التدخين مرض والمدخن مصاب

30-01-2007

التدخين مرض والمدخن مصاب

بين مؤيد ومعارض ، وأناس يقولون ابتلينا بها وبسمومها ونحن لاندخن، وآخرون يردون لانستطيع التخلي عنها، يبقى السؤال هل التدخين آفة مرضية أم آفة اجتماعية؟

لانعتقد أحداً ممن يدخن لايريد التخلي عن سيجارته ولكن قد يطول الأمر، أو قد يرفض نهائياً، فهل هو ضعف في الارادة أم ضغوطات الحياة أم حجج وهمية يسوقها البعض هنا وهناك لعدم التخلي عن هذه السيجارة فما العمل؟ ‏

وهل صحيح أننا أمام أزمة صحية وبيئية حقيقية، فكما يقول الدكتور محمد عزام فريد سخيطة الباحث الدولي في الادمان النفسي والسلوكي أن هذا الخلل في التوازن السلوكي للأفراد والمجتمع على حد سواء ليس مرده التخلف والتردي بل انه وبكل أسف المرض الذي بات يعصف بشكل كارثي على الكثير من البلدان. ‏

يرى الباحث الدولي الدكتور سخيطة أن الكثير من المفاهيم الشائعة حول التدخين والمخاطر الناجمة عنه هي في معظمها مفاهيم مغلوطة، وهذا يعود إلى سببين الأول يكمن في غياب التوعية والارشاد لتحذير المدخنين بشكل منهجي من المخاطر كتلك الناجمة عن استخدام الوسائل الحديثة في زراعة التبغ وما يرافقها من استخدام للمبيدات والأسمدة التي تترك بقاياها على أوراق التبغ، اضافة الى استخدام المنكهات والتي تعتبر بعضها شديدة الخطورة، أما السبب الثاني فيكمن في الدعاية المكثفة من قبل الشركات المصنعة للتبغ، والتي تروج لآفة التدخين ضاربة عرض الحائط بصحة الناس والبيئة والمجتمع سعياً وراء الربح. ‏

فهناك الكثير من المخاطر المتعلقة بالتدخين والتي باتت معروفة لدى الكثيرين ومع ذلك تجد القلّة القليلة تنجح في الاقلاع عنه، وذلك بسبب تفشي هذا المرض النفسي السلوكي. ‏

الدكتورة لبنى حويجة اختصاصية أمراض التنفس واضطرابات النوم تقول: أن تعاطي التدخين لم يعد مجرد عادة او ادمان بل بات يعتبر اليوم مرضاً وفقاً للتصنيف العالمي للأمراض المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية، فالدخان المستنشق من السجائر والأركيلة يعتبر من العقاقير الكيميائية السامة التي تؤثر سلباً على سلامة وصحة المصاب بداء التدخين وله أعراضه المباشرة وأعراضه الجانبية ، اضافة الى المضاعفات المختلفة القريبة الأجل وبعيدة الأجل، كما هو الحال مع معظم العقاقير الكيميائية، ولعله من المؤسف أيضاً أن هذه المخاطر تطول أيضاً كل من هم حول المدخن المصاب أي أولئك ممن يسمون المدخنين السلبيين في البيوت وأماكن العمل والأماكن العامة. ‏

وتؤكد الدكتورة حويجة أن المرض يعتبر سبباً رئيسياً في اضطرابات النوم كما أنه يزيد من حدة الشخير عند المصابين ومن يعيش معهم على حد سواء. ‏

فأكثر من 90 نوعاً من منتجات التبغ الموجودة في الأسواق العالمية لاتحمل معلومات دقيقة عن محتويات العبوات، كما لايخلو المعسّل مهما كان نوعه من مادة النيكوتين التي تحقن في داخله. ‏

فالتدخين هو المسبب الرئيسي لسرطان الرئة والفم والمري والمعدة والأمعاء الغليظة والبنكرياس والمثانة والرحم وبعض أنواع سرطان الدم. 
 ويسبب التهابات الشعب الهوائية المزمنة وأمراض القلب والشرايين ويشوّه الأسنان ويفقد البشرة نضارتها ويزيد من هشاشة العظام، كما تبين الدراسات أن التدخين يقصرّ من عمر المصاب، بحيث أن أعمار المرضى تقل في المعدل بنحو 10 سنوات عن أعمار نظرائها من الأصحاء غير المدخنين. وتعتبر آفة التدخين من أهم الأمراض المؤدية للموت المفاجىء والمبكر، ويؤثر لدى الأم الحامل على سلامة نمو الجنين، أيضاً تؤكد الدراسات على زيادة نسبة العقم بين المرض من الجنسين وزيادة نسبة الاجهاض المبكر بين الحوامل المدخنات أيضاً المصابون من الجنسين أكثر عرضة لفقدان البصر في مرحلة متقدمة من العمر بمقدار الضعف عن نظرائهم من الأصحاء. ‏

عمل الدكتور سخيطة في الثمانينيات من القرن المنصرم مع الباحثين اليوغسلاف في المصح Dom zdrarlje المتخصص بمعالجة الادمان بضاحية «الديدينيا» في مدينة بلغراد، حيث تبين أن مادة النيكوتين في تبع السجائر لاتقل في قدرتها على الإصابة بالادمان على الكوكايين والهيروين والمورفين والكودئين، وهذا مايجعل صعوبة التعافي من مرض التدخين والاقلاع عنه واضحاً لدى الكثير من المصابين. ‏

وبرهنت الدراسات التجريبية التي قام بها الدكتور سخيطة مع باحثين آخرين في قسم الكيمياء بمركز البحوث في بلغراد أوائل التسعينيات من القرن الماضي أن الطفل الذي يولد ويعيش في بيت أحد الأبوين مصاباً، يستنشق على أقل تقدير دخان مايقارب الـ 3000 سيجارة وذلك حتى بلوغه السابعة من عمره، كما أن هذا الرقم يتضاعف فيما لو ازداد عدد المصابين القاطنين في نفس البيت أو حين يكون البيت صغيراً أو غير مستوف للشروط الصحية. 
 يؤكد الدكتور سخيطة ان المصابين الذين ينجحون في الاقلاع عن التدخين من أول محاولة ودون مساعدة طبية أو اجتماعية هم للأسف قلّة قليلة، ومعظم هؤلاء يعانون من اضطرابات نفسية كالكآبة المزمنة والاضطراب الشديد في المزاج وجنون العظمة وجنون الارتياب والاضطراب الهوسي والفصام وغيرها لذلك يمكن تصنيف المصابين ضمن شرائح لمساعدتهم على التعافي والاقلاع عن التدخين قدر المستطاع، ومن أهم الشرائح 1ـ المصابون من المدخنين الثانويين (التدخين السلبي) 2ـ المصابون من الأطفال والمراهقين دون سن الـ 15 عاماً. 3ـ المصابون من الشباب ومتوسطي العمر . 4ـ المصابون ذوي الشكايات النفسية والعضلية. 5ـ المصابون من كبار السن والكهول. 6ـ المصابات من الحوامل. 7ـ المصابون المكتومون أي الذين لايعترفون أنهم مدخنون. ‏

وتعتبر الشريحة الرابعة من أصعب الشرائح وأكثرها مقاومة لتغيير سلوكها الادماني المرضي الأمر الذي يتطلب أسلوباً متميزاً في المعالجة من قبل فريق متمرس في مجال الاقلاع عن التدخين مكون من طبيب صحة وطبيب نفس ومرشد اجتماعي، ودلّت الاحصاءات على أن المدخنين من هذه الشريحة يستهلكون وحدهم 44% من إجمالي السجائر المستهلكة في السوق الاميركية، ونسبة المصابين من هذه الشريحة تتراوح بين 50 ـ 80% في البلدان المتقدمة والغنية وفي البلدان الفقيرة تتجاوز 90% ويذكر الدكتور سخيطة أن الادعاء بأن التدخين يساعد المصاب على التركيز وايجاد الحلول أو في الترويح عن النفس مجرد أوهام، ومع ذلك فإن للنيكوتين فوائد قليلة تكاد تكون حكراً على المصابين بداء التدخين من الشريحة الرابعة دون سواهم، لأن النيكوتين يحسّن من سلوك المرضى ذوى الاضطرابات والأمراض النفسية والعقلية ويزيدهم رغبة في التعاون أثناء المعالجة، لكن يجب التحكم بكمية النيكوتين المسموح استهلاكه يومياً من قبل المريض.

سناء يعقوب

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...