السيناريو غير المعلن للهجوم التركي على شمال العراق

04-12-2007

السيناريو غير المعلن للهجوم التركي على شمال العراق

الجمل: بعد فترة من تبادل التصريحات النارية بين الزعماء الأكراد والسلطات التركية، وما أعقب ذلك من حشد عسكري تركي على طول الحدود العراقية – التركية، بدا وكأن سيناريو الصراع التركي – الكردي دخل مرحلة من الجمود المؤقت انتظاراً لانجلاء الغبار عن المعركة الدبلوماسية وتبيّن النتائج التي سوف تظهر.
* آخر التطورات في الصراع التركي – الكردي:
تركياً، على الصعيد السياسي، أصدرت حكومة أردوغان أمر التحرك العسكري لقيادة الجيش التركي، وتبقى على الصعيد العسكري أن تقرر قيادة الجيش التركي متى وكيف تتم تدابير تنفيذ عملية الاقتحام العسكري.
كردياً، على الصعيد السياسي، أعلن حزب العمال الكردستاني عن "عرض" للسلام مع السلطات التركية يتضمن صفقة تقوم على اعتراف السلطات التركية باستخدام اللغة الكردية كلغة ثانية في مناطق جنوب شرق تركيا مقابل أن يقوم مقاتلو حزب العمال بتسليم أسلحتهم والعودة تدريجياً إلى تركيا والاندماج في المجتمع التركي.
برغم ذلك، ما زالت أنقرا تشكك في مصداقية عرض حزب العمال الكردستاني وتعتقد بأن هذا العرض قد تم ترتيبيه بواسطة الولايات المتحدة، خاصة وأنه قد سُبقَ بالعديد من التحركات "التكتيكية" الميدانية التي مهدت له، حيث تم تحويل مخزونات العتاد العسكري الخاص بحزب العمال إلى عناصر البشمركة التابعة للبرزاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني) والطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني) وذلك بإشراف وزارة شؤون البشمركة التابعة لحكومة كردستان الإقليمية (يصفها المراقبون بأنه "وزارة دفاع" كردستان) وكل ما تبقى حالياً في شمال العراق يتمثل في بعض المراكز القيادية العسكرية ذات الطابع الإداري، وتقول المعلومات بأن القوات الأمريكية قد ساعدت –عن طريق التنسيق المسبق بينها وبين قوات البرزاني ومحطة الموساد الإسرائيلي الموجودة في الدهوك- في عملية نقل وترحيل معظم عناصر حزب العمال الكردستاني إلى مناطق وسط وغرب العراق بالاتفاق مع بغداد، وبتركيز خاص على محافظة الأنبار التي استطاعت سلطات الاحتلال إقناع عدد كبير من زعماء القبائل والعشائر فيها على "التعاون" مع القوات الأمريكية.
* أبرز المحاذير التي تواجه الخيار العسكري التركي:
جدوى العمل العسكري (أي عمل عسكري) تقوم على أساس اعتبارات مدى فعالية استغلال وتوظيف الوضع الميداني بشكل يترتب عليه استغلال "الفرص" المتاحة بما يعظم المزايا والمنافع الإيجابية بأكبر قدر ممكن، وفي نفس الوقت يقلل تأثيرات "المخاطر" وسلبياته إلى أقل ما يمكن.
وإزاء خيار المفاضلة بين "الفرص" و"المخاطر"، فإن القوات التركية المحتشدة على طول الحدود التركية – العراقية تقف في مواجهة الآتي:
• الفرص:
* القضاء على البنيات التحتية للحركات الانفصالية الكردية، وذلك بافتراض أن الهدف "المعلن" هو القضاء على خطر إرهاب حزب العمال الكردستاني التركي، والهدف "غير المعلن" سوف يكون استهداف جميع الحركات الانفصالية الكردية العراقية والإيرانية إلى جانب حزب العمال الكردستاني.
* تحقيق الهدف "المعلن" بحماية السكان التركمان (ذوي الأصول التركية) والعرب الموجودين في منطقة كركوك من خطر عمليات التطهير العرقي التي تقوم بها ضدهم قوات البشمركة، وفي نفس الوقت تحقيق الهدف "غير المعلن" وهو القضاء على أي احتمالات لضم كركوك الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان.
* التواجد المستمر للقوات التركية في الشمال العراقي، وذلك على النحو الذي يؤدي إلى بروز المزيد من النتائج الجديدة. بكلمات أخرى، فإن انسحاب القوات التركية في حال دخولها إلى شمال العراق لن يتم إلا بموجب اتفاقية عراقية – تركية بإشراف وحماية أمنية أمريكية. وفي هذه الحالة سيكون الهدف التركي "غير المعلن" هو الإملاء من موقع القوة لاتفاقية نهائية تحسم وضع ومستقبل منطقة كردستان، وتعطى تركيا حق الإشراف والمتابعة والرقابة والتدقيق والتدخل سياسياً وعسكرياً مرة أخرى متى رأت ضرورة لذلك.
* تأمين أنابيب نقل النفط العراقي عبر الأراضي التركية، وأيضاً تأمين الطرق البرية بما يؤدي إلى تعزيز تدفقات التجارة الإقليمية التركية – العراقية، وسوف يتمثل الهدف "غير المعلن" في عملية ربط الاقتصاد العراقي (أو مناطق وسط وشمال العراق على الأقل) بالاقتصاد التركي.
• المخاطر:
* تدهور العلاقات التركية – الأمريكية.
* التورط في صراع عسكري مع عناصر البشمركة الكردية يأخذ طابع المقاومة، ثم يتحول الحزب إلى "عصابات" على غرار نموذج الحرب اللامتماثلة التي أدت خلال العام الماضي إلى هزيمة القوات الإسرائيلية أمام مقاتلي حزب الله اللبناني.
* تزايد نفقات الحرب على النحو الذي يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد التركي الذي ما تزال الحكومة التركية تسعى جاهدة من أجل تجاوز أزمته المزمنة والتي عصفت به طوال السبعة أعوام الماضية ولا زالت تلقي بتداعياتها على أوضاع المعيشة.
* في حالة الهزيمة العسكرية، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية قد تواجه خطر السقوط والانهيار على يد الجيش التركي والمعارضة العلمانية، وهناك مخاوف من أن تتعمد قيادة الجيش التركي دفع الأمور العسكرية في ميدان الحرب باتجاه الفشل على النحو الذي يتيح لـ"الجنرالات" التحرك والقضاء على حزب العدالة والتنمية وحكومته الحالية.
عموماً، سوف يظل السؤال عالقاً: لماذا لم تقم القوات التركية بعملية الاقتحام العسكري لشمال العراق حتى الآن؟ وهل أدت الضغوط الدبلوماسية الأمريكية إلى تأجيلها، تمهيداً لإبطالها؟ أم أن هناك سيناريو آخر "غير معلن" ضمن السيناريو "المعلن" المتعلق باقتحام القوات التركية لشمال العراق؟
تقول بعض المعلومات بأن هناك صفقة تضم الرباعي: تركيا، أمريكا، إسرائيل، البرزاني. وتهدف هذه الصفقة إلى أن:
• يتولى البرزاني أمر القضاء على حزب العمال الكردستاني.
• تلتزم تركيا بعدم اقتحام شمال العراق (عسكرياً).
• تسمح حكومة كردستان الإقليمية بوجود استخباري تركي داخل الشمال العراقي في الفترة القادمة.
• تقوم الولايات المتحدة بزيادة المساعدات لتركيا.
• يتم الاتفاق لاحقاً حول ملف كركوك.
• أن تعزز القوات الأمريكية وجودها العسكري في شمال العراق.
وعلى ما يبدو، فقد بدأت "رائحة" الصفقة تظهر من خلال قيام بعض عناصر حزب العمال الكردستاني التركي بتوجيه الانتقادات التي تعبر عن "شكوكهم" إزاء احتمالات قيام مسعود البرزاني بالتعاون مع السلطات التركية ضد حزب العمال، حيث أن القضاء على حزب العمال الكردستاني سوف يحقق ميزتين للزعيم الكردي مسعود البرزاني:
• الانفراد بالزعامة على المجتمع الكردي.
• إضعاف تيار جلال طالباني لأن عوامل التقارب بين مذهبية تيار الطالباني وحزب العمال الكردستاني (وأيضاً حزب بيجاك) سوف تؤدي على المدى الطويل -بلا شك- إلى إضعاف مذهبية تيار مسعود البرزاني القائم على حشد التأييد العشائري والقبلي في القطاع التقليدي الذي ما زال يشكل الأغلبية المجتمعية في المناطق الكردية.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...