إلهو ـ قراطية .. الربيع المضحك

24-10-2011

إلهو ـ قراطية .. الربيع المضحك

أيقظت الشّرارات المنبثقة من جسدٍ استنزفه الألم واستهلكه اليأس، أغصانا جفّفها البؤس وأضعفها النّسيان مشتّتةً في وسط أدغالٍ بشريّة مجمّدة في رؤية استسلامية للتّاريخ وفي الخضوع لإرادة الله وممثّليه وكلاب صيدهم..
هي شعلة ساحرة باندلاعها ومسار تجوّلها. شرارات لم تكن متوقعة. أشعلت بنارها الكرامة المستعادة. نشأت من حروق التعاسة الشاقة. حروق لا توصف، تلألأت لتشعّ على مخلوقاتٍ تتوق إلى التجسّد في الإنسان المتضامن والمتعدّد الوجوه وإلى استعادة ذلك الشّعور بالذّات، إلا أنّها تحوّلت تدريجيّاً إلى براكين مخرِّبة بفضل كيمياءٍ قديمةٍ غادرة عنوانها امتزاج رهانات السّلطة والمال.
هل يكفي تحريك رايات الثورة وتحدّي نظام سياسي قائم، دون ان نطوّق في الوقت نفسه آثار هذا النّظام العنيد الذي أُرْسِيَ، بشكل وثيق، بفضل اشتباكات خطواتنا المظلمة وتضعضعها؟
عجز معظم المثقفين الليبيين في هذا الفضاء العربي والذين تعرّضوا للنّفي في شتّى أنحاء العالم لمدة عقود، وغالبيّة متمرّدي الدّاخل في ليبيا، عن القيام بنقدٍ لبنيتهم الدّينيّة وخبرتهم الثّقافيّة، لأنّهم فشلوا في تصوّر كتاب القرآن الكريم كموضوع دراساتٍ علمانيّة معتبرين أنفسهم نتاج تعليمٍ مبنيّ على تناول النص القرآني كما هو، فكانوا حذرين من روح التّحليل والتّشكيك في كلّ ما يتعلّق بالتّراث العربي ويمسّ من قريبٍ أو بعيد بالإسلام الرّسمي السنّي المالكي.
يُضاف إلى ذلك في الوضع اللّيبي، إقصاء طبقةٍ كاملة من المثقّفين من النّسيج المجتمعيّ الليبيّ وإبادة كل نيّة للفكر الاستقلالي بواسطة قوّة مطلقة قابضة على الحقيقة الوحيدة (الكتاب الأخضر) التي فتحت بالتّالي المجال بدون تبصّر، أمام مسوّقي قراءةٍ أبويّة، عقائديّة، علنيّة وجماعيّة للكتاب الوحيد الموثوق به (القرآن) حيث بُنِيَ إيمانٌ مطمئنٌ قائم على الـ«نحن»، الموروث عن حقيقةٍ منزّهة يجب الحفاظ عليها، مقابل الـ«أنتم» الداعية إلى الانشقاق والتفسخ، والتي يجب التّنديد بها وتوقّيها ونبذها.
تخرج صيغة «الرّبيع العربي» من أساطير عالم غربي لا يصغي، ولا ينتظر سوى رؤية صورته في ضوء حاجته الماسّة للتّمركز في وسط العالم، متوسّعاً نحو «الجنوب» باقتراح ديموقراطيّةٍ أفرغتها الوقائع من مثاليّتها (كان يفترض أن تكون هذه الديموقراطية موضع تضمين للتميز والغيرية والتعدد، إلا انها لا تفرز في الواقع سوى سياسة الاستبعاد والإقصاء التي تدفع بخطاب الابادة الخاص بها نحو الأمام). أما النتيجة المباشرة فتكون: ليبراليّة متأزّمة تنتج عدم مساواة واستعباد عصريين، وحاجة ماسة للذّهب الأسود تقيّد كلّ التّسويات وتتحالف مع «الله - قراطيّة» المنتشرة والمتصاعدة، فتذكي بالتالي فصلاً جهنّمياً يحمل معه الطوفان الجديد.



كمال بن حمادة،كاتب ليبي باللّغة الفرنسيّة
ترجمة: دنيز يمين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...