عن الحصار على غزة....

25-11-2008

عن الحصار على غزة....

إن الوضع في غزة هو إلى حد كبير تعبير عن الحالة العامة في مجتمعاتنا سواء في مستوى الانقسام في الطبقة السياسية أو في شكل العلاقة بين السلطة و النخبة و المجتمع , و خاصة فيما يتعلق بهشاشة الوضع السياسي للسلطة في مواجهة إملاءات الخارج..بشكل خاص يمثل جوع الفلسطينيين في غزة بأمر إسرائيلي و توجيه أمريكي و تواطؤ عربي رسمي و الظلام الذي يلف ليل غزة و المخاطر الجديدة غير العادية التي يواجهها المرضى هناك بسبب توقف الإمدادات بالكهرباء و الدواء ذروة الأزمة و المأساة الراهنة سواء في بنية النظام العربي الرسمي أو الطبقة السياسية و النخب المسيطرة و المتنافسة في مجتمعاتنا أو في علاقتها بالخارج , و في أداء هذا الخارج لا سيما القوى السائدة في العالم و في منطقتنا تجاه البشر فيها..أولا مثلت سياسة السلطة الوطنية الفلسطينية و مقاربتها لصعود حماس الذي شكل تهديدا جديا لسيطرتها حالة تقليدية عن السياسات الإقصائية التي تحاول بواسطتها أية سلطة عزل و تحجيم منافسيها , و شكل العجز التالي عن إدارة سلطة برأسين بعد الانتخابات التشريعية دليلا على فشل الطبقة السياسية المتمثلة في بيروقراطية السلطة و النخب السياسية و الاجتماعية المتمثلة أساسا في قيادات التنظيمات و الاتحادات و الجمعيات التابعة لها في خلق حتى حالة هدنة بين المتنافسين , انتقل الطرفان بسرعة من القبول باحتمالات التنافس السياسي و ما يعنيه ذلك من احتمالات صعود الخصم إلى التمترس في الجانب الخاص بهما من السلطة و رفض التنازل عنه , هذا وسط تفضيل عربي واضح لسلطة رام الله و دعم أمريكي و إسرائيلي لها , الأمر الذي كانت نتيجته المنطقية حصار غزة الخاضعة لحماس من جميع الأطراف , هذا الحصار الذي يراهن ضمن رهانات أخرى على دق إسفين بين حماس الحاكمة هناك و بين الشارع الغزاوي مما قد يساهم في القضاء على سلطتها هناك أو قد يخلق مزاجا شعبيا يقبل أي عمل في هذا الاتجاه لا بد أن يكون بمساعدة و تواطؤ إسرائيليين إن لم يكن أساسا بواسطتها..تعود نقطة الانطلاق في هذه الأزمة إلى تراجع الشكل الفردي لقيادة منظمة التحرير و بعدها السلطة الوطنية المرتبط أساسا بشخصية ياسر عرفات , الذي سمح باستمرار قيادة بيروقراطية المنظمة لمؤسسات المنظمة و من ثم السلطة دون أن يخلق هذا , رغم الخلافات الكبيرة مع بقية فصائل المنظمة و من ثم مع حماس و الجهاد اللتان بقيتا خارج المنظمة , توترا حقيقيا بين واقع سيطرة بيروقراطية المنظمة و بين خصومها الذين خضعوا في نهاية المطاف لتلك السيطرة , لكن كان لهذا ثمن باهظ أحيانا كان عرفات و معظم بيروقراطية المنظمة مستعدين لدفعه عندئذ , مثلا الدفاع عن الجبهتين الشعبية و الديمقراطية في فترة الوجود في الأردن حتى لو لم يتفقوا معها و مثل رفض عرفات القبول بمقترحات كلينتون – باراك في واي ريفر الذي انتهى بحصاره ثم اغتياله..كانت الانتخابات التشريعية التي شاركت فيها حماس هو الشكل الذي فرضته ضرورة إعادة إنتاج سلطة بيروقراطية المنظمة – السلطة دون ياسر عرفات , كانت المفاجأة في أن الجماهير لأسباب تتعلق بنشاط حماس الفاعل من جهة و رفضها السلبي لممارسات تلك البيروقراطية من اليوم التي دخلت فيه الضفة و غزة قد اختارت حماس , طبعا لم يكن هناك أي خط ثالث عمليا رغم محاولات الشعبية تحديدا و قوى أخرى أضعف و أصغر التمايز عن نهج أوسلو و نمط حماس في المقاومة في نفس الوقت , المأزق اليوم أن غزة تدفع ثمنا باهظا سواء لاشتراطات تل أبيب و واشنطن وسط رضوخ أوروبي و تواطؤ عربي رسمي صريح و بسبب مأزق بيروقراطية السلطة في إعادة إنتاج سلطتها ما بعد عرفات و مأزق النخب و قيادات التنظيمات الفلسطينية في إعادة إنتاج واقع تعايشها مع تلك السلطة أو حتى مجرد التواضع في تعاملها مع مجتمعها و مع الجماهير , و أولا قبل أي شيء آخر مأزق الجماهير و عجزها عن فرض بديلها أو حتى عن فرض مخرج ما لهذا الواقع البائس , الجماهير التي غيبت سواء في مرحلة قيادة عرفات و أكثر اليوم تحت وطأة الحصارات المشتركة بين غزة و الضفة و وطأة تصاعد القمع و تراجع هامش الحريات المتاح في الضفة و غزة على حد سواء و التي جعلت الشكل الميليشيوي للتنظيمات الفلسطينية أكثر هيمنة و قدرة على فرض نفسه أكثر من ذي قبل باستخدام أذرعته الاقتصادية لتفتيت الجماهير و تحويلها إلى تابع لمن يستطيع أن يدفع لها كي تستمر في الحياة فيما تزداد تبعية قياداتها لمصادر التمويل الخارجي بالتالي..الخيارات القادمة هي باختصار إما استمرار كارثي للانقسام الراهن أو بناء سلطة ذات صفات أكثر ديكتاتورية تعوض عن انهيار نموذج قيادة عرفات للمنظمة و السلطة لتعزز سلطة بيروقراطية السلطة و ذلك برعاية عربية رسمية و إسرائيلية و أمريكية , و ربما مشاركة مباشرة أو غير مباشرة , أو اكتشاف أو خلق مخرج يعيد حالة من الهدنة النسبية بين بيروقراطية المنظمة و خصمها الحماسي إما بواسطة مناورات فوقية نخبوية ضمن الطبقة السياسية بمساعدة عربية رسمية , مصرية خاصة , على التوازي مع تغير محتمل في الإستراتيجية الأمريكية إقليميا و ربما حتى في مقاربة حكام تل أبيب القادمين , أو بواسطة ضغط شعبي فعال مؤثر يستعيد دورا متزايدا للشارع في تقرير مصيره بغض النظر عن ثقل التواجد الميليشيوي للفصائل في الشارع , إن تغييرا كهذا سيكون له تبعات أبعد , ليس فقط على شكل السلطة القادم , بل في حريتها بالتصرف في تفاصيل القضية الفلسطينية , و ربما حتى في تفكيك الوجود الميليشيوي الاجتماعي للتنظيمات في مقابل صعود مؤسسات جماهيرية ديمقراطية تتعامل مباشرة مع الشأن الاجتماعي و الهم اليومي للجماهير....

مازن كم الماز


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...