صاحب أعرق بسطة كتب تغلب على النكسة وحيرته البلدية

31-08-2006

صاحب أعرق بسطة كتب تغلب على النكسة وحيرته البلدية

 الجمل - حلب ـ باسل ديوب: أربعون سنة والحاج مروان كعكة أبو عمر يعرض كتبه المستعملة على أحواض الزرع ،مقابل ساحة سعد الله الجابري ، كتب دينية ، علمية، أدبية، سياسية ، دواوين شعر ، مجلات قديمة، مقررات جامعية منها ما خرج من الخدمة ومنها ما زال يتعكز عليه أساتذة جامعيون بحاجة لعمرة شاملة  في منازلهم  هم والكتب التي يدرسونها ، من عبرات المنفلوطي إلى أجنحة جبران خليل جبران المتكسرة  إلى أشعار نزار قباني  وتفاسير القرآن ورياض الصالحين والمادية التاريخية وروايات محفوظ والسباعي وعبد القدوس . 
مئات آلاف القراء الطلاب والمثقفين ووقفوا طويلاً واستعرضوا كتب أبي عمر ومنهم معظم مثقفي المدينة ومن مر بها، لكن هؤلاء تحولوا كلهم إلى مثقفين في كتاب مئة أوائل من حلب  لعامر رشيد مبيض .
يسارع أبو عمر لفتح الكتاب على الصفحة 2789 التي ورد فيها أنه جزء من تاريخ حلب
حيث تظهر  البسطة  ويظهر أن المؤرخ يؤرخ لنفسه قبل تأريخه لحلب : (  مؤلف الكتاب  "يمين الصورة العلوية " أمام رصيف المعرفة في ساحة سعد الله الجابري لصاحبها الشيخ مروان كعكة وأولاده "
  مئات آلاف المثقفين منذ العام 1967 اشتروا أو باعوا أو تصفحوا  كتباً ومجلات وما زال رصيف المعرفة وقد أهدوا مؤلف الكتاب مجموعة قيمة من أمهات المصادر العربية والكتب النادرة. )
إلا أن الحاج مروان ينفي أن  أهداها للمذكور بل باعها بسعرها مع المراعاة ، في بداية العام 1967  بدأ الحاج مروان عمله هذا وبعد فترة  اندلعت حرب حزيران التي انتظر فيها النصر المؤزر لكن بعد اتضاح صورة الهزيمة المنكرة عاد أبو عمر إلى الساحة لصف كتبه حزيناً منكسراً .
 "كانت المرة الأولى التي انقطعت فيها عن الساحة ولم أنقطع بعدها طيلة 37 سنة حتى في الأحداث التي شهدتها المدينة لكن في 5 / 7 /  2004 حضرت شرطة البلدية وبعثروا الكتب وهددوا بمصادرتها قبل أن يتلاسنوا مع أولادي الأربعة فانقطعنا أكثر من أربعة أشهر وأنا مسؤول عن عائلة كبيرة مؤلفة من  14 شخص من أين أطعمهم من دون عمل،  فنحن لنا في هذا المكان 40 سنة كيف يفعلون هذا ؟ "
ويروي أبو عمر رحلة معاناته مع الروتين والبيروقراطية  ويخرج من حقيبته أوراق "العرضحالات " التي قدمها للمعنيين ، فقد انتظر إجتماعات لجنة الشوؤن الثقافية والاجتماعية في مجلس  المحافظة لتقترح المهندسة هدى شيط إقامة أكشاك لبيع وتوزيع الكتب في الساحات العامة بإشراف مديريتي الإعلام و الثقافة ، ثم أدلى السيد مدير الثقافة بدلوه فجاء في كتابه للجنة " لا نرى مانعاً من العرض والبيع شريطة أن يكون العرض للكتب من خلال ستا ند مثلث متحرك غير ثابت ويمكن طيه ووضعه في المكان المقترح "
ويظهر حس الأرشفة المكتبية في خطابه وكأن البائع لا يدركها بفطرته العملية  " و أن تكون طريقة العرض ضمن توحيد جنس كل كتاب بمجموعة على حده " حدا وردت هكذا " تيسيرا على القارىء "
خطاب الرجاء والتوسل الذي قدمه أبو عمر بمقابل خطاب المسوؤل يعكس حقيقة الواقع
فالسيد معن الشبلي رئيس مجلس المدينة وجه كتابه للسيد المحافظ مذكراً إياه بإرشاداته
"تقدم المدعو _ وليس السيد أو المواطن- مروان كعكة بـ .......
وحيث جاء في إرشاداتكم إن منحه الترخيص دعماً للثقافة الشعبية وان مديرية الثقافة موافقة على ذلك لذا نحيل الأمر إليكم لما ترونه مناسباً.. "
وافق السيد المحافظ
و حولت الأوراق إلى العقيد يحيى الحاج احمد رئيس قسم شرطة مجلس المدينة
الذي كتب واضعاً شروطه الخاصة على كتاب المحافظ !!
 " ونحن بدورنا نؤيد ما جاء بمضمون كتاب السيد محافظ حلب شريطة أن يكون القائمين على العمل من ذوي الأخلاق الحسنة والسيرة الحميدة نظراً لحساسية الموقع الذي ستعرض به هذه الكتب وان لا تحتوي المعروضات الكتب اللاأخلاقية والمجلات الخلاعية والحفاظ على النظافة وعدم رمي القمامة لإظهار المدينة بشكلها الحضاري والجمالي الأنيق تحت طائلة سحب الموافقة في حالة ارتكاب أية مخالفة شائنة "
ثم تحولت الكتب إلى دائرة الأملاك لبيان الرأي في مقترح شرطة مجلس المدينة .
وبعد أكثر من 4 أشهر عادت أقدم بسطة كتب في حلب والمنطقة إلى مكانها،خمسة من أولاد الحاج أبو عمر يساعدونه في العمل فالبسطة كبيرة وممتدة وتحتاج لمراقبة ومتابعة  ومناوب طيلة النهار  وحتى الليل ، وهم عمر وأنس ومحمد وصهيب ومكين حتى آذار 2003، فقد قرر مكين المشبع بروح الجهاد الذهاب إلى العراق ،  وهو الآن نزيل سجن أبو غريب ، غياب الابن ترك غصة في قلب أمه وأبيه، رسائل متقطعة تردهم منه عبر الصليب الأحمر يوصيهم فيها بالصبر والدعاء للمجاهدين الذين تنتظرهم بشائر النصر.
وأبو عمر لا يدفع رشوة لعناصر البلدية فهم " يفرقونه " بريحة طيبة دوماً إلا في ذلك العام
 " عصلجوا " معه   لكنه انتصر عليهم  في النهاية وحصل على ترخيص  تثير اشتراطاته استغراب الحاج " كيف سنبيع  مجلات خلا عية ؟؟ وما هذا الستاند ؟ وهل هم في مديرية الثقافة يعرضون الكتب  بالستاند ثلاثي  ومتحرك ؟؟ أنا أعرف أنه في باريس توضع الكتب على الرصيف يبحث الرجل عن كلمة معبرة فأسعفه بكلمة "  طقس " التي لا يراها معبرة فيقول
" الكتب المستعملة تباع على الرصيف هيك حلاوتها “
 في إحدى الأيام جاءه  زائر فرنسي يدرس الموسيقا العربية وطلب منه كتب عن " المرشحات " الأندلسية كلما تذكر هذه القصة يضحك من كل قلبه، لكن في ضحكته تلك الغصة العميقة بسبب غياب مكين في سجن أبو غريب سيء الصيت.
 ينشغل عمر بتقييم كتب جاء بها مثقف منتوف لبيعها  ، فيما يبحث أنس عن كتاب طلبته فتاة ، البسطة ليست للبيع فقط وإنما للقراءة أيضاً وأبو عمر متسامح مع كثيرين يقفون لساعات  يقلبون  صفحات الكتاب باستعجال حتى الانتهاء من قراءته ، وكثيراً ما يتدخل ويطلب منهم الذهاب والعودة لاحقاً  لإكمال الكتاب فالشمس حادة .   

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...