«سبعة حجارة للخاطئة».. غاتا الشاعرة وغاتا الروائية

25-11-2013

«سبعة حجارة للخاطئة».. غاتا الشاعرة وغاتا الروائية

رواية الشاعرة والروائية فينوس خوري غاتا، صادرة عن «دار الساقي»، تتقدم إلى قارئها عبر حكاية عن امرأة في ظل أعراف تنتهك إنسانيتها وتدفعها إلى المغامرة بحياتها بحثاً عن أدنى حق من حقوقها في قرية تختصر اسمها الحكاية، إنها قرية «خوف». في «سبعة حجارة للخاطئة» يُحكم على نور بالرجم حتى الموت بعد أن يُكتشف حملها من رجل غريب يعمل مهندساً في القرية الصحراوية النائية، الخاضعة للأعراف والتقاليد البالية. تنتصر «الغريبة» التي جاءت إلى القرية ضمن حملة إغاثة، لقضية نور، وتنجح في إقناع الملا بتأجيل الرجم ريثما تضع نور مولودها. أمينة، خادمة الغريبة وصديقة نور المقرّبة، تسهم في المساعدة بعد أن تخلّى أبناء نور الثلاثة عنها، وغرق زوجها في السكر والضياع، ومن ثم تقتفي أمينة أثر نور كفراشة تقتفي أثر ضوء سيحرقها.
مُلخّص يضيء على رواية «سبعة حجارة للخاطئة» التي تنجو من كلاسيكية الطرح بسبب قوة الأداء الفني للكاتبة. ثمة في الرواية، تلك الحالة الدهليزية حيث كثافة الحياة مُعطاة، مُنبسطة، مُحاذرة الوقوع في التحطم نتيجة لتتويج نظام من الإشارات الدالة التي استخدمتها خوري بذكاء. الرواية، أو حكاية نور، تصنع من الحياة مصيراً، ومن الذكرى فعلاً مفيداً، ومن ديمومة البحث والتقصي زمناً موجهاً ودالاً. كل هذه الأحداث وجذرها البحث عن نور الخاطئة، لا تُنجز إلا في عيون المجتمع. فالمجتمع هو الذي يفرض الرواية بحسب بدائيته او تحضّره، أي يفرض مجموعة من الإشارات باعتبارها تعالياً وانتصاراً لقيم إنسانية، وتاريخاً لها.
نستطيع أن نتبيّن الطبيعة العلائقية بين اللغة الشعرية وتلك الروائية في عملية تساوٍ من دون اختلال. وفي رأيي ان بعض المواضيع الشاعرية في النص الروائي هنا تُسيّرها حركة مماثلة روائية نموذجية ليست أقل تماسكاً وقوة. وفي تعاقب المشاهد، ترضخ الكاتبة بحسب الحدث الذي تدوّنه، إلى طلاوة اللغة وشاعريتها، وفي المقابل تواصل السرد الذي يستدعي التكثيف والإخبار بدلالة إبداعية وافية. فالمشاهد عند خوري تكتسب خصوصية كتابتها بحسب ما يجيء فيها، وتكتبها ككتلة متراصة، وعن طريق الخلق لا عن طريق ترتيب طراز قديم يراعي السرد الذي يُطابق حدود مناصفة ما، بين كتابة شعرية وأخرى أقل شاعرية: «ينتظرك الليل في الخارج، وضباب من الحشرات التي تحبسك داخل حلقتها. تطردينها بيديك الإثنتين، وتبتعدين مصممة على ألا تعاودي الزيارة مرة أخرى».
في «سبعة حجارة للخاطئة» سعادة حقيقية قوامها لذة اكتشاف ما خلف السطور. جاءت خوري إلى عالم الرواية بأكثر من ثقافة واحدة، أرخت بسمات على نصها السردي هذا، فهناك ذلك الولع المدهش بالمواقف المحيرة التي تطرح على القارئ فيضاً من علامات الاستفهام، وهناك أيضاً ذلك الافتتان بالأشكال والمواقف والشخصيات (نور، الغريبة، أمينة) التي تتقاطع بها الصدفة والقدر، وتنغمس في توجه رمزي حافل بالتوتر والغموض معاً. ولا تتردد الكاتبة في دعم نسيج المشاهد والأحداث من خلال تفاصيل يتم احكامها بهدوء، وببعض الأسئلة الميتافيزيكية أحياناً، ولا يملك القارئ إلا الشعور بأن الأحداث والموضوعات وشخوصها الغريبة، بل والحوار ورسم الأُطر والشخصيات، كل ذلك تم ترتيبه لخلق نوع من الحكاية ذات تصور فنّي خاص وغاية خاصة.
بُنيت رواية خوري على شكل منهجي تماماً، يختلف كلياً عمّا نراه في ظاهريتها من شكل شاعري يولي اللغة وغرابة التوصيف الكثير من الاهتمام. انه شكل متجانس من دون استطراد حول موضوع واحد يُسرد بإيقاعات مختلفة، ويُقارب ان يكون مسرحياً في بعض المواضع. بناؤه مأخوذ من غبن المرأة التاريخي مع تدخلات فيها الكثير من الرحمة لمحاولة إفلات «نور» من قدرها المحتوم.

عناية جابر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...