أسبوع نجاح الدبلوماسية السورية على خط: واشنطن دمشق- لندن- طهران

05-04-2007

أسبوع نجاح الدبلوماسية السورية على خط: واشنطن دمشق- لندن- طهران

الجمل:     اختلطت الأوراق الشرق أوسطية مرة أخرى، فبعد أن رتبت جماعة المحافظين الجدد أجندة توسيع الحرب العدوانية الأمريكية وعزل ومحاصرة سوريا، وحزب الله اللبناني، وحركات المقاومة الفلسطينية. وأعد البنتاغون المخطط التفصيلي للعدوان ضد إيران، وحزمت الإدارة الأمريكية أمرها لاستغلال يوم الجمعة 6 نيسان 2007م، من أجل توجيه ضربة عسكرية أمريكية تستهدف المواقع الإيرانية الحساسة، تبدأ من الساعة الرابعة صباحاً وتستمر حتى الرابعة عصراً، اختلطت الأوراق هذه المرة بفعل الدور السوري، الذي أدى إلى تصدع تحالف جماعة المحافظين الجدد وصقور الإدارة الأمريكية..

أبرز ملامح الدور السوري:
* أولاً: أزمة البحارة البريطانيين:
طالبت بريطانيا بإجراء مباحثات مباشرة مع إيران من أجل حل النزاع حول الـ(15) بحاراً بريطانياً الذين احتجزتهم السلطات الإيرانية يوم الثلاثاء الماضي، وأرسلت مسؤولاً بريطانياً رفيع المستوى إلى دمشق من أجل حل الأزمة وإطلاق سراح الرهائن.
الموقف البريطاني الجديد جاء مغايراً لموقف رئيس الوزراء البريطاني الذي بدا شديد اللهجة، وأكثر استعلاء في التعامل عندما صرح قائلاً بأنه إذا لم يتم إطلاق سراح البحارة البريطانيين (15 عنصراً من قوات البحرية الملكية البريطانية) فإن إيران سوف تواجه وضعاً أسوأ.
• الخلفية الاستخبارية للأزمة:
في صبيحة الحادي عشر من كانون الثاني 2007م، قامت مجموعة من عناصر القوات الأمريكية المحمولة جواً، مستخدمة طائرة هيليكوبتر أمريكية بعملية إبرار جوي، وقامت باقتحام مبنى القنصلية الإيرانية في مدنية أربيل العراقية الموجودة ضمن إقليم كردستان.. وبعد أن عبثت عناصر القوة الأمريكية بمحتويات ووثائق القنصلية، قامت بإخلاء خمسة من موظفي القنصلية، مازالوا محتجزين حتى الآن لدى القوات الأمريكية.
المعلومات التي وردت لاحقاً في هذا الخصوص أكدت بأن عملية الإبرار الجوي الأمريكي لمبنى القنصلية الإيرانية في أربيل لم تحقق أهدافها، وذلك لأن أهدافها (المعلنة) تقول بأن القوات الأمريكية تبحث عن الأسلحة والمعلومات الأخرى المتعلقة بالتورط الإيراني في العراق، أما الأهداف (غير المعلنة) وهي الأهداف الحقيقية، فقد كانت تتمثل في استهداف اثنين من كبار المسؤولين الإيرانيين، اللذين كانا في زيارة للعراق، وكانا موجودين في أربيل لحظة عملية الإنزال الجوي وقيام القوات الأمريكية باقتحام القنصلية الإيرانية.
والمسؤولان الإيرانيان هما:
- محمد جعفري: النائب القوي لرئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، والمسؤول الأول عن الأمن الداخلي الإيراني.
- الجنرال مينوجاهار فروزاندا: رئيس مخابرات الحرس الثوري الإيراني.
الغارة الأمريكية ضد القنصلية الإيرانية، فهم الإيرانيون مغزاها، وقد وصفت تقارير وزارة الدفاع البريطانية الإجراء الأمريكي بأنه يمثل فعلاً خطيراً، ولابدّ أن يدفع هذا الفعل الإيرانيين للانتقام والقصاص إما ضد القوات الأمريكية أو ضد القوات البريطانية، وحذرت بريطانيا قواتها الموجودة في العراق حول ضرورة توقع رد الفعل الإيراني.
• الإجراء الإيراني:
بعد حوالي عشرة أسابيع من حادثة اقتحام القنصلية الإيرانية، استطاع الإيرانيون الإمساك بالبحارة البريطانيين، وأبرز المعلومات الواردة حول هذه الواقعة يشير إلى الآتي:
- دخول البحارة البريطانيين إلى المياه الإقليمية الإيرانية دون الحصول على إذن مسبق من السلطات الإيرانية.
- كل البريطانيين الذين تم احتجازهم من عناصر قوات البحرية الملكية البريطانية المختصين بعمليات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية (مخابرات الميدان).
- زعمت بريطانيا أن عناصر البحرية البريطانية كانوا ضمن نطاق المياه العراقية، وقدمت السلطات البريطانية خارجية للحدود البحرية العراقية- الإيرانية، من أجل إثبات صحة مزاعمها، ولكن تبين لاحقاً أن الخارطة البريطانية كانت مزورة ومغشوشة، وذلك لأنه:
* لم يحدث أن قامت أي من الحكومات العراقية والإيرانية بتخطيط حدودهما البحرية في منطقة شط العرب.
* الحدود البحرية العراقية- الإيرانية في منطقة شط العرب كانت موضع نزاع كبير بين طهران وبغداد بشكل أسهم في إشعال فتيل الحرب العراقية- الإيرانية.
* لا توجد أي اتفاقية دولية أو خارطة للحدود البحرية الإيرانية- العراقية، مودعة لدى الأمم المتحدة أو أي منطقة إقليمية أو دولية أخرى.
- أكدت إيران بالوثائق والصور أن عناصر البحرية الملكية البريطانية قد قاموا بانتهاك المياه الإقليمية الإيرانية.
- نشرت أجهزة الإعلام اعترافات عناصر البحرية الملكية البريطانية بأنهم انتهكوا حرمة المياه الإقليمية الإيرانية.
توقيت عملية احتجاز عناصر البحرية الملكية البريطانية جاء متزامناً مع:
• التصويت في مجلس الأمن الدولي حول تشديد العقوبات الدولية ضد إيران.
• تداول المعلومات الاستخبارية الروسية القائلة بأن الضربة الأمريكية ضد إيران سوف تبدأ يوم الجمعة 6 نيسان الحالي من الساعة 4 صباحاً وحتى الساعة 4 عصراً.
• انتهاء إنجاز المناورات العسكرية الأمريكية الأخيرة في الخليج.
• استمرار المناورات العسكرية الإيرانية في منطقة الخليج.
برغم محاولة المحللين الغربيين الحديث عن قيام السلطات الإيرانية باحتجاز عناصر البحرية البريطانية في المياه الإقليمية الإيرانية، على ضوء نظرية الفعل ورد الفعل، باعتبار عملية الإمساك والاحتجاز الإيرانية قصاصا ورد فعل انتقامي ضد قيام القوات الأمريكية بعملية اقتحام القنصلية الإيرانية في أربيل واحتجاز خمسة موظفين إيرانيين، وقيام كتيبة القوات الخاصة –الكتيبة 36- العراقية (كتيبة عراقية لا تخضع لإشراف السلطات العراقية وإنما للإشراف المباشر لقيادة القوات الأمريكية الموجودة في العراق) باحتجاز مسؤول القنصلية الإيرانية في مدينة البصرة. فإن العملية الإيرانية، أعطت إشارة قوية للإدارة الأمريكية وبريطانيا حول عزم إيران التصدي لأي عدوان أمريكي- بريطاني مشترك ضدها، وذلك على النحو الذي يعزز من مصداقية التقارير الاستخبارية الروسية القائلة بأن تحقيق النصر العسكري الحاسم والنهائي بواسطة أمريكا وحلفائها ضد إيران هو أمر غير ممكن في ظل توازنات القوى العسكرية الحالية في منطقة الخليج العربي بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من الجهة الأخرى، وذلك لأن الحرب التي تهدف الإدارة الأمريكية إلى شنها ضد إيران ضمن جبهة الخليج سوف تؤدي إلى فتح جبهة حرب أخرى أكثر خطورة ضد القوات الأمريكية والبريطانية في العراق، وما هو أخطر يتمثل على وجه الخصوص في أن جبهة الحرب الجديدة سوف يطغى عليها نموذج العمليات العسكرية اللامتماثلة، أي على غرار حرب حزب الله اللبناني الأخيرة مع إسرائيل، وهو ما لا تريده أمريكا وبريطانيا، لأنه سوف يؤدي إلى وقوع أكثر من 160 ألف جندي أمريكي، إضافة إلى 15 ألف جندي عراقي تحت رحمة قوات الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية والسنية العراقية.
ظلت الحكومة البريطانية تتخوف من قيام إيران بتكرار تجربة  الرهائن الأمريكيين السابقة، وفجأة، وبلا مقدمات، أعلنت إيران عن إطلاق سراح عناصر البحرية الملكية البريطانية.
وصبيحة اليوم تناقلت وكالات الأنباء والصحف العالمية خبر الدور الناجح الذي قامت به سوريا في الإفراج عن البحارة البريطانيين، وذلك عن طريق ممارسة الدبلوماسية الهادئة التي أدت إلى تشجيع وتعزيز الحوار والتفاهم الإيراني- البريطاني، على النحو الذي دفع إيران للإفراج عن الرهائن، ودفع الحكومة البريطانية لإبداء رغبتها في حل خلافاتها الإيرانية- البريطانية عن طريق الحوار.
* ثانياً: التجاوب المرن مع الدبلوماسية العامة الأمريكية:
ركزت إدارة الرئيس بوش على عزل سوريا عن طريق إيقاف أي تواصل دبلوماسي سوري- أمريكي، وأيضاً سعت الإدارة الأمريكية إلى عرقلة كل الجهود الأوروبية الغربية الهادفة للتواصل الدبلوماسي مع سوريا، إضافة إلى قيام الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل لكي ترفض كل العروض المطالبة بالحوار والتفاهم مع سوريا.
بعد فوز الديمقراطيين وهزيمة الجمهوريين، تغيرت التوازنات الداخلية في أمريكا بين جهاز السلطة التشريعية (الكونغرس) وجهاز السلطة التنفيذية (البيت الأبيض والإدارة الأمريكية).. وذلك على النحو الذي شكل ما يعرف بفراغ القوة داخل المؤسسات الأمريكية الرسمية.. فالكونغرس لا يستطيع ممارسة السلطة المطلقة على البيت الأبيض والإدارة الأمريكية، وبالتالي فإن قوة سلطة الكونغرس تعاني من النقصان في الجانب التنفيذي، وأيضاً الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض لا تستطيع ممارسة السلطة المطلقة على الكونغرس الأمريكي، وبالتالي فإن قوة سلطة الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض تعاني من النقصان والفراغ في الجانب التشريعي.
إزاء هذا النقصان المزدوج اضطربت العلاقة أكثر فأكثر بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وأصبح الرئيس بوش يهدد باستخدام الفيتو، ويكثر من مخاطبة الرأي العام الأمريكي باعتباره الورقة الحاسمة في الضغط على الكونغرس الأمريكي، كان الكونغرس الأمريكي يقوم بمناورة أخرى للالتفاف على إدارة بوش.. وفي هذا الصدد كانت سوريا أكثر بلدان العالم نجاحاً على الإطلاق في التحول إلى ميدان وساحة حقيقية للدبلوماسية العامة الأمريكية:
فقر تواترت وفود أعضاء مجلس النواب والشيوخ الأمريكي، والذين وجدوا بالمقابل ليس مجرد الترحيب والاحترام، وإنما وجدوا الدبلوماسية السورية أكثر جاهزية واستعداداً في تقديم الحقائق الملموسة، وترتيب وتسهيل إجراءات مقابلاتهم مع القيادة السياسية السورية.
آخر الزيارات التي شكلت ضربة موجعة لسياسة بوش الخارجية، تمثلت في زيارة السيدة نانسي بيلوزي (رئيسة مجلس النواب الأمريكي، وثالث أكبر شخصية سياسية أمريكية بعد الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني).
لا يمكن تفسير زيارة نانسي بيلوزي لسوريا بمعزل عن الدور السوري، وبرغم أن السيدة بيلوزي أعلنت بكامل إرادتها رغبتها في زيارة سوريا، ومقابلة القيادة السورية، متحدية بذلك (بيت الطاعة) الذي ظلت تفرضه جماعة المحافظين الجدد وبوش على المسؤولين الأمريكيين، فإن (رغبة بيلوزي) كانت تالياً لمقدمة، بدأت بزيارات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى سوريا، وقد أدى الانطباع الجيد الذي رسخته القيادة السورية والدبلوماسية السورية في أذهان مبعوثي (الدبلوماسية العامة) الأمريكية إلى بلورة قناعة نانسي بيلوزي على النحو الذي جعلها تقرر بشكل حاسم القدوم إلى سوريا والجلوس للحديث مع القيادة السورية، وهو ما حدث بالفعل، بشكل ادى إلى إجبار نانسي بيلوزي إلى التصريح للصحافة العالمية قائلة: (الطريق إلى دمشق هو طريق للسلام).. ومرة أخرى يمكن القول بأن الدبلوماسية السورية نجحت في (استنطاق رئيسة مجلس النواب الأمريكي) الأمر الذي أثار ثائرة بوش ونائبه ديك تشيني.
وعلى الفور حملت الأخبار تصريحات بوش المستاءة إزاء نانسي بيلوزي، وأيضاً تصريحات ديك تشيني، التي حملت في ظاهرها لؤم ووقاحة جماعة المحافظين الجدد، وفي باطنها مشاعر الخيبة والفشل التي أصبحت طاغية على صقور الإدارة الأمريكية.
وعموماً نقول: تتمثل أبرز نتائج الدور السوري في الآتي:
• إعطاء رسالة قوية للرأي العام الأمريكي والبريطاني والدولي بأن التفاهم والحوار مع سوريا هو السبيل الأفضل.
• النجاح في تحويل مصيدة عزل سوريا إلى مصيدة لعزل بوش وبلير وصقور الإدارة الأمريكية وذلك بشكل أدى إلى قلب (معادلة العزلة) تماماً، فالرئيس بوش وديك تشيني ليس أمامهما من سبيل للخروج من العزلة سوى التحول من لغة الصراع والنزاع والحرب إلى لغة الحوار والتفاهم والتفاوض.
• إضعاف التحالف الأمريكي- البريطاني، وقد أعلنت بريطانيا بعد إطلاق سراح البحارة عن رغبتها في الحوار مع إيران من أجل حل كل المشاكل العلاقة بينهما، وما كانت بريطانيا تجرؤ في الماضي على التصريح بذلك قبل أخذ الموافقة المسبقة من أمريكا وإسرائيل، ولكن بفضل جهود الدبلوماسية السورية، اضطرت بريطانيا لحزم أمرها على نحو لو استمرت فيه فإن خروج بريطانيا والبريطانيين عن (بيت الطاعة) الأمريكي سوف يكون وشيكاً.
وما هو أهم يتمثل في أن الدور السوري خلال الفترة الماضية قد أدى إلى تقليل احتمالات حدوث الضربة العسكرية الأمريكية المتوقعة صباح الغد ضد إيران، وقد حملت الأنباء الصادرة صباح الرابع من نيسان (تمام الساعة الثانية والنصف صباحاً بتوقيت غرينتش) تقريراً اخبارياً يقول بأن الهجوم الأمريكي المخطط ضد المفاعلات والمنشآت النووية الإيرانية قد تم تأجيله إلى نهاية هذا الشهر.
كذلك أشار التقرير إلى أن عدداً من مديريات البيت الأبيض الأمريكي قد بدأت في التحضير للخطاب السياسي الذي سوف يقوم بتقديمه الرئيس بوش نهاية هذا الشهر، معلناً فيه –على غرار سيناريو إعلان الحرب ضد العراق- الهجوم العسكري ضد إيران.
كذلك سوف يحاول الرئيس بوش بتقديم (الدليل والبرهان) و(المبرر) بأن لجوء الإدارة الأمريكية إلى الخيار العسكري ضد إيران قد تم بعد أن فشلت محاولات إقناع واستمالة طهران للتخلي عن طموحاتها النووية.
أبرز المبررات التي سوف يركز عليها بوش في خطابه المتوقع:
- الزعم بأن لإيران دور في قتل الجنود الأمريكيين في العراق عن طريق دعم الميليشيات العراقية بالمال والسلاح.
- الزعم بتدخل إيران سياسياً في العراق، على النحو الذي أفشل العلمية السياسية العراقية، وأدى إلى تقويض استقرار العراق.
- الزعم بأن إيران تدعم سراً حركة طالبان والقاعدة في أفغانستان.
- الزعم بأن إيران لعبت دوراً كبيراً في علميات حزب الله التي استهدفت الأمريكيين والمنشآت الأمريكية في لبنان.
- الزعم بأن إيران تدعم سوريا والفلسطينيين وذلك على النحو الذي هدد أمن إسرائيل، وعملية سلام الشرق الأوسط.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن الرئيس بوش سوف يستعين ببعض المعلومات والوثائق التي حصلت على بعضها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بمساعدة منظمة مجاهدي خلق، وبعضها الآخر مزوّر ومفبرك، على غرار وثائق ومستندات أسلحة الدمار الشامل العراقية خلال فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...