باول ماتيك :استعراض لكتاب عن المساعدة المتبادلة

14-10-2009

باول ماتيك :استعراض لكتاب عن المساعدة المتبادلة

هذه الطبعة الجديدة من كتاب كروبوتكين عن المساعدة المتبادلة , الذي صدر لأول مرة في بداية هذا القرن , لا تلبي الحاجة فقط لتواجده المستمر – بل بدرجة ما – تساعد أيضا في مقاومة المالتوسية الجديدة المعاصرة و المحاولات المتجددة , مع أنها عقيمة , لتقديم المنافسة الرأسمالية على أنها "قانون طبيعي" . و قد استفزه اعتقاد هاكسلي أن الصراع من أجل البقاء في الطبيعة و المجتمع هو صراع الجميع ضد الجميع , أثبت كروبوتكين أن المساعدة المتبادلة في كل من عالم الحيوان و المجتمع الإنساني هي بالأحرى التي تضمن الوجود و تؤهل للتقدم .
ما زعمه هاكسلي يقع تحت اسم الداروينية الاجتماعية – "البقاء للأفضل" . الناجح في المجتمع يكون كذلك بطريقة "الانتقاء الطبيعي" . و لا يمكن أن نفعل أي شيء بخصوصه , و لا يحتاج إلى اعتذار , بما أن الطبيعة ليست "أخلاقية" و لا "سيئة الأخلاق" , بل إنها "لا أخلاقية" ( بمعنى انعدام وجود الأخلاق أو غياب أساس طبيعي لهذه الأخلاق – المترجم ) . طبعا , كانت هناك محاولات لتحدي "القانون الطبيعي" من خلال إقامة نظام اجتماعي صمم لتخفيف صراع الجميع ضد الجميع . لكن هذا يعد بالقليل فقط للمستقبل لأن عدد السكان يجنح إلى أن يفوق وسائل البقاء , و هكذا فإن صراع البقاء سيستمر بتدمير الأضعف .
لم يرد كروبوتكين على حجج هاكسلي المالتوسية رغم أنها كانت الحجة الوحيدة التي استخدمها هاكسلي لدعم آرائه . عوضا عن ذلك وصف أشكال المساعدة المتبادلة التي لاحظها في عالم الحيوان و الأنماط المتعددة للتعاون الاجتماعي خلال التاريخ الإنساني . فعل ذلك بشكل ممتاز , بحيث أن الكتاب – بغض النظر عن قصده الخاص – هو دراسة هامة للسلوك الحيواني و لتطور الاجتماع الإنساني . هو نفسه تحت تأثير الداروينية , أراد كروبوتكين أن يصحح تفسيرها أحادي الجانب الذي وضعته الرأسمالية , و الذي يرى التنافس فقط و ليس عامل المساعدة المتبادلة الأكثر أهمية بكثير كأداة للبقاء . لم يعارض كروبوتكين الحجج المالتوسية لأنه اعتقد أن "الكوابح الطبيعية للتزايد الهائل" جعلتها خارج الموضوع .
خدم هذا "الداروينيين الاجتماعيين" , الذين لم يميزوا بين المجتمع و الطبيعة , و الذين يرون في كل البؤس الاجتماعي مجرد تجليات "للقوانين الطبيعية" . سيصرون أنه , رغم أن الصراع من أجل البقاء قد لا يتصف بالصراع المر الدائم على وسائل البقاء , مع ذلك فإن الفقر المدقع و الجوع , و أيضا المجاعات و الأوبئة , يجب أن تعتبر "ككوابح طبيعية أمام التزايد الهائل في عدد السكان" . و برأيهم إن التخفيف من المعاناة الإنسانية, مهما كان سببها , يناقض "الكوابح الطبيعية" الضرورية أمام التزايد الهائل في عدد السكان .
لم يرد كروبوتكين على الحجج المالتوسية أيضا لأنه لم يميز بشكل كاف بين المجتمع و الطبيعة . فكما كانت المنافسة بالنسبة للداروينيين الاجتماعيين شيئا غريزيا في الإنسان و الحيوان , كانت المساعدة المتبادلة بالنسبة لكروبوتكين "غريزة أخلاقية" ذات "منشأ قبل إنساني" و "قانونا طبيعيا" . لكن هذا لم يمنعه من وضع "الشعار , المساعدة المتبادلة" , الذي يأتي إلينا "من الشجرة , الغابة , النهر , المحيط" , إلى تأسيس "أفكارنا الأخلاقية" لضمان "تطور أكثر رفعة" لنوعنا . يبدو عندها أنه لكي تصبح "القوانين الطبيعية" فعالة فإنها تحتاج إلى دعم أو تجاهل البشر .
تظهر الملاحظة أنه هناك تنافسا و مساعدة متبادلة داخل و بين الأنواع . المساعدة المتبادلة بالطبع هي أفضل طريقة للبقاء لتلك الأنواع التي يعتمد بقاؤها على المساعدة المتبادلة , كما هي المنافسة . لكن لفترة طويلة لا يعتمد البقاء في عالم الحيوان على ممارسة أيا من المساعدة المتبادلة أو المنافسة لكنه يتحدد بقرار البشر عن أية أنواع يجب أن تبقى و تزدهر و أيها يجب أن تباد . مهما عنى "القانون الطبيعي" بالنسبة للسلوك الحيواني , فقد طغت عليه "القوانين" التي وضعها الإنسان التي تشكل "الطبيعة" وفقا لحاجاته أو نزواته . "الطبيعة هي المادة الخام" , إذا جاز التعبير , حيث يمكن أن تحكم "القوانين الطبيعية" هي في حاجة للحفاظ عليها و حمايتها بالقانون الوطني و الدولي . حيثما يحكم الإنسان , تكف "القوانين الطبيعية" فيما يخص حياة الحيوان عن الوجود .
إذا كان هذا صحيحا للعالم الحيواني , فكم يجب أن يكون هذا أكثر صحة بالنسبة للإنسان نفسه . رغم أنه كان معجبا كبيرا بداروين , لفت ماركس الانتباه إلى حقيقة أن "الطبيعة" تتغير باستمرار من خلال فعاليات البشر , و (خاصة ضد المالتوسية ) أنه لا توجد أية "قوانين طبيعية" تحكم نمو عدد السكان . إن البنية الاجتماعية المتغيرة , و ليس "القانون الطبيعي" , هي التي تحدد فيما إذا سيوجد هناك "زيادة هائلة" في عدد السكان أو لا , و إذا كنتيجة لذلك , أو بشكل مستقل عنه , ستميز المساعدة المتبادلة أو المنافسة العلاقات الاجتماعية . إن "الزيادة الهائلة" في عدد السكان و ما يرافقها من جوع و بؤس , ليست نتاجا للطبيعة بل نتاجا للبشر , أو بالأحرى للعلاقات الاجتماعية التي تحول دون تنظيم اجتماعي للإنتاج و الحياة عموما بحيث يلغي مشكلة الجوع المرافقة "للزيادة الهائلة" في عدد السكان . "الزيادة الهائلة" في عدد السكان التي تحدث عنها هاكسلي لم تكن شيئا ذا علاقة بوسائل البقاء , بل ذا علاقة بحاجات تراكم رأس المال , لقد كانت نتاجا للنمط الرأسمالي للإنتاج و ليس "للقانون الطبيعي" .
لنكن واثقين , يبدو أن "الزيادة الهائلة" في عدد السكان توجد في أجزاء كبيرة من العالم حيث يكون الناس فيها عرضة للمجاعات , السيول , و الطرق المتأخرة في الإنتاج . بينما قد لا تكون هذه الظروف من صنع الإنسان , فإنها تستمر في كل الأحوال بفعل البشر , لحماية و ضمان المراكز المتميزة داخل العلاقات الاجتماعية القائمة , أو علاقات القوة الدولية , أو معا في نفس الوقت . "الزيادة الهائلة" في عدد السكان ليست سببا بل نتيجة لهذه المحاولات لإيقاف التطور الاجتماعي , كما تمكن رؤيته من واقع أنه حيثما يجري استئصال الجوع فإن عدد السكان يميل إلى الانخفاض . لكن حتى إذا لم يتم الأمر كذلك , ستوجد هناك و لفترات طويلة متسع من الفرص لزيادة الإنتاج قادرة على إطعام سكان العالم ذا عدد يبلغ أضعاف عدة عددهم الحالي .
ليست "الزيادة الهائلة" في عدد السكان هي ما يقلق الطبقات الحاكمة . بل العكس هو الصحيح , كما هو واضح من الجهود المحمومة لزيادة عدد السكان عند أول علامة على سقوطها , من حقيقة أن تحديد النسل يعتبر جريمة , و من واقع الحفاظ على الظروف التي شجعت على حدوث زيادة هائلة في أعداد الجماهير الفقيرة . إن ظروف البؤس بالنسبة للجماهير هي الشرط اللازم لثروة و الوضع الاجتماعي المتميز للطبقات الحاكمة .
رغم أنه من الجيد معرفة أن هناك مساعدة متبادلة , تعادل أو حتى أكثر من المنافسة في الطبيعة و المجتمع , لكن هذا لا يكفي ليجعل البشر يغيرون أساليبهم و يعدلوا من علاقاتهم الاجتماعية . بالنسبة لأولئك الذين يستفيدون من هذه الظروف لا يهمهم سواء كانت "طبيعية" أم"غير طبيعية" , "أفضل" أو "أسوأ" طريقة لبقاء الأنواع . فالبشرية ليست مركز اهتمامهم . أما بالنسبة لأولئك الذين يخلقون هذا الربح قد يكون من الجيد معرفة أن المساعدة المتبادلة التي يمارسونها في دوائرهم الخاصة تتوافق مع مبادئهم الأخلاقية و سلوكهم الطبيعي , لكنها لا تنهي استغلالهم . كل التناقض بين هاكسلي و كروبوتكين هي شيء ما بجانب هذه النقطة – إنها لا تلامس القضية وثيقة الصلة بالمجتمع , أي أن "المساعدة المتبادلة" في المجتمع الإنساني تفترض مقدما إلغاء العلاقات الطبقية .

ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن  www.marxists.org/archive/mattick-paul/index.htm 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...