غول يترشح للرئاسة التركية
أقل من شهر يفصل الأتراك عن انتخابات 22 تموز، ومع ذلك فإن ما يتحكم في النقاشات والسجالات الدائرة ليس الانتخابات بحد ذاتها بل ما بعدها، وما ستكون عليه السيناريوهات.
كانت العادة أن الحزب الأول هو الذي يكلف بتشكيل الحكومة تبعا لموازين القوى، حيث تتداخل التحالفات يمينا أو يسارا. وغالبا ما كانت الأحزاب تدخل في ائتلافات خارج قناعاتها، فيتحالف في حكومة واحدة اليسار واليمين، أو الإسلاميون واليمينيون، أو القوميون المتشددون مع اليسار الليبرالي.
هذه المرة الوضع مختلف، فقد محيت جميع التمايزات، ودخل العسكر على خط الصراع السياسي، مستخدما كل أوراقه وأدواته من اجل هزم مشروع «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. وانضوى الجميع، باستثناء الفئات الكردية، تحت مظلة المؤسسة العسكرية، أملا في استعادة أدوار فقدوها في ظل السياسات الاجتماعية والاقتصادية الناجحة للحزب الحاكم.
يطلق كل طرف وعودا كثيرة. وأطرفها ما يغدقه «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، الذي اعتبرت صحيفة «راديكال»، المؤيدة له، إنه لا ينقص من وعود في البرنامج سوى الوعد بالجنّة.
ومع ذلك لم تستطع الحملات الانتخابية البقاء خارج تأثير «انقلاب» قرار المحكمة الدستورية، حول اشتراط الثلثين نصابا لجلسة انتخاب الرئيس.
البارز في حملة «حزب العدالة والتنمية»، بزعامة رجب طيب اردوغان الذي يجول البلاد برفقة وزير الخارجية عبد الله غول، تركيزه على مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية. الحملة للانتخابات النيابية لكن العين على رئاسة الجمهورية.
اردوغان واثق من انتصار حزبه بنسبة تقارب الخمسين في المئة. ومع ذلك يحذّر منذ الآن أن قرار المحكمة الدستورية سيكون سببا لدخول البلاد في مآزق لا تنتهي. وجعل اشتراط الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس يوجه تحذيرا واضحا: انتخابات 22 تموز قد لا تنتج حلا لأزمة رئاسة الجمهورية. أي إنه إذا لم ينل الحزب الحاكم أكثر من 367 مقعدا نيابيا فهذا يعني انه لا إمكانية لانتخاب رئيس جديد. لذا دعا رئيس الحكومة الناخبين إلى التصويت بكثافة لـ«العدالة والتنمية»، وعدم هدر أصواتهم على المرشحين المستقلين.
ويضع كلام اردوغان الحزب أمام ثلاثة خيارات:
ـ انتخاب من يريد للرئاسة إذا وفر نصاب الـ367 مقعدا بمفرده، أو بدعم من النواب المستقلين التابعين لـ«حزب المجتمع الديموقراطي الكردي»، المؤيد لـ«حزب العمال الكردستاني».
ـ إذا لم يستطع توفير النصاب المطلوب، الدعوة من جديد إلى انتخابات نيابية جديدة خلال شهر من ذلك التاريخ.
ـ التوافق على رئيس جديد مع بقية الأحزاب.
ويبدو، من خلال تصريحات اردوغان، أن الخيار الأخير مستبعد، فحديثه عن أزمة رئاسة بعد الانتخابات النيابية لا يشير إلى الرغبة في التوافق على رئيس جديد. وأضاف انه كما انتخب طورغوت اوزال وسليمان ديميريل وأحمد نجدت سيزر بأصوات أقل بكثير من الثلثين فلماذا لا يُسمح بأن يكون غول رئيسا، برغم نيله عدداً أكبر من الأصوات؟.
أكثر من ذلك، فقد اعلن غول، للمرة الأولى بعد انسحابه من الترشح للرئاسة، انه سيكون مرشحا للرئاسة سواء من الشعب أو البرلمان، وأن الجماهير التي تحتشد في الساحات في مهرجانات الحزب هي عبارة عن استفتاء وموافقة على أن يكون رئيسا للجمهورية.
أما اردوغان فقد ترك نافذة صغيرة من التساؤل، عندما قال إنه لن يترك رفيق دربه (غول) في منتصف الطريق، لكن ترشيح غول يعود الى تقدير وزير الخارجية نفسه.
هل من خيارات أخرى بعد 22 تموز؟. «نعم»، يقول حلمي ياووز، الكاتب المعروف، وهو السيناريو الأسوأ، أي عدم التمكن من انتخاب رئيس جمهورية جديد، ولا رئيس جديدا للبرلمان، وبقاء البلاد من دون حكومة، ومبادرة الجيش إلى انقلاب عسكري.
تدخل حسابات اردوغان دائرة الخطر في حال نجاح «حزب الحركة القومية» اليميني بتجاوز نسبة العشرة في المئة المطلوبة للدخول إلى البرلمان. عندها، ومع الدخول المتوقع لـ«حزب الشعب الجمهوري» بزعامة دينيز بايكال، وبعض النواب المستقلين من الأكراد وغيرهم يصبح من المؤكد أن حزب العدالة والتنمية سيفشل في تحصيل الـ367 نائبا.
من هنا دعوة العسكر الناس إلى إظهار «ردة فعلهم» ضد «الإرهاب»، بهدف خلق مناخ معاد للحزب الحاكم، وتسعير النزعة القومية لصالح «حزب الحركة القومية». لكن ما يثير سرور «حزب العدالة والتنمية» أن المهرجان الذي عقد في أنقرة، أمس الأول، «لعنا» للإرهاب لم يجمع أكثر من ألف شخص، كما أن مهرجان اسطنبول أمس استقطب بضعة آلاف فقط، خلافا لما كان متوقعا، في إشارة إلى أن الناس لم يستجيبوا لنداء الجيش، ولا يرون أن مكافحة الإرهاب يكون عبر لعنه في مهرجانات عامة.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد