«غرباء في الضوء» لكاترين باليه حياتنا تحت أشعة الشاشة الرقمية

06-06-2013

«غرباء في الضوء» لكاترين باليه حياتنا تحت أشعة الشاشة الرقمية

في إحدى ليالي صيف العام 2006، رأت المصوّرة الفرنسيّة كاترين باليه (1959) حبيبين يلتقطان صوراً لبعضهما البعض، بواسطة جهاز خلوي، على شاطئ ينيره ضوء القمر. فكّرت باليه بتلك اللحظة، حين تلتقي التكنولوجيا مع العواطف، والضوء الأزرق للعالم الرقمي مع الضوء الذهبي للرسومات الكلاسيكية. لاحظت باليه كيف أنّ الشاشات الحديثة من حواسيب وأجهزة رقمية ذكية، باتت تشكّل اليوم مصدراً للضوء، بعد النار والشموع والغاز والكهرباء...لوحة «المولود الجديد» للتشكيلي الفرنسي جورج دولاتور كما حوّرتها المصورة كاترين باليه
تخرّجت باليه من «مدرسة الفنون الجميلة» في باريس، وعرضت أعمالها بين العاصمة الفرنسيّة ولندن والولايات المتحدة الأميركية، وركّزت منذ العام 1998، على تصوير أعمال ذات مواضيع مرتبطة بموضوع الهويّة، وقضايا اجتماعيّة عديدة. وفي العام 2008، فازت بالمرتبة الثالثة في «جائزة تايلور ويسنغ» التي تنظمها «ناشونال بورتريت غاليري» في لندن، عن صورة بعنوان «إيناس متصلة بأمينة». وتلتقط الصورة صديقتين جالستين قرب بعضهما البعض، تحمل الأولى كومبيوتر، بينما تركّز الأخرى اهتمامها على هاتفها الخلوي. تضع الشابتان سماعات حول أذنيهما، وتسرح كلّ واحة منهما في عالمها، رغم أنّهما تجلسان متلاصقتين. بعد تلك الصورة، قرّرت باليه تطوير تجربتها، والتقاط صور تستمدّ ضوءها من الشاشات الرقميّة، على أن تستوحي الفكرة الرئيسية لكلّ صورة، من لوحة كلاسيكيّة شهيرة. أطلقت على مجموعتها تلك عنوان «غربــاء في الضوء» في إحالة إلى أغنية «غربــاء في الليل» لفرانك سينــاترا الشــهيرة.
راحــت المصــورة تعـــيد تشــكيل اللوحات القديمــة، مع تغيــير مصادر الضوء فيها. فعـــوضاً عن ضوء الشمعة في لوحـــة «المولود الجديد» للرســام الفرنــسي جورج دولاتور (1593 ــ 1652)، تصــوّر باليــه طفـــلاً محــاطاً بأضواء الهواتف والكامــيرات الرقمــيّة الــتي يستخــدمها الأهــــل والأقــارب لالتقــاط أولــى لحـــظات الوافد الجديد إلى العائلة.
عملت باليه أيضاً على لوحة «أوليمبيا» الشهيرة للرسام الفرنسي إدوار ماني (1832 ــ 1883). في اللوحة الأصلية، نرى خادمة سوداء البشرة، تجلس بجانب سرير تتمدد فوقه سيدة بيضاء عارية، تضع عقداً حول رقبتها، وبجانبها هرّ، فيما تحمل الخادمة لوحة لباقة أزهار. قلبت باليه عناصر الصورة بالكامل. استبدلت لوحة الأزهار بلابتوب تظهر خلفيّة شاشته أزهاراً، تحمله شابة بيضاء، كما استبدلت الهرّ بهرّ آلي، والعقد بسماعات، كما حرصت على أن تكون الشابة الممدة على السرير سوداء البشرة، تمسك جهاز آيبود بيدها.
تضمّ مجموعة باليه بورتريهات لأشخاص يلتقطون صوراً لأنفسهم بواسطة الأجهزة الرقمية. تظهر تلـــك البورتريهات رغبة في البحث عن هوية اجتماعية في عالم افتراضي.
في تشرين الثاني من العام 2012، أصدرت باليه كتاباً بعنوان «غرباء في الليل»، صدر عن منشورات steidl. يتناول الكتاب أثر هجمة الأجهزة الرقمية على جميع ميادين الحياة المعاصرة، وعلاقة الإنسان بالتكنولوجيا الحديثة وأدواتها التي تسمح له بالتواصل مع العالم الخارجي، لكنها تعزله في الوقت ذاته عن محيطه. تضعنا صور باليه أمام صورتنا في مواجهة الأجهزة الرقميّة، لتظهر دورها المتعاظم في حياتنا، وأثرها في تشكل علاقتنا مع الآخر. صحيفة «لو فيغارو» الفرنسيّة، وصفت المجموعة بـ«الشاعرية، والطريفة، تجعلنا نرى الأشياء والأدوات المحيطة بنا والتي سرّعت وتيرة حياتنا، بشكل مختلف».
صحيفة «ذا إندبندت» البريطانيّة كتبت أنّ أضواء الأجهزة الرقمية تشكّل كياروسكورو القرن الحادي والعشرين (كياروسكورو مصطلح فنّي بمعنى الجلاء والعتمة، يشير إلى التدرّج بين الضوء والظلام). وكتب موقع جمعيّة «البحث عن الصورة الفوتوغرافيّة» انّ مجموعة «غرباء في الضوء» تذكّرنا بأنّه يجب في بعض الأحيان إطفاء الشاشات وقطع الاتصال، للعودة ولو لبرهة، إلى حالة غرباء في الليل التي غناها فرانك سيناترا...

ملاك مكي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...