وزير الداخلية الفرنسي يقيل مسؤولاً كبيراً بسبب مقالة تنتقد إسرائيل

25-03-2008

وزير الداخلية الفرنسي يقيل مسؤولاً كبيراً بسبب مقالة تنتقد إسرائيل

ما كادت تهدأ الضجة الكبيرة حول استقبال “إسرائيل” ضيف شرف في معرض الكتاب الفرنسي، حتى بدأت فرنسا تعيش على وقع قضية جديدة تمس “إسرائيل” مباشرة، تتمثل في قيام وزيرة الداخلية ميشيل أليو ماري يوم أمس الأول بعزل مسؤول كبير، هو نائب محافظ منطقة سانت في جنوب غرب فرنسا، بعد نشره مقالاً على موقع اسلامي فرانكوفوني يوجه النقد ل”إسرائيل”، بوصفها “الدولة الوحيدة التي يقتل فيها قناصة فتيات صغيرات لدى خروجهن من المدارس” . وكان بذلك يرد فيه على مقال نشره عدد من المفكرين الفرنسيين الذين يوصفون بأنهم من “المحافظين الجدد”، في صحيفة “لوموند” في شباط/فبراير الماضي انتقدوا فيه انتقادات منظمات حقوق الانسان ل”إسرائيل” . الكاتب هو نائب المحافظ برونو غيغ خريج المدرسة العليا للادارة، التي تخرج كبار مسؤولي الدولة، وسبق له ان نشر كتباً منها “الشرق الاوسط: حرب الكلمات” . والمقال الذي أثار الضجة نشر في الثالث عشر من الشهر الحالي على موقع “أمة .كوم” الالكتروني المختص بالحوار باللغة الفرنسية، والذي يستقبل اكثر من ستة ملايين زائر سنويا .أثار قرار عزل الموظف ضجة اعلامية كبيرة في فرنسا، ذكرت بتلك التي قامت من حول الهجوم الذي تعرض له قبل سنوات الكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس بسبب مقال نشره في صحيفة “لوموند” تحت عنوان “هل من المسموح انتقاد “إسرائيل” في فرنسا؟” . وحسب تقديرات اعلامية فان مقال غيغ جرت اعادة نشره في اكثر من مائة موقع الكتروني، وبقي على مدى يومين مثار أخذ ورد بين مؤيد ومعارض، في الوقت الذي تمسكت فيه السلطات الرسمية بموقفها القائل ان عزل الموظف المذكور لم يأت بسبب محتوى مقاله بل بسبب “تجاوز شروط مهمته” . وفي ما يلي المقال الذي هو عبارة عن سجال مفتوح مع المثقفين المشار اليهم اعلاه:

في ركن “وجهة نظر” ليوم 27 شباط/فبراير 2008 فتحت جريدة “لوموند” بأريحية أعمدتها لنصّ بهستيريا لفظية وبسوء نية لا حدّ لهما . الاتهامات التي نطق بها حيال مجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة، كاذبة جداً الى درجة أن قائمة المُوقّعين لا تلطف بالكاد من ذهولنا: باسكال بروكنير، آلان فينكلكروت وكلود لانزمان، ايلي فيزيل وبيير-أندري تاغييف وفريديريك اينسيل . نستطيع بسهولة أن نكمل القائمة الى درجة أن الحضور الدائم للمثقفين العضويين للوبي الداعم ل”إسرائيل” أصبح مألوفا بالنسبة لنا . العنوان جاء واضحاً، لا لبس فيه، لهذه الكتابة النثرية التي تمتلئ حقداً تشكل برنامجا بأكمله: “منظمة الأمم المتحدة ضد حقوق الانسان” .

ومن السطور الأولى يمكننا أن نقرأ فيها هذا النداء القلق: “هل ستشهد سنة 2008 في آن واحد، الذكرى الستين للاعلان العالمي عن حقوق الانسان من قبل الأمم المتحدة وتدمير هذه المبادئ عن طريق الأمم المتحدة نفسها؟ كل شيء يدفع الى التخوّف منه، كثيرا منذ سنوات بسبب انحرافاتها . الأمم المتحدة تقدّم صورة هزلية/مشوهة عن نفسها” .

لا محالة، فان القارئ غير المجرب سيصاب بالذعر: هل أصبحت هذه المنظمة الدولية، بصفة مفاجئة، انتحارية؟ لكن لحسن الحظ فان ما جاء بعد يضيء لنا على الفور الانشغالات العميقة للموقعين: “في دوربان، بجنوب إفريقيا، انعقد سنة 2001 المؤتمر العالمي ضد العنصرية بمبادرة من الأمم المتحدة . باسم حقوق الشعوب تم ترديد عبارات: “الموت لأمريكا” و”الموت ل”إسرائيل””، وباسم هذه النسبوية الثقافية يتم الصمت على التمييز والعنف الذي يطال النساء” . أية علاقة توجد ما بين الجيو-سياسة في الشرق الأوسط، التي تظهر في دعوات محاربة الولايات المتحدة و”إسرائيل” وقمع النساء الذي يأتي ليكفل “النسبوية الثقافية”؟ لا يوجد على الأرجح . ولكن الخلط ما بين الموضوعين يقدم فائدة سجالية تقترح تنافسا ضارا وخطيرا بين الضحايا: أنتم الذين تقومون بادانة “إسرائيل” والولايات المتحدة لا تقولون شيئا عن معاناة النساء اللواتي يتعرضن للاضطهاد في البلدان الاسلامية . انها لازمة مزمورية أصبحت مألوفة في البلاغة اللوبية (من اللوبي)، انها تتيح صرف القارئ الغربي عن نقد السياسة الأمريكية أو “الإسرائيلية”، من خلال تثبيت انتباهه على مشكل داخلي للمجتمعات الشرق الأوسطية . غير أن هذا التقارب السجالي ما بين الموضوعين، يثير الضحك . فالعربية السعودية حيث الحجاب ضروري وحيث تُمنع النساء من قيادة السيارات هي الحليف التاريخي للولايات المتحدة في المنطقة . أما فيما يخص نظام الطالبان الظلامي فقد رأى النور، برعاية وكالة الاستخبارات الأمريكية التي أعارت معسكراتها للتدريب على التراب الأمريكي لمقاتلي الملا عمر . وفي المقابل لم يَحْظَ العراق وسوريا البعثيان، وهما الأقرب الى المعايير الغربية في ميدان شرط المرأة، بنفس المراعاة . الأول تم سحقه بقنابل الولايات المتحدة والثاني تم وضعه ضمن “الدول المارقة” . لكن على الرغم من كل هذا فان مناصري السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يعتقدون أن من حقّهم اعطاء الدروس في موضوع تحرير المرأة .

بالاضافة الى أنه في ما يتعلق بالأمم المتحدة فنحن لن نندهش قط من مثل هذا الحقد من قبل الناطقين الرسميين للمحافظين الجدد الفرنسيين . لأن قرارات مجلس حقوق الانسان، مثلما هو شأن تصريحات المجلس العام، بالأمس، تجرأت على التنديد بالقمع “الإسرائيلي” في فلسطين المحتلة . الدول ال 47 المنتخبة تستفيد من التساوي في التصويت . اذن فالحساسية التي تم التعبير عنها تعكس رأي الأغلبية التي لا ترى أي فائدة في تقديم كفالة للاحتلال العسكري للأراضي العربية . فليطمئن، مع ذلك، متملقو “إسرائيل”: هذه القرارات تظل قرارات رمزية، لتعذر تنفيذها . لكن الأمر لا يكفيهم، يتوجب عليهم أيضا الوسم والتنديد بالمبدأ من خلال استخدام بذيء للافتراء . وهو ما يتصدى له، بحنق، الموقعون .”ان التكتلات والتحالفات تتشكل، كما إن الخطابات تُعْقد، والنصوص يتم التفاوض عليها والاصطلاحات المستخدمة تفني حرية التعبير وتُشَرْعِن اضطهاد النساء وتنتقد الديمقراطيات الغربية، كل هذا من خلال ميكانيزماتها الداخلية . ان لجنة حقوق الانسان أصبحت ماكينة حرب أيديولوجية موجهة ضد مؤسسيها الرئيسيين . انّ هذه البلاغة السياسية، التي تتجاهلها وسائل الاعلام، يوما بعد آخر، اجتماعا بعد آخر، قرارا بعد آخر، صُنعت من أجل منح شرعية للانتقال الى الفعل والى مختلف أشكال العنف، غدا”، نتردد في منح الوصفة، هل يتعلق الأمرُ بِذُهان هذياني أم بأثر بعلم الهوس الشيطاني الغربي؟ اليقين الأول هو أن هذه الاتهامات العنيفة ضد الجرائم الشنعاء غير الموجودة تشهد على ابتكارية غير مسبوقة . مجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة يريد: “ابادة حرية التعبير”، نتساءل لماذا وكيف؟ لكن تساؤلاتنا تظل من دون جواب . الموقعون السجاليون يعلنون: “قتل كونية الحقوق” من قبل الأمم المتحدة نفسها، لكن هذه “الموت” المعلنة تظل محاطة بهالة من اللغز . لا تأتي أي اشارة في قرارات مجلس حقوق الانسان لتأييد هذا الاتهام، ومنتقدو الأمم المتحدة يدينون أفكاراً مفترضة بعنف متناسب عكسيا مع الأدلة التي يقدمونها . انهم يفضلون، بشكل واضح، التحدث مكانها بالالتجاء مباشرة الى التعليق الذي كان يُفْتَرَض أن يكون . بمثابة استشهادات، علينا أن نكتفي بكلمات مختصرة ذات الأسلوب غير المباشر، ومن دون أقواس، التي يمكن ان يكون قد تلفظ بها دودو ديين، المقرر الخاصّ حول العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب لدى الأمم المتحدة . يمكن للمثقف السنغالي أن يكون قد صرّح أنّ “التلفظ بانتقاد ضد ارتداء البرقع يشكل اعتداء عنصرياً، وأن العلمانية مترسخةٌ في ثقافة استعبادية وكولونيالية، وأن القانون الفرنسي ضد حمل العلامات الدينية في المدارس يساهم في عنصرية معادية للمسلمين” .

المشكل الوحيد هو أن هذه الاستشهادات غيرُ موجودة . واذا كانت التلفظات تثير اعتراضات، مع افتراض أنه تم التصريح بها . ولا يتطلب الأمر سجالا فظّا حول استشهادات لا وجود لها: لأنّ التصرف يدين أصحابه . فضلا عن ذلك، فان الاستشهادات الوحيدة التي كان على أيديولوجيي صحيفة “لوموند” أن يقدموها كدعامة لأطروحاتهم، هي اسشتهادات مجلس حقوق الانسان نفسه . لكنهم تجنبوا فعل ذلك . وقدموا تأويلاتهم المُغرِضة مكان تفكير الآخرين، وخطبوا باسهاب من خلال اعتبار تهويماتهم حقائق: يؤكدون أن “الغموض في منتهاه، حين يُعْتَبَر كلُّ نقد للدين موقفا عنصريا” .

لكن من أين جاءت هذه الفكرة؟ من أدلى بها؟ لا أحد يعرف الأمر . لكن في المقابل، يستطيع كل من يشاء ذلك التثبت مما أعلنه مجلس حقوق الانسان بخصوص المسألة الدينية . يكفي قرءاة المَحَاضِر الرسمية للدورات الستّ المجمعة منذ انشائه سنة 2006 . في 30 مارس/آذار ،2007 تبنى مجلس حقوق الانسان قرارا “حول مكافحة كل قدح بالديانات” . هذا النصّ يلح على “حق كل واحد في حرية التعبير، الذي يجب أن يمارَس بطريقة مسؤولة ويمكن بالتالي أن يخضع لقيود، يقررها القانون، وضرورية لاحترام الحقوق أو سمعة الآخرين، حماية الأمن القومي والصحة أو الأخلاق العمومية، واحترام الديانات والقناعات” . ان هذا النص، على مستوى المبادئ، لا يختلف في شيء عن القانون الوضعي المعمول به في معظم الأقطار، والدول الغربية نفسها أحاطت ممارسة حرية التعبير ببعض الحدود القضائية .

في فرنسا، الاعتراف بحرية التعبير لا يجرّ أي حق للفرد في التشهير بجاره، لأن كل شتيمة تظهر تمييزاً عنصرياً أو دينياً يعاقب عليه القانون، وبعض الاجراءات التشريعية كان من أثره اعلان حقيقة رسمية على وقائع تاريخية .من الطبيعي أن فحوى هذا القرار لمجلس حقوق الانسان ليست لا مبالية عن السياق السياسي المرتبط ب”الحرب ضد الارهاب” التي أعلنتها واشنطن . “يعبر المجلس عن انشغاله من صُوَر الكليشيهات السلبية عن الديانات ومن مظاهر عدم التسامح والتمييز تجاه المعتقد أو القناعة . كما إنه يعلن، عن انشغاله العميق من المحاولات التي تريد ربط الاسلام بالارهاب والعنف والانتهاكات لحقوق الانسان . انه يشير بقلق بالغ الى اشتداد حملات التشنيع ضد الديانات والاشارة الى الأقليات الاسلامية وفق مميزات اثنية ودينية منذ الأحداث المأساوية في 11 سبتمبر/ ايلول 2001” .

ان تبني هذا النص جُوبِهَ بمعارضة الدول الغربية، التي أصبحت أقلية في التصويت النهائي . ولا توجد دولة غربية واحدة قرأت في النص خطرا قاتلا للحضارة الكونية، التي يدينها موقعو هذا النص الهجائي المعادي للأمم المتحدة .

وقد لاحظت ممثلة ألمانيا، باسم الاتحاد الأوروبي، أنه كما جاء في تقرير دودو ديين، فان التمييز المؤسس على الدين لا يهم فقط الاسلام ولكن أيضا اليهودية والمسيحية والديانات والمعتقدات القادمة من آسيا، بالاضافة الى الأشخاص الذين لا دين لهم . كما أنها أشارت أيضا الى أنه من الاشكالي التفريق ما بين التمييز المبني على الدين وأشكال التمييز الأخرى . ورأت أن استخدام تعبير التشهير غير مناسب مقترحةً أن يركّز النص على حرية التدين أو القناعة .

أن يكون هذا النقاش يشهد على اختلاف حساسيات حول المسائل الدينية بين بلدان من المؤتمر الاسلامي وبلدان غربية فهو مسألةٌ بدهيّة . وهذا يستحق تأملاً حول العلمنة النسبية للمجتمعات المعنية والاحالة الصريحة في البلدان الاسلامية الى القيم الدينية . ولكن هذا التأمل لم يلامس حتى عقول الموقعين الوقحين، الذين لعدم قراءتهم للنصوص التي يشيرون اليها بصفة عائمة، من خلال تشويه ارادي لمعناها، يرفضون مناقشة حجج الآخرين بطريقة عقلانية، ويفضلون ادانتها وهم يتخيلون مسرحة بذيئة تضع على الخشبة أشخاصا حقيقيين . مسرح الدمى، هذا، فجأة يحلّ محلّ لائحة بيّنات البيع .

هكذا تهجّم موقعو البيان بعنف على لويزا أربور، المفوضة السامية لحقوق الانسان للأمم المتحدة: يدينونها لكونها “شاركت في مؤتمر في طهران مكرس لحقوق الانسان والتنوع الثقافي . وقد ارتدت الحجاب، كما تفرضه قوانين الجمهورية الاسلامية، لقد كانت المفوضة السامية شاهدا سلبيا للاعلان عن المبادئ القادمة، التي تم تلخيصها في: الهجوم على القيم الدينية يعتبر عنصرية . الأسوأ من هذا، هو أنه عشية هذه الزيارة، تم شنق 21 ايرانيا، ومن بينهم العديد من الأحداث . وفي حضورها جدد الرئيس أحمدي نجاد دعوته الى تدمير “إسرائيل”” .

ومرة أخرى، يصل فنّ الخلط الى ذروته . ان النص المنشور في صحيفة “لوموند” من خلال الخلط بين الشيء ونقيضه، يراهن على حَنَق القارئ المضطرب من خلال تخدير حكمه النقدي . أن تلبس لويزا أربور حجابا في طهران، هذا واقع، لكن هل تستطيع أن تنظم في “إسرائيل” اجتماعا يوم السبت؟ الأنظمة الدينية لها اكراهات لا توجد في الأنظمة الأخرى . يمكن أن نظهر الأسف للأمر، ولكنهم يوجدون في بلدانهم . ان اهانة الدين، في بعض الدول، تعتبر شكلاً من أشكال العنصرية . هل يتوجب علينا اقناعهم بالعكس، وبأي طريقة؟ عقوبة الاعدام، تمارس بشكل قاس في ايران، ولكن الخصائص الفظيعة لنظام طهران لا تلخصه مع ذلك، والنظام السعودي لا يمكن أن يحسده على ذلك . خصوصا من صداقة الولايات المتحدة، حيث انه تم انتخاب رئيس من تكساس على أساس شهرته كمنفذ اعدامات، عنيد، ضد مجرمين مفترضين . من دون الحديث عن “إسرائيل”، البلد الوحيد في العالم الذي يقوم القناصة فيه باصطياد الفتيات لدى خروجهن من المدارس .

التصريحات الايرانية اللاذعة ضد “إسرائيل” تتعلق بمواجهة جيو-سياسية، يوجد موقف “إسرائيل” نفسه من بين معالمها الرئيسية . لو كانت “إسرائيل” قد طبقت حكم الاعدام على المدنيين الفلسطينيين بكثير من البصيرة منذ 60 سنة، ما كان لها أن تتسبب في مثل هذا الرفض من قبل جيرانها القريبين والبعيدين . ان الفلسطينيين، الرازحين تحت احتلال عسكري، والذين اقتطعت أجزاء من أراضيهم، والذين يتعرضون بشكل منتظم لقصف بالطائرات “الإسرائيلية”، يمتلكون أفضل الأسباب لكرهها . لكن لا يهم . ان الموقعين السجاليين، باتهامهم لأربور لزيارتها طهران، يجرّمون “صمتها وسلبيتها”، التي ربما كانت ستبررها ب”احترام القانون الايراني والحرص على عدم اهانة مضيفيها” .

يعلقون بأن “الكلب في بيته سلطان . الدكتور غوبلز هو الذي استخدم هذه الحجة الانتهازية، أمام عصبة الأمم سنة ،1933 كي يتخلص من كل انتقاد من قبل مؤسسة دولية عاجزة” . نتصور أنفسنا أمام حلم . لأن القياس بالقياس، يبدو التشابه مثيرا جدا ما بين الرايخ سنة 1933 والدولة العبرية التي تنتهك القانون الدولي منذ ،1967 ومثل سابقه القصي، فان “إسرائيل”، هي أيضا، “تتملص من كل نقد يأتي من مؤسسة دولية قوية” . وان كانت تفعل ما تفعل، فمن أجل غزو أفضل “لمجالها الحيوي من البحر الى غور الأردن”، حسب المعادلة التي استخدمها ايفي ايتمان وزير أرييل شارون، سنة 2002 .

“الجرائم السياسية الكبرى كانت دائما تحتاج الى كلمات لتمنحها الشرعية . الكلمة تعلن الانتقال الى الفعل”، هكذا يتفلسف الموقعون . هم ليسوا مخطئين: في 29 شباط، أشهر نائب وزير الدفاع “الإسرائيلي” ماتان فيلناي تهديد “المحرقة” ضد الفلسطينيين قبل أن يعلن بدء الحملة الدامية على غزة والتي أدت الى سقوط 110 ضحايا في اسبوع . ان الدول العبرية اجتازت، حتى ولو اقتضى الأمر مخالفة أحد المحرمات، حدا معنويا، قبل أن تطلق قوتها العسكرية: “انها انتقلت من الكلمة الى الفعل” . ولكن الأفضل تم الاحتفاظ به للنهاية . “الأيديولوجيات التوتاليتارية حلت محل الديانات . جرائمها ووعودها التي لم تنفذ في مستقبل مشع فتحت الطريق لعودة الربّ الى السياسة . ان 11 سبتمبر ،2001 أكبر جريمة ارهابية في التاريخ، جرت بعد بضعة أيام من مؤتمر دوربان، تم تنفيذها باسم الربّ” هل كان الأمر يتطلب جرأة من قبل الموقعين كي يربطوا ما بين 11 سبتمبر وقرارات مجلس حقوق الانسان؟ صحيح أننا أمام متخصصين .

يقولون: “عودة الرب الى السياسة” . مثقفونا يعرفون جيدا عما يتحدثون عنه: أليست “إسرائيل”، بلدا دينيا بامتياز؟ يؤكد تيوديور هيرتزل: “اذا كانت المطالبة بركن من الأرض شرعية، فان كل الشعوب التي تؤمن بالكتاب المقدس يجب عليها أن تعترف بحق اليهود” . تم ارساء الأمر من وجهة نظر توراتية، ومن هنا فان شرعية الدولة “الإسرائيلية” مسألة مبدئية: النص المقدس يأخذ مكان المِلْكية . ان عودة اليهود الى أرض “إسرائيل”، في نظر الصهاينة المتدينين، مندرجة في محكيّ العقد نفسه . ان الاستيلاء على الأرض التي منحها الربّ لليهود يشكل جزءا من مخطط الهي، وسيكون مخالفاً له التخلي عن هذا القربان . فجأة، ليس من مجال لأي حل وسط، مع العرب . في سنة ،1947 أكد الحاخام الأكبر لفلسطين الوضعية الثيولوجية لدولة “إسرائيل” القادمة .

“انها قناعتها القوية، أن لا أحد ولا فرد ولا سلطة مؤسسة، تمتلك الحق في تغيير وضعية فلسطين التي أرساها الحق الالهي” . الجنرال ايفي ايتمان، رئيس الحزب القومي الديني يشرح بدوره سنة 2002: “نحن الوحيدون في العالم، الذين نرتبط بحوار مع الربّ باعتبارنا شعبا، ان دولة يهودية، بشكل حقيقي، سيكون لها كأساسٍ الأرض، من البحر الى غور الأردن، التي تشكل المجال الحيوي للشعب اليهودي” . على الأقل، هذا التصريح واضح .

النتيجة أنه لا شيء يثير الاندهاش، في أن يكره اللوبي الموالي ل”إسرائيل” الأمم المتحدة: ان ميله الغريزي نحو الحق الدولي متناسب عكسيا مع افتتانه بالحق الالهي . صحيح أن الواحد مؤيد جدا ل”إسرائيل” الكبرى من الآخر . ان صدم قرارات الأمم المتحدة بالتوراة يتعلق باستثمار فكري وبمعجزة سياسية: وقد فعلت “إسرائيل” ذلك . بالنسبة للموقعين: “باسم الربّ ارتكبت أكبر جريمة ارهابية في التاريخ” . ليست مغلوطة هذه الحقيقةُ، بشرط أن ندرجَ في التحليل الدولةَ العبرية، هذا الشيء الاصطناعي الذي شيد بملقط الولادة على ركام فلسطين باسم التوراة والمحرقة .

في ما يخص ارهاب الدولة، فان دولة “إسرائيل” يمكنها أن تتباهى بقائمة جوائز خارج السباق . ان الهجمات الشنيعة في 11 سبتمبر تسببت في ضحايا أقل من حصار بيروت من قبل الجيش “الإسرائيلي” سنة ،1982 وان المعجبين الغربيين ب”إسرائيل” عليهم بالتأكيد أن يحسوا بالانتشاء من مآثر جيش قادر بسهولة على قتل أطفال بالصواريخ . يجب عليهم أن يذوبوا من الاعجاب أمام السجون “الإسرائيلية”، حيث بفضل القانون الديني، نتوقف عن تعذيب السجناء يوم السبت . دولة “إسرائيل” تستحق هذا الكم الهائل من المديح الذين يكيله لها المثقفون العضويون على طول أعمدة الصحيفة . وأي تكبّر، يدفع الأمم المتحدة الى حشر أنفها القذر في الشؤون الداخلية “الإسرائيلية” .

على منوال الافتراءات الفظيعة، فان الاتهامات المنشورة في صحيفة لوموند بتاريخ 27 شباط انتشرت على الشبكة . وأدّت في بعض المدونات الى اثارة تعليقات حاقدة لا نتجرأ على ذكرها . لقد تم وصف دودو ديين بأنه “المدافع عن طائفة منتهكي أعراض الأطفال وعن عبدة الحجر” . نقرأ فيها: “منذ الغزو الاسلامي فالهلال الخصيبُ أصبح هلالا عقيما، والحضارة هاجرت الى الغرب” . وفي ما يخص الأمم المتحدة، كتب أحدهم في الشبكة ملخصا على طريقته المقال المنشور في صحيفة لوموند: “الأمم المتحدة هي خلطٌ من الأوغاد الاسلامويين والعالم ثالثيين” . ما الذي ننتظره لازاله الأمم المتحدة؟ سيكون الأمر أكثر سهولة . اسلاموفوبيا معلنة، الحقد على العالم العربي، عجرفة غربية مذهلة، كل شيء يجد مكانه . انها عملية ناجحة، سيداتي سادتي المثقفون العضويون .

بشير البكر

المصدر: الخليج

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...