تعاون على سرقة جمعية تعاونية والجائزة بالملايين

18-06-2006

تعاون على سرقة جمعية تعاونية والجائزة بالملايين

بين أيدينا قصة قصيرة عن الفساد لكنها ذات مدلول طويل عن مدى جدية الحكومة في مكافحته.. ولنتابع.. ‏

‏ آمنة غنوم عاملة دائمة لدى الجمعية التعاونية الاستهلاكية للعاملين في التربية في محافظة ريف دمشق وعضو اللجنة النقابية للجمعيات في دمشق وريفها تقول: ‏

تقدمت بشكوى الى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش حول السرقات التي قام بها رئيس مجلس الإدارة محي الدين ميرة وبعد إجراءات التحقيق التي قامت بها الهيئة أصدرت قرارها ذا الرقم 8/411/19/ع.م.ت تاريخ 6/2/2006 وبناء عليه أصدر السيد وزير الاقتصاد والتجارة القرار رقم /80/ تاريخ 29/3/2006 والذي نص على حلّ مجلس الإدارة وتشكيل مجلس جديد.. إلا أن المجلس لم يلتزم بقرار الوزارة لغاية الانتقام مني لأنني قررت محاربة الفساد في الجمعية فقام المجلس «المنحل» بإصدار القرار 84/ص/2006 تاريخ 29/4/2006 والذي يقضي بنقلي الى النبك والالتحاق بعملي الجديد (علماً أن هذا القرار غير قانوني وقد صدر بعد قرار الوزارة رقم /810/) ولم أقم بتبلغه ورغم أنني تقدّمت بتقرير طبي حسب الأصول ومصدق من اللجنة الطبية، وبناء على إحالتي الى لجنة فحص الموظفين بموجب الكتاب الصادر عن مجلس الإدارة رقم 95/ص/2006 تاريخ 18/5/2006. ‏

وتطلب السيدة غنوم إلغاء قرار النقل غير القانوني وإلغاء قرار التسريح من العمل وإعطاءها الراتب لأنها قد داومت في المستودع حتى تاريخه، وتشير الى أن مجلس إدارة الجمعية قد جمع مليوناً ومئتي ألف ليرة سورية من التجار تنفيذاً للقانون /60/ لعام 2004 تحت بند ضريبة شراء عن عام 2005 والمجلس لم يسددها الى وزارة المالية في حين معظم جمعيات القطر قد سددتها.. لافتة الى أن مجلس الإدارة يدعو الى انتخابات لمجلس جديد في حين أن قرار التفتيش يحرمه من ترشيح نفسه. كل ذلك يتم بسبب تواطؤ دائرة التعاون في مديرية التجارة الداخلية بريف دمشق مع المجلس لناحية السكوت ووضع قرار الوزارة في درجها.. ‏


وبالعودة الى تقرير الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش المذكور أعلاه نجد أنه ذكر: ثبوت قيام السيد محي الدين ميرة وبصورة إفرادية ودون علم مجلس إدارة الجمعية بالاتفاق مع المتعهد السيد محمد خير شودب لبناء مصلحة زراعة الكسوة مقابل عمولة بنسبة 5% من قيمة العقد حيث تقدّم السيد ميرة بعرض مالي مذيّل بتوقيعه الى مديرية الزراعة للدخول بالمناقصة المعلن عنها. ‏

كما تبين قيام السيد ميرة بتفويض المتعهد شودب للتعاقد باسم الجمعية والتوقيع عن مجلس الإدارة لمشروع بناء المصلحة مع تصوينة حيث تم إبرام العقد رقم /10/ لعام2003 بين الجمعية التعاونية ممثلة بالسيد شودب وبين مديرية الزراعة بقيمة إجمالية قدرها 3975075 ليرة سورية.. ونجم عن ذلك وجود سوء تنفيذ في أعمال البناء تم تقديره بـ43790 ليرة سورية وغرامات تأخير مدة 136يوماً بمبلغ 500756 ليرة ورسم طابع بمبلغ 49609 ليرات وتأمينات نهائية قدرها 397508 ليرات، إضافة الى عدم قيام ممثل الجمعية السيد شودب بتقديم براءة ذمة من المالية الى مديرية الزراعة حتى تاريخ انتهاء التحقيقات محل البحث. ‏

ويشير التقرير الى عدم ثبوت الدليل على قيام السيد شودب بدفع مبلغ مئة ألف ليرة سورية للسيد ميرة، غير أن تصرفات الأخير وخروجه على أهداف الجمعية والتسهيلات التي قدّمها للسيد شودب ترجح وجود تعامل مادي بين المذكورين، وانتهى التقرير حول هذه النقطة الى مطالبة السيدين ميرة وشودب بالمبالغ الناجمة عن تنفيذ العقد رقم /10/ لعام 2003 المذكور سابقاً. ‏

وبيّن التقرير ثبوت قيام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بشراء مواد كهربائية بقيمة345150 ليرة استدراج عروض اسعار، حيث برّر رئيس دائرة الاستثمار في الوزارة السيد خالد جاموس أن الشراء يستند الى دفتر شمولية السعر وانه تم من جهة عامة هي الجمعية التعاونية.. لكن الجمعية لم تشتر تلك المواد فعلياً بل تقدّم التاجر منير سرور بهذه المواد باسم الجمعية مقابل عمولة للجمعية بنسبة 4% أي ان الجمعية لعبت دور الوسيط بين التاجر والجهات العامة ومكنت التاجر من التهرب من الضرائب والرسوم والتأمينات. ‏

كما ثبت قيام الجمعية بدفع 112612 ليرة للتاجر سرور زيادة عن مستحقاته.. ورأى التقرير مطالبة التاجر بذلك المبلغ والعودة على السيد ميرة في حال عدم التحصيل باعتباره هو من وجّه بصرف هذا المبلغ. ‏

وانتهى التقرير التفتيشي بعدة مقترحات أهمها: ‏

ـ حلّ مجلس الإدارة لدى الجمعية التعاونية الاستهلاكية للعاملين في التربية بريف دمشق ودعوة الجمعية العمومية لانتخاب مجلس إدارة جديد وحرمان السيد ميرة الترشيح لعضوية مجلس إدارة الجمعية لدورة كاملة للأسباب الواردة في التقرير. ‏

ـ إعفاء السيد درويش الصالح من مهامه كمدير للجمعية. ‏

ـ مطالبة كل من السائق سعيد سيف والسيد ميرة والسيد الصلح بقيمة 302 اسطوانة غاز فارغة بالتكافل والتضامن فيما بينهم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحصيل.. ‏

ـ مطالبة المورد سرور بمبلغ 112612 ليرة مع فوائدها القانونية حتى تاريخ السداد. ‏

‏ 

وبناء على ذلك أصدر السيد وزير الاقتصاد القرار /810/ تاريخ 29/3/2006 نص على حلّ مجلس إدارة الجمعية وتشكيل مجلس إدارة مؤقت لغاية 31/12/2006. ‏

لكن هذا القرار بقي حبراً على ورق بسبب سلوكه طريق الروتين والبيروقراطية والتواطؤ.. ‏

ففي الوقت الذي تم فيه إبلاغ السيد ميرة بمضمون القرار الوزاري عبر الهاتف خلال ساعة من توقيعه وربما حصل على نسخه منه في اليوم نفسه.. ‏

بقي هذا القرار يجاهد عبر الطريق الرسمي للتبليغ فتم حبسه في درج الوزارة حتى تاريخ 5/4/2006 وارداً الى مديرية التجارة الداخلية في ريف دمشق تحت رقم 6382 إلا أنه لدى العودة الى سجلات الديوان لم نجد أي أثر أن القرار صدر من المديرية الى الجمعية، لكن السيد عمران سلاخو مدير دائرة التعاون في المديرية أكّد أنه بعثه الى الجمعية بتاريخ 12/4/2006.. أي بعد نصف شهر استطاع القرار قطع مسافة عدة كيلومترات بين مقر وزارة التموين سابقاً في ابن النفيس ودوما وهو ما يستغرق أقل من نصف ساعة بالسيارة للوصول إليه.. وطبعاً السيد ميرة استغل هذا الوقت /15/يوماً بشكل جيد من خلال اللجوء الى القضاء لوقف تنفيذ قرارالسيد الوزير وفعلاً صدر القرار القضائي أساس 2467 تاريخ 10/5/2006 بوقف التنفيذ لمدة شهر ونصف.. كل ذلك وإشارات الاستفهام حول مدى جدية ممثل الوزارة في الدفاع عن القرار/810/..؟ وعدم لجوء الوزارة الى الاستئناف مع أن القرار قابل للاستئناف..؟!! ‏

ولتكتمل فصول المسرحية تقوم مديرية التجارة بالرد على كتاب الوزارة بعد شهر من وروده إليها، حيث تقول بالكتاب رقم 4269 تاريخ 4/5/2006: قامت دائرة التعاون باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل عملية الاستلام والتسليم والاتصال مع رئيس مجلس الإدارة الحالي السيد محي الدين ميرة ورئيس المجلس المؤقت السيد محمود الشيخ بكري لتحديد موعد للاستلام والتسليم إلا أن السيد ميرة يماطل في تحديد موعد ويتهرب من التسليم.. ‏

ورغم أن 4/5 هو يوم «خميس» فقد وصل كتاب المديرية الى الوزارة صباح يوم الاحد 7/5/2006 التي ردّت عليه بالكتاب 7712 تاريخ 9/5/2006 الذي يتضمن: نرغب إليكم ومجلس الإدارة المؤقت اتخاذ الإجراءات اللازمة لعملية الاستلام والتسليم وبشكل أصولي من مجلس الإدارة السابق وفقاً لأحكام المادة /56/ من القانون 317 لعام 1956 وتعديلاته وبما ينسجم مع القوانين النافذة أصولاً وإعلامنا. ‏

وكأن الوزارة تعلم أن مجلس إدارة الجمعية ينعقد داخلها، وإلا كيف أصدر القرار /84/ص/2006 تاريخ 29/4/2006 بالجلسة رقم /7/ والذي يقضي بنقل مساعدة أمين المستودع العام آمنة غنوم الى معاونة أمين قسم النبك (أي من دوما الى النبك).. وهذا القرار غير قانوني لجهتين: ‏

الأولى: ان مجلس الإدارة منحل ولايحق له اتخاذ أي قرار خاص بالجمعية. ‏

وثانياً: انه يخالف المادة /12/ من قانون التعاون الاستهلاكي والتي تنصّ: يجوز نقل العامل من عمله الى عمل آخر لايختلف عنه اختلافاً جوهرياً وفق ما تقضيه مصلحة الجمعية «كائن في المنطقة التي يعمل فيها ذاتها».. ‏

مدير التجارة الداخلية في ريف دمشق السيد شفيق العزب اعتبر أن موضوع الجمعيات التعاونية لايخصه ولادخل له فيه، بل هو مجرد واسطة «خير» في تسيير أمور المراسلات بين الجمعيات ومديرية التعاون في الوزارة.. ‏

أما السيد عمران سلاخو مدير دائرة التعاون في المديرية فقد بدا وكأنه آخر من يعلم، مشيراً الى أن الموضوع برمته عند السيد بسام شاكر مدير الرقابة الداخلية في المديرية ولدى مراجعة مدير الرقابة أفادنا بمعلومات سطحية عن إدارة الجمعية هي عبارة عن عرض تاريخي دون الخوض بإعطاء أية معلومة تفصيلية مكتفياً بالقول: وردت الى المديرية معلومات عن تجاوزات ومخالفات منسوبة لرئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية في عام 2002. ‏

وبعد أن باشرنا التحقيق أخذ أعضاء مجلس الإدارة وبعض العاملين في الجمعية تبادل الاتهامات وتقديم معلومات عن التجاوزات، ويشير السيد شاكر الى أنه تم التحقيق في ثلاثة موضوعات حول مخالفات تمت في الجمعية اثنتان منها اتخذت بها مقترحات وتم تنفيذها ما عدا الموضوع الأخير. ‏

وفي الوقت الذي تملّصت به مديرية تجارة الريف من المسؤولية فإن السيد موسى السعدي مدير التعاون في وزارة الاقتصاد حملها مسؤولية تبليغ القرار الوزاري الى الجمعية وتنفيذه، لافتاً الى أن موضوع التأخير في التبليغ يخص مديرية التجارة. ‏

وقال: نحن عندما استلمنا كتاب مديرية التجارة بخصوص مماطلة مجلس الإدارة وجهنا الكتاب 7712 تاريخ 9/5/2006 على الفور لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة وفق المادة /56/ من قانون التعاون، وأظنّ أن القانون واضح للجميع وهو فوق الجميع.. ‏

وأضاف: ليست لنا مصلحة مع أي مجلس إدارة يأتي، بل لنا مصلحة بأن يأتي مجلس إدارة ينفذ القرارات والأنظمة والقوانين وأن يكون نشيطاً. ‏

وبخصوص الحكم القضائي وعدم استئناف الوزارة قال السيد السعدي: إن الأحكام القضائية واجبة التنفيذ.. وعلى إدارة قضايا الدولة الاستئناف وليس نحن.. ‏

وحول قرارات (النقل والإحالة الى التسريح) التي اتخذها مجلس الإدارة المنحل قال مدير التعاون: أنا لست مع هذه القرارات ولم يصلني أي قرار بهذا الخصوص، وعندما نستلمه سوف ندرسه ونرى مدى مطابقته للقانون والنظام الداخلي للجمعية، وبناء عليه نتخذ الإجراءات المناسبة. ‏

وأوضح: أما العاملة آمنة غنوم فبالنسبة لي ليس عليها أي شيء.. ‏

ولدى سؤاله عن إمكانية تنفيذ مقترحات القرار التفتيشي الأخير لناحية استعادة الأموال العامة المسروقة من الجمعية والدولة أكّد أن الوزارة سوف تخاطب مجلس الإدارة الجديد لمتابعة تنفيذ كافة المقترحات وعلى مسؤوليته ويجب إشعار الوزارة بالتنفيذ لكافة المقترحات ومجلس الإدارة ملزم قانونياً بمتابعة التنفيذ وإذا لم ينفذ فمن صلاحياتنا اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه ومن ضمنها حلّ المجلس. ‏

وطالب بتفعيل الجمعية العمومية للمندوبين أو المساهمين في محاسبة مجلس إدارة الجمعية لجهة حجب الثقة أو إقامة الدعاوى بهذه المهمة.. ‏

لا أخفيكم سراً إذا قلت: إن الدخول في موضوع الجمعيات التعاونية يشبه الى حدّ بعيد دخول حقل ألغام، فمن جهة ان التجاوزات والفساد والمخالفات القانونية كثيرة، ومن جهة أخرى ان محاولات الابعاد تحيطك من كل جانب عبر توجيه عبارات غير مباشرة مفادها «مادخلكم فالمال خاص ونحن أحرار به».. لكن عندما أفهمناهم أن مال الجمعيات هو عام عندما يقع التجاوز عليه وهذا ما نصّ عليه القانون اختلف الأمر عندهم وبدأ التعامل معنا بحذر.. ‏

هذه الجمعيات التي لم توزع أرباحاً على المساهمين بها منذ أكثر من عشر سنوات وتتعامل مع الجهات العامة كتاجر ووسيط تهرباً من الضرائب والتأمينات المستحقة في تصرفات مفضوحة غايتها المصالح الشخصية لمجالس إدارتها لا المصلحة العامة.. قد فاحت رائحة الفساد منها وعمّت محافظات القطر وأصبحت المكافحة ضرورية وفتح ملفاتها لزام علينا جميعاً انطلاقاً من أهمية القضاء على ثقافة الفساد التي يروّج لها البعض على أنها تقليد طبيعي..؟!

 

 

عمران محفوض

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...