ما يحول دون قيام الدولة العراقية (1-2)

05-09-2006

ما يحول دون قيام الدولة العراقية (1-2)

عند تأليفها في أيار 2006، وضعت حكومة نوري المالكي نصب عينيها هدفاً رئيسياً، وهو حل الميليشيات الكثيرة التي تنشط بحرية في العراق اليوم. فالشخصية الحازمة التي يتمتع بها رئيس الحكومة الجديد نوري المالكي لاقت ترحيب واشنطن ولـــندن، اللتين كانتا تعتبران سلفه إبراهيم الجعفري رجلاً ضعيفاً ومتهاوناً مع أتباع الإمام الشاب مقـــــتدى الصدر الذي يـــــدين له الجعفري بتسميته رئيساً للوزراء. غير أن الأكيد أن شخصية رئيس الحكومة ومزاجه ليس لهما تأثير يذكر على ظاهرة الميليشيات في العراق التي يعكس تناميها إفلاس الدولة العراقية التي بذلت الـــــولايات المــــــتحدة وسعها كي تجعلها تقف على قدميها.
إن الميليشيات تنشط في بيئة حيث الدولة تفتقد لآلية توزيع عادل للثروة والفرص، الأمر الذي يوفر المناخ المناسب أمام ولادة ظاهرة «اقتصاد النهب» حيث يؤدي العنف دوراً حاسماً، من جهة، وتـــتقاعس عن القيام بواجباتها في حماية مـــــواطنيها، وهو ما يؤدي إلى خصخصة قطاعي الأمن والعدل، من جهة أخرى.
بالنسبة إلى ميليشيا بدر الشيعية فقد جرى التسامح معها منذ البداية ريثما تنتهي المرحلة «الانتقالية» وإلى حين تأهيل القوات السيادية للدولة، ولكن على نحو متسرع وغير مدروس تم دمج الميليشيا في الجهاز الأمني بذريعة سد النقـــــص الحاصل فــــــــي عديد القوات الأمنية.
أما جيش المهدي وهو الجناح العسكري لتيار مقتدى الصدر، فهو، بحسب ما جاء في دراسة أعدّتها «مجموعة الأزمات الدولية» بعد تحقيق لها حول الصدريين، تعبير عنيف عن حالة التهميش الاجتماعي والسياسي التي تعاني منها شريحة معينة من الشيعة.
إن اندلاع العنف المذهبي في العراق عام 2006، أدّى إلى تكاثر الميليشيات وتعزيز أوضاعها، وهي التي تبرر وجودها بالحاجة إلى «حماية المواطنين» من الاعتداءات الخارجية. لكن ذلك يتم في الواقع عبر استخدام السلاح لأهداف أقل قيمة بكثير عما هو معلن: نهب الثروات، نزاعات بين الميلــــيشيات المتنافسة، عمليات اغتيال لخصوم سياسيين وحتى لصحافيين معارضين، إلخ. لذلك فإن هدف «حماية المواطنين» يلقى ترجمته في الواقع من خلال عدالة الإلغاء والعـــــمليات الانتقامية التي تعطي دفعاً للحرب الأهليــــة وتــــشكل محـــــركاً للمـــــيليشيات ومبرّراً لاستمرارها.
ومنذ مطلع هذا العام، برز نوع من الفرز الطائفي في العراق نتيجة عمليات الإعدام المتتالية بحق العرب السنّة التي تنفذها «فرق الموت»، والتي تأتي في إطار الرد على عدد من الهجمات التي نفذتها مجموعات مسلحة معارضة بدءاً من العام 2004، مستهدفة المدنيين الشيعة.
وقد أدّت هذه العمليات أيضاً إلى إضفاء صبغة أصولية معادية للشيعة على مجمل المعارضة المسلحة في العراق.
والدليل على ذلك الجهود التي بذلتها هذه المعارضة من أجل توثيق الجرائم المرتكبة ضد العرب السنّة. فظهور ما يسمى بـ«لواء عمر» لحماية السنّة في مواجهة «ميليشيا بدر» و«جيش المهدي»، يعكس ميلاً إلى إعادة توجيه المعارضة المسلحة من مقاومة المحتل إلى مواجهة مسلحة على النسق الذي تشهده الحروب الأهلية.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في جنوب العراق أن ظاهرة الميليشيات بعيدة كل البعد من أن تبقى حصراً ضمن نزاع يدفع فيه المدنيون وحدهم الثمن، إذ إن تنامي هذه الظاهرة يهدّد الدولة العراقية على نحو مباشر. ففي كربلاء، تبيّن أن ميليشيا محمود الحسّاني الذي يقود حركة «ألفية» صغيرة تنهل من الينابيع ذاتها لتيار مقتدى الصدر، هي الآن تمثل مشكلة كبرى لقوات النظام.

بيتر هارلينغ:مدير مكتب «مجموعة الأزمات الدولية» - بيروت

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...