المجاعة في القرن الأفريقي من صنع الطبيعة والإنسان

09-08-2011

المجاعة في القرن الأفريقي من صنع الطبيعة والإنسان

تقف أمام البئر، تمسك المضخة بيديها وتبدأ بالضغط عليها، وكأنها تتضرع لها لتمن عليها بالماء تارة، ثم كأنها تصلي لمن في الأعالي ليفجر لها الينابيع من أعماق الأرض. ثم تتكئ بجسدها الهزيل على المضخة لتستعيد أنفاسها، وطفلها مربوط على ظهرها، وتعيد الضخ بكل ما أوتيت من قوة.
في المنزل المصنوع من القصب والطين والروث أطفال عطشى بانتظار الماء. تضخ وتضخ من جديد حتى يخرج الماء ببطء، ومن ثم يتدفق بقوة أكبر في جرة من البلاستيك تحمل غبار يوم شاق في القرن الأفريقي.
والصوماليات اللواتي هربن من الجوع، وقطعن مسافات طويلة لعشرات الأيام، وصلن مرهقات وجائعات إلى المخيمات. بعضهن تعرض للتحرش الجنسي والاغتصاب أثناء الرحلة الطويلة، فكان في بعض المخيمات مثل مخيم دداب على سبيل المثال، من ينتظرهن ليؤمن لهن المساعدات النفسية فضلا عن الرعاية الجسدية.
وفي ظل كل هذا القهر، تطرح نظريات مختلفة حول أسباب المجاعة، وما إذا ما كانت مرتبطة بالتغير المناخي. وتقول إحداها إن ظروف الجفاف الذي تشهده هذه المنطقة اليوم تنتج عن انحسار الأمطار بشكل كبير. وفي العام الماضي تحديدا، شهد القرن الأفريقي موسمين متتاليين من الأمطار الضعيفة، واتضح أن هذا الانحسار سيستمر لفترات أطول، وفق الأبحاث التي أجرتها المنظمات المحلية. كما أعلنت منظمة «بورانا» في أثيوبيا أن الفترة الفاصلة بين موسمي جفاف في تقلص مستمر، فبعدما كانت تتراوح بين ست وثماني سنوات في بعض المناطق باتت سنة أو اثنتين.
لا تزال التوقعات المتعلقة بالأمطار غير واضحة، فبعضها يشير إلى أن الأمطار ستهطل بكثرة على منطقة شرق أفريقيا مع تزايد الكوارث الطبيعية، في حين تشير دراسات أخرى إلى أن الأمطار ستتقلص، وبشكل خاص في فترة الذروة. وارتفاع درجات الحرارة، فضلا عن الأمطار التي لا يمكن التنبؤ بها تضر بالمحاصيل. وقدرت دراسة حديثة أن معظم دول شرقي أفريقيا ستعاني من انحسار مدة جني المحاصيل الأساسية بنحو 20 في المئة في نهاية القرن، مع انخفاض إنتاجية بعض الحبوب إلى 50 في المئة.
ويربط البعض الجفاف الذي نشهده اليوم في القرن الأفريقي بالتغير المناخي بشكل مباشر، ويدحض البعض النظرية الأولى، ويربط الأمرين بشكل غير مباشر. في جميع الأحوال المستقبل من هذه الناحية سيكون أسود إذا لم تؤخذ التدابير اللازمة، فدرجات الحرارة ستستمر في الارتفاع، والأمطار لن تتوقف عن الانحسار في شرقي أفريقيا.
وإذا كان الجفاف ناتجاً عن انحسار الأمطار، فالمجاعة هي من صنع الإنسان، حيث قال خبير الاقتصاد أمارتيا سن، الحاصل على جائزة نوبل إن المجاعات لا تحصل في المناطق حيث تطبق الديموقراطية الفعلية. فإهمال الحكومات لشعبها يجعلها ضعيفة أمام أية مشكلة أو كارثة طبيعية.
وفضلا عن مساعدة دول القرن الأفريقي لتخطي الأزمة الراهنة، يجدر بالدول الصناعية تقليص حجم انبعاثات الغازات الدفيئة التي كان لها دور بارز في التسبب بتلك الأزمة بطريقة غير مباشرة.


(عن الـ«غارديان»، «ذي ستار»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...