التجربة النووية الكورية تفتح صندوق الشرور الأمريكية

12-10-2006

التجربة النووية الكورية تفتح صندوق الشرور الأمريكية

الجمل:  تصاعدت مرة أخرى احتمالات الحرب في شرق المتوسط، بعد قيام كوريا الشمالية بتجربتها التفجيرية النووية الأولى بالأمس، الأمر الذي دفع جورج بوش الرئيس الأمريكي إلى إلقاء تصريح صحفي خاص أفرده لهذه المناسبة.
توقع الكثير من المتابعين لإدارة ملف الأزمة النووية الإيرانية، أن مجموعة دول الـ(خمسة+1)، قد استطاعت أن تدير هذه الأزمة على النحو الذي يبعد شبح الحرب عن المنطقة، ولكن التصريحات الغاضبة، الغربية والأمريكية، التي أعقبت تجربة بيونغ يانغ النووية، أصبحت تشير إلى احتمالات وصول مجموعة الـ(خمسة+1) إلى طريق مسدود، خاصة أن طهران ترفض بشكل قاطع التخلي عن القيام بعملية تخصيب اليورانيوم.
انتهزت مجموعة المحافظين الجدد، ومنظمات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا والغرب، ومجموعة صقور الإدارة الأمريكية بزعامة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الفرصة، وبدأت منذ الأمس تشديد ضغوطها المكثفة داخل الكونغرس والإدارة الأمريكية من أجل القيام بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وذلك استناداً إلى أطروحة أن استخدام الأساليب الدبلوماسية سوف يؤدي إلى المزيد من الانتظار، والذي سوف يترتب عليه توفير الفرصة الزمنية اللازمة لإيران لكي تكمل إنجاز برنامجها النووي، وتقوم –على غرار ما فعلت كوريا الشمالية- بمفاجأة المجتمع الدولي بإجراء تجربتها التفجيرية الأولى.
جماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي، ظلت تهيئ الأمور وتعد العدة منذ عام 1992م، على النحو الذي يتيح لها الإمساك بقرون الثور الأمريكي الهائج، وتوجيه زخم اندفاعه المدمر، ضد سوريا وإيران.
يقول المحللون المختصون بالشؤون الأمريكية والدولية، بأنه لم يسبق أن استطاعت إدارة أمريكية من قبل أن تلحق الدمار والخراب بمصالح الولايات المتحدة الحيوية، بالدرجة والمستوى الذي فعلته إدارة الرئيس جورج دبليو بوش الحالية، والتي أصبح واحد من أبرز إنجازاتها يتمثل في الآتي:
- كسب عداء أكبر من مليار مسلم في كافة أنحاء العالم.
- كسب معاداة معظم الدول الآسيوية.
- كسب معاداة معظم الدول الأفريقية.
- كسب معاداة الرأي العام الأوروبي.
لقد قطعت الإدارة الأمريكية الحالية شوطاً كبيراً في الانخراط في عملية تعميم استخدام العنف المادي الهيكلي، والرمزي والوظيفي في العالم، مستخدمة في ذلك شتى  أنواع وسائل القوة الغاشمة، وقد أدى استخدام الإدارة الأمريكية لسياسة (غلق الأبواب) في وجه شعوب وأمم العالم الأخرى إلى (غلق الأبواب) في وجه الإدارة الأمريكية نفسها، على النحو الذي جعل عدد الخيارات المتاحة أمام هذه الإدارة أقل ما يمكن.. والآن بعد أن قامت إدارة الرئيس بوش بتقويض توازن القوى الذي كان سائداً في الشرق الأوسط، توجد حالياً ثلاثة خيارات أمام الإدارة الأمريكية، هي:
- الانسحاب من العراق.
- البقاء في العراق وعقد صفقة مع إيران.
- العدوان العسكري ضد إيران.
أولاً: بالنسبة لخيار الانسحاب من العراق: اللجوء إلى هذا الخيار سوف يشكل هزيمة استراتيجية هائلة للإدارة الأمريكية والحزب الجمهوري والشق المخالف معه من نواب الحزب الديمقراطي.. إضافة إلى أنه سوف يضعف (تجمع المعتدلين العرب في الشرق الأوسط)، المراهن على مصداقية أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
ثانياً: بالنسبة لخيار البقاء في العراق وعقد صفقة مع إيران: اللجوء إلى هذا الخيار سوف يؤدي إلى مواجهة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، وأيضاً داخل أمريكا بين الإدارة الأمريكية وجماعة المحافظين الجدد ومنظمات اللوبي الإسرائيلي.. كذلك سوف تواجه الإدارة الأمريكية أزمة مصداقية، لأن اللجوء لهذا الخيار معناه أن كل ما كانت تدعيه الإدارة الأمريكية من قبل قد كان باطلاً ولا صحة له.. كذلك إيران في حالة الصفقة معها، فهي لن تقبل بشروط الهيمنة الأمريكية، وبالتالي فإن القيادة الإيرانية سوف تقبل –مهما كان الثمن- بتوقيع صفقة غير متكافئة مع أمريكا، أما البقاء في العراق فمعناه المزيد من الخسائر المالية للاقتصاد الأمريكي، والمزيد من القتلى والجرحى، وتشويه السمعة والكراهية لأمريكا، إضافة إلى عدم الحصول على الفوائد المتوخاة من عملية احتلال العراق، بسبب تزايد نشاط المقاومة العراقية.
ثالثاً: بالنسبة لخيار العدوان العسكري ضد إيران، وهو أمر سوف يجلب نتائجاً كارثية حقيقية لمصالح الولايات المتحدة ليس في الشرق الأوسط وحده بل وفي سائر أنحاء العالم، إضافة إلى أنه سوف يؤدي إلى عزل الولايات المتحدة سياسياً في المجتمع الدولي.. وحالياً تعمل الإدارة الأمريكية على تنفيذ هذا الخيار، عن طريق تطبيق استراتيجية تهدف إلى عزل إيران أولاً عن المجتمع الدولي بقدر الإمكان، ثم الهجوم عليها عسكرياً بعد ذلك.. وقد بدأ ينفذ صبر جماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي وصقور الإدارة الأمريكية، لأن كل ما تبقى أمام انتخابات الكونغرس الأمريكي هو شهر واحد تقريباً، وكل المؤشرات الحالية تقول بتفوق الحزب الديمقراطي، وخسارة الحزب الجمهوري، الأمر الذي سوف يشكل كارثة حقيقية أمام المستقبل السياسي للإدارة الأمريكية.
الأطروحة النظرية لمباراة اللعبة الاستراتيجية تقول بأربعة احتمالات ممكنة الحدوث بين الأطراف المتصارعة:
- أولاً: احتمال (فوز- فوز)، أي أن يكسب طرفا الصراع.
- ثانياً: احتمال (فوز- خسارة)، أي أن يكسب الطرف الأول ويخسر الطرف الثاني.
- ثالثاً: احتمال (خسارة- فوز)، أي أن يخسر الطرف الأول ويكسب الطرف الثاني.
- رابعاً: احتمال (خسارة- خسارة)، أي أن يخسر الطرفان.
والآن طرفا الصراع والنزاع داخل الإدارة الأمريكية (طرف يقول بتوجيه الضربة فوراً، وطرف آخر يقول بتوجيه الضربة بعد عزل إيران)، أصبحا منحصران في أقصى الزاوية، وفقط ضمن الموقف الاحتمالي القائل بالاحتمال الرابع وهو (خسارة- خسارة) أي خسارة الطرفين.
التحركات الهادفة لضرب إيران، تسير بشكل متزامن ضمن أربعة مسارات:
• سياسياً: تعمل الإدارة الأمريكية وإسرائيل على إقناع أكبر ما يمكن من القوى الكبرى العالمية على قبول حتمية الضربة ضد إيران كأمر واقع.
• عسكرياً: تم تزويد إسرائيل باحتياجاتها التكتيكية اللازمة لمشاركتها أمريكا، أو لقيامها منفردة بضرب إيران، كذلك بدأت قطع الأسطول السادس الأمريكي تحركاتها باتجاه منطقة جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي المحيط الهندي بدأ الأسطول الخامس الأمريكي تحركاته باتجاه مضيق هرمز وبحر العرب المتاخم لشواطئ جنوب إيران.
• دولياً: تعمل أمريكا بمساعدة بريطانيا من أجل دفع مجلس الأمن الدولي بأقصى ما يمكن لإدانة ومعاقبة إيران، وبالتالي عزلها عن طريق العقوبات الدولية والتي سوف تحاول أمريكا تمريرها في الأيام المقبلة.
• إعلامياً: تزايدت حملة ماكينات الدعاية الإعلامية، ضمن أداء سلوكي إعلامي يعكس انتهاجاً واضحاً لأساليب الحرب النفسية، التي تعمل باتجاه دعم الجهد العسكري الميداني، وذلك عن طريق ما يتم بثه بوساطة: شبكة فوكس نيوز، سي.إن.إن، وغيرها من شبكات الأخبار والقنوات التلفزيونية الأمريكية، كذلك تسهم صحيفة الواشنطن بوست وغيرها من الصحف الأمريكية بقدر كبير من هذا الاتجاه.
شهر تشرين الأول الحالي، هو شهر موقف الـ(خسارة- خسارة) للإدارة الأمريكية وإسرائيل، لأنه لو لم يتم الاعتداء على إيران، فسوف يكون ذلك خسارة، ولو تم الاعتداء على إيران فسيوف يكون ذلك خسارة أيضاً.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...