مستقبل الشركات العربية الكبرى

04-12-2006

مستقبل الشركات العربية الكبرى

آن الأوان لكي نفكر في التكامل الاقتصادي العربي بطرق جديدة مبتكرة. إذ لا يعقل مثلاً أن نبقى متمسكين بالانفتاح التجاري، في الوقت الذي يؤدي فيه هذا الانفتاح الى زيادات محدودة في التجارة العربية البينية، وبنسب ومعدلات أدنى من زيادة تعامل الوطن العربي بنسب أعلى مع العالم. وكذلك ليس مفروضاً بنا أن نتشبث فقط بالمعايير التي يستخدمها البنك الدولي مثل حجم الاستثمارات الثابتة بين الأقطار العربية لنرى مدى التقدم في التكامل الاقتصادي العربي الكُلي.

ان مؤشري التجارة والاستثمار مهمان جداً، لكن التركيز عليهما سيعطي نتائج مخيبة للآمال، ليس لأن التكامل لا يتقدم، بل لأن هذين المؤشرين لا يقيسان حقيقة ما يجري على أرض الواقع.

فالتجارة العربية البينية ظلت لفترات طويلة في حدود 10 في المئة من مجموع التجارة العربية، وقد ترتفع النسبة قليلاً لو استثنينا منها الصادرات النفطية. لكن لنفترض الآن أن التجارة العربية فتحت على مصراعيها من دون قيود أو جمارك بين أقطار الوطن العربي. فما هي النسبة العليا التي يمكن أن تبلغها هذه التجارة؟

إن أفضل الدراسات تقدر ان حجم هذه التجارة ربما لن يزيد على 22 في المئة على رغم التحسن الكبير الذي طرأ على البنى الانتاجية العربية منذ الخمسينات من القرن الماضي وحتى الآن.

وفي ما يتعلق بالاستثمارات، فإنها شهدت توسعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة. لكن هذا التوسع لن يجلب معه تكــــنولوجيا ووسائل الإدارة الحديثة. وحتى معظم الاستثمارات العربية في مجالات المعلوماتية والاتصالات وغيرها جاءت برفقة الاستثمارات الأجنبية صاحبة التكنولوجيا، والتي من دونها لن يقبل الاستثمار العربي في الشكل الذي كان عليه.

لكن لا يجب أن نغفل أوجه التكامل في مجال تبادل الأيدي العاملة. صحيح أن هذا التبادل شهد بعض النكسات على المستوى الثنائي حين خضع استقدام العمال أو طردهم للمواقف السياسية، ولكن حجم اليد العاملة العربية وصل الى أكثر من 10 ملايين في الوطن العربي على أقل تقدير. وهي تنقل الى بلادها حوالى 20 بليوناً تجنيها من الوطن العربي، ويذهب قسم كبير من هذه الأموال على الاستثمار والإنفاق على الأسر. كما ان وجود العاملين في دول الخليج فتح باب الاستثمار لخدمة هؤلاء، خصوصاً في مجالات التعليم، والصحة، والضيافة.

ما العمل إذاً للوصول الى التكامل المنشود؟ والجواب يكمن في أمرين: الأول تسريع التعاون في مشـــاريع البنى التحتية، الوطنية والمشتركة. وقد اكتسب بعــــض الدول العربية ذات الفوائض المالية خبرة في إدارة الموانئ والمطارات، وفي الأساســـية كالطرق، والمباني المرتفعة، والجسور والأنفاق، والأنابيب. وهي مشاريع ضخمة يمكن العرب ان يتعاونوا فيما بينهم على دعمها وتطــــويرها. والمطلوب هو خلق آلية قادرة على ذلك عبر مؤسسة متخصــــصة من مؤسسات العمل العربي المشترك. ولا شك في أن ما قام به الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي عمل عظــــيم. لكن هنــــالك مزيداً من الجهد يمكن ان تبذله مؤسسات القطاع الخاص العربي. ولعـــل المطلوب هو إنشاء مصرف تنمية عربي قادر على تسليف القطاع الخاص أو ضمان قروضه للاستثمار في دول عربية. وهذه فكرة تستحق أن يعاد التفكير فيها.

من ناحية أخرى، لا بد من الآن فصاعداً أن نفعّل دور القطاع الخاص من طريق التشريعات والآليات المناسبة لكي نسهل عملية الاندماج أو الشراء بين الشركات العربية، بهدف خلق بعض الشركات الكبرى القوية. فلا يعقل مثلاً أن تبقى كل هذه الشركات في مجالات الإعلام، والبناء، والاستثمار العقاري، والنقل الجوي، وغيرها في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو الاندماج. ونحن في حاجة كذلك الى تشجيع تأسيس الشركات ذات الامتياز، القادرة على التفرع في كل أنحاء الوطن العربي مثل شركات الأطعمة، والفنادق، وغيرها.

وإذا استطعنا أن نوجد شركات عربية الأبعاد كبيرة الحجم، فإنها ستلجأ الى التوظيف العربي، والبحث عن مديرين عرب، والى الشراء من الوطن العربي، والى التفاعل مع مثيلاتها من الشركات الكبرى في العالم. وستؤدي الرغبة في جذب هذه الشركات الى تخفيف القيود عن حركة رأس المال والعمال والسلع. ولا ننسى أن تشجيع اندماج المصارف، وشركات التأمين، والشركات المالية والشركات الاستثمارية، والشركات الاستشارية، سيعود بفوائد مثيلة وأخرى مكملة.

أخيراً، فإن التركيز على التكامل الاقتصادي العربي من زاوية السوق أفضل من كل الجهود الحكومية العربية الراغبة في التكامل بقرارات فوقية سياسية.

جواد العناني

المصدر: الحياة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...