من يوقف الجرائم المرتكبة بحق التعليم في سوريا؟

10-03-2007

من يوقف الجرائم المرتكبة بحق التعليم في سوريا؟

الجمل- أبيّ حسن:   نتقلت الطفلة(ه. ع) الطالبة في الصف الثالث الابتدائي من مدرسة معاوية بن أبي سفيان الكائنة في حي ساروجة, إلى مدرسة خاصة في أشرفية صحنايا, فتحت ضغط أسئلة زميلاتها من في مايخصّ عدم كون والدتها, التي كانوا يرونها إبان أخذها لابنتها في نهاية الدوام, محجبة, وبسبب من أسئلة الطفلة ذاتها لوالديها لماذا لايصليان, خاف الأبوان على مستقبل ابنتهما من مصير هاتيك الأسئلة التي تعج فيها البيئة المدرسية الحاضنة لطفلتهما فلم يكن من خيار أمامهما سوى نقلها إلى مدرسة خاصة.
ليست حال الطفلة سابقة الذكر ومدرستها استثناء في بلادنا. فثمة طفلة أخرى تقطن في عش الورور, وهي في الصف الخامس الابتدائي, بدأت, فجأة, تصلي الأوقات الخمسة, ورويداً رويداً صارت تنزوي عن أهلها ومحيطها مفضلة الاعتكاف في غرفتها, ماسبب القلق لوالديها, خاصة أن ابنتهما ترفض الحديث معهما بأي شكل, من غير أن يعرفا سبباً لذلك!..
نستطيع أن تكهن بسبب أو أسباب تحول طفلة عش الورور إلى ما آلت إليه, حال ألقينا نظرة سريعة على مدرسة خاصة في دمشق, وكيفية تعاطي معلماتها مع المنهاج التعليمي الذي قررته وزارة التربية, ونوعية "النصائح" التوجيهية التي يزودون الطلبة بها. فقد سبق أن منعت, منذ قرابة السنتين, إحدى المعلمات في مدرسة "دوحة الرحاب" الخاصة في مزة فيلات غربية درس الفائدة من مادة الرياضيات بذريعة أن الفائدة حرام في الإسلام(؟!), في وقت حذفت زميلة أخرى لها درس التكاثر الجنسي عند الإنسان من مادة العلوم الطبيعية (ربما "اجتهدت" المعلمة, فاعتقدت أن الوزارة المعنية أخطأت في المقرر, لذا ارتأت حذف الدرس خوفاً على أخلاق الطلبة, وهي معذورة كونها لم تفرق بين درس تربوي مبني على أسس منهجية وعلمية وبين فيلم بورنو). مُدرسة أخرى في ذات المدرسة تقول لطلبتها: إن القمر من الناحية العلمية انشق, لكن النظر إليه بالتلسكوب حرام, لان هذا تشكيك بقدرة الخالق عزّ وجلّ, وأخرى تزود الطلبة بنصيحة "قيمة" مفادها: إن التثاؤب بفم مفتوح حرام لأن الشيطان يدخل إلى الجوف عن طريق الفم (؟!).
وأيضاً في مدارسنا ثمة معلمات ينصحن الطلبة الأطفال بمتابعة قناتي "المجد" و "اقرأ" الإسلاميتين, ربما كي يضمن الطلبة مقعداً لهم في الجنة. وتصفح الانترنت, من وجهة نظرهن, ليس "حراماً", لكن على التلامذة الأطفال اختيار المواقع "بعناية" حسب تعبير إحدى المعلمات التي تنصحهم بمشاهدة موقع سجن "أبو غريب".
بالعودة إلى انزواء طفلة عش الورور, وكمتلقي, أستطيع أن أتكهن بأن معلمة هذه الطفلة, تصور لهم أن كل من لا يصلي سيحرقه الله بالنار إلى أن ينضج جلده, وكلما نضج جلده استبدله بجلد آخر. ولأنها طفلة, يمكننا أن نتصور كيف تتخيل أن الله يعاقب والديها كونهما لايصليان, ومن يدري.. ربما يشتط بها خيال الطفلة, فتتوهم إن والديها سيصبحان شاورما وكبب وشقف الخ... وباعتبار أنها طفلة أعجز من أن تفصح بما يعتمل في طيات نفسها من أفكار وهواجس ومخاوف تتعلق بمصير محيطها العائلي الذي لايصلي, سنتفهم عندئذ انزواءها عن أهلها وانكفائها عنهم.
من الطبيعي أن ينتابنا الخوف والقلق إزاء المفردات التعليمية التي يتلقاها الطلبة في بلادنا. ومن نافل القول إن هذا التوجه, الذي أشك كونه رسمياً, ينساق مع العودة إلى الأصولية و الماضوية التي بإمكاننا إدراك أسبابها, بكل مافيها من تخلف, ولعل المعنيين بالتعليم يدركون أكثر من غيرهم أنهم لن ينتصروا في "معركة المصير" من خلال إعدادهم لجيل كامل من الطلبة معاق عقلياً وفكرياً, هذا إن لم نقل إنهم يعدون لجيل, من حيث يدرون أو لا يدرون, يتسلح بعدة تكفيرية عوضاً عن تسليحه بأدوات التفكير المبدع الحر والخلاّق الذي من شأنه وحده بناء إنسان حر ومعافى من عقد الماضي ولديه المقدرة على الدخول والعيش في رحاب القرن الحادي والعشرين عوضاً عن الاكتفاء ببداوة القرن السابع الميلادي وزاده "المعرفي", وإلا كيف نفسر مايجري في مدارس الطلبة, لاسيما المرحلة الابتدائية, وهي أخطر مرحلة تعليمية لما لها من علاقة وطيدة في البناء العقلي للطفل؟.
وستزداد مخاوفنا على مصير التعليم, ومخاوفنا من الجيل الذي ستفرزه هكذا آلية متبعة فيه, إذا ماتذكرنا الرسالة التي سبق أن رفعها عدد من السادة المشايخ إلى السيد رئيس الجمهورية, ومن المعروف أن تلك الرسالة وصمت التعليم المختلط بالآفة والشذوذ والموبق الخ...
وإن كنا نأبى الدخول في مجادلة مع هؤلاء المشايخ الذين لاتتجاوز حدود ثقافت بعضهم سقف الاستنجاء, خاصة أنهم ورثة الغزالي معرفياً وهو القائل :"السلامة في الإتباع والخطر في البحث عن الأشياء", ومعروف أن هذا الأخير صاحب القول الشهير: "لاتكن بحاثاً عن علوم ذمّها الشرع", وكان عنده طائفة من العلوم سماها "بالعلوم المذمومة" منها الطبيعيات والفلسفة, فبرأيه أن بعضها "مخالف للشرع والدين والحق, فهو جهل وليس بعلم.. وأما علومهم في الطبيعيات فلاحاجة إليها".
يبقى أن نأمل, أن تأخذ وزارة التربية وكل الحريصين على مستقبل أبناء هذا الوطن وحسن التعليم فيه, هذا الأمر على محمل الجد, وإلا لن نستغرب أن نشهد في سوريا جيلاً طالبانياً بامتياز.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...