفة «صانداي تايمز» يوم الأحد الفائت، في 27 الحالي. يصوّر الرسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يبني حائطاً من أجساد الفلسطينيين، وقد نشر في اليوم نفسه الذي تسترجع فيه بريطانيا ذكرى الهولوكوست. وتعرّض الرسام البريطاني المخضرم على إثره، لحملة هجوم واسعة، من منظمات وجهات رسمية يهودية، أبرزها «مجلس نواب اليهود البريطانيين» و«مجلس القيادة اليهودية»، اتهمته، والـ«صانداي تايمز» «باستخدام الدعاية اللاسامية وبإهانة الشعب اليهودي، إضافة إلى التمثّل بما يُنشر في الصحافة العربية المعادية للسامية».
ويٌظهر الرسم نتنياهو بوجه كاريكاتوري وبملامح شيطانية تدلّ على الشر، يقف فوق جدار الفصل العنصري حاملاً بيده مجرفة حادة تقطر دماً، في إشارة إلى أنه يبني هذا الجدار على دماء الفلسطينيين. يحمل الرسم رسالة سياسية واضحة تعكس وجهة نظر جيرالد سكارف، خصوصاً أنّها نشرت بعد فوز نتنياهو في انتخابات الكنيسيت الإسرائيلي الأخيرة. إلا أنّ الرسم لا يتضمّن أي إشارة للديانة اليهوديّة، كما أنّ نتنياهو سياسي إسرائيلي بالدرجة الأولى، ولا يعدّ رمزاً يهودياً دينياً أو ممثلاً لليهود حول العالم.
هذه ليست المرّة الأولى التي تثير فيها رسوم سكارف الجدل، منذ بداية عمله في صحيفة «صنداي تايمز» في ستينيات القرن الماضي. فهو عادة ما يركّز على إظهار الدماء، وتمكن ملاحظة ذلك من خلال جولة على أعماله المنشورة على موقعه الإلكتروني. وقد حظي بشهرة واسعة لرسوماته السياسيّة، إضافةً إلى رسمه لغلاف ألبوم «الحائط» الشهير لفريق «بينك فلويد» في العام 1982.
الحملة على «صانداي تايمز» دفعت مالك الصحيفة روبرت مردوخ لتقديم الاعتذار. فغرّد على «تويتر» قائلاً «الرسام الكاريكاتوري المخضرم جيرالد سكارف الذي كثيراً ما يصوّر الدماء في أعماله، لا يمثّل خط الصحيفة التحريري. ونحن ندين باعتذار على هذا الرسم المنفّر والمهين». في المقابل علّق جيرالد سكارف على الحملة المضادة التي تتهمه باللاسامية وبإهانة الشعب اليهودي، وكتب على موقعه الالكتروني «أنا لست ولم أكن أبداً معادياً للسامية. «صانداي تايمز» منحتني حرية التعبير منذ 46 عاماً لأنتقد زعماء العالم على أفعالهم الخاطئة بحسب رأيي. وهذا الرسم كان انتقاداً لنتنياهو وليس للشعب اليهودي. لم يكن هناك أيّ نية مقصودة تجاههم. مع ذلك، فإنّ ما حصل كان غباءً وجهلاً منًّي بأن الرسم سينشر في نفس يوم ذكرى «الهولوكست»، وأنا أعتذر عن التوقيت غير الصائب بتاتاً». من جهته وجّه رئيس تحرير «صانداي تايمز» مارتين إيفنز رسالة اعتذار لنتنياهو وللشعب اليهودي معتبراً أنّ نشر هذا الرسم كان «خطأً مريعاً». رسالة إيفنز جاءت بعد اجتماعه يوم الثلاثاء مع ممثلين عن المجتمع البريطاني اليهودي، وقال فيها إنه «على الرغم من أن أعمال جيرالد سكارف مشهورة بكونها قاسية ودموية، إلا أن سكارف تجاوز حدوده حين نشر الرسم في ذكرى المحرقة».
تظهر رسالة إيفنز موقف الصحيفة المتأرجح، فهي كانت قد دافعت عن الرسم الكاريكاتوري مساء الأحد الفائت موضحةً أنّه «موجّه ضد نتنياهو فقط وليس ضد دولة إسرائيل والشعب اليهودي»، لتعود وتنقلب على موقفها في اليوم التالي. ولعلّ السبب الأبرز لهذا الأمر هو إدانة السفير الإسرائيلي في بريطانيا دانيال توب للصحيفة من جهة، ومن ثم اعتذار مردوخ من جهة ثانية. ويظهر تأرجح المواقف هذا، حجم الضغوطات الخارجية التي تؤثر في رسم خط الصحيفة التحريري وفي قرارات مردوخ عامة. كما أنّه بات من المعروف عن أخطبوط الإعلام مردوخ، أنه يعطي الأولوية للحفاظ على علاقاته بالمنظمات الصهيونيّة والإسرائيليين، ولو على حساب المهنية الصحافية وحرية التعبير. في هذا الإطار كتب المستشار الإعلامي لصحيفة «الغارديان» البريطانية، بأنّ «قضية اللاسامية هي أمر حسّاس جداً بالنسبة لمردوخ، وهذا الأخير على علاقة وثيقة بزعماء يهود في الولايات المتحدة، لذلك لم يكن مستغرباً إسراعه في الاعتذار عن الرسم الكاريكاتوري». وتأتي الحقائق والوقائع حول سياسة مردوخ وتوجهاته لتعكس حقيقة ما قاله موور لصحيفة «الغارديان». ففي العام 2011 كتب دوفيد إيفون في صحيفة «الهافينغتون بوست» الأميركية: «من الصعب العثور على شخص غير يهودي حصل على تكريمات من المنظمات اليهودية أكثر من روبرت مردوخ». كما أن مردوخ نفسه غرّد في تشرين الأول تغريدة لقيت ردود فعل كبيرة، حين سأل: «لماذا تنحاز وسائل الإعلام المملوكة من يهود ضدّ إسرائيل عند كلّ كارثة»، في نقد مبطّن لصحيفة «نيويورك تايمز» خلال تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على غزة.
وعلى الرغم من التهويل بحقّ جيرالد سكارف وصحيفة «صانداي تايمز» من قبل المنظمات الصهيونيّة، انطلقت أصوات يهودية لم ترَ في رسم سكارف أي إساءة للديانة اليهوديّة، أو ذكرى المحرقة. وعلى سبيل المثال، كتب الصحافي آنشيل بريفير في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية «الرسم الكاريكاتوري مهين كثيرا وغير عادل، ولكن من الطبيعي أن يتعرض أي رجل سياسي لرسومات كهذه». وفي لندن كتبت محررة مجلة «اليهودية الفصلية» راشيل لاسيرسون: «علينا التفريق بين اللاسامية عموما والنقاش حول بناء المستوطنات وجدار الفصل في الضفة الغربية».
تجدّد قضيّة سكارف السجال حول حدود حرية الصحافة والتعبير، وهو بمثابة إشكالية حين يتعلّق الأمر بقضية «اللاسامية»، فما حصل مع «صانداي تايمز» يذكرنا بقضيّة مفتاح تاغ «يهودي جيّد»، على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وشغل الإعلام في فرنسا خلال تشرين الأوّل الماضي. وكان مستخدمو هذا المفتاح ينشرون نكات وصوراً ورسوماً كاريكاتورية حول اليهود. يومها طلب الاتحاد من القيّمين على «تويتر» تزويدهم بالمعلومات الخاصة بهؤلاء المستخدمين، إلا أنَّ هذا الأخير رفض التزاماً منه بمبدأ الخصوصية. تحولت القضية إلى المحكمة المدنية في باريس، والتي أقرّت الأسبوع الماضي بأنّه «على شركة «تويتر» أن تزوِّد الاتحاد بكل المعلومات الشخصية حول الأشخاص الذين نشروا مواد ذات مضمون معادٍ للسامية كي يخضعوا للمحاكمة. وإذا تخلّفت شركة «تويتر»عن ذلك، فإنها ستخضع للغرامات الباهظة»... وهذا ما فتح نقاشاً كبيراً حول حقوق الخصوصيّة على موقع التدوينات القصيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي عموماً.

بتول خليل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...