مسرح الحرب في شبه القارة الهندية إلى أين

23-09-2010

مسرح الحرب في شبه القارة الهندية إلى أين

الجمل: تشهد ساحة مسرح الحرب في شبه القارة الهندية المزيد من التطورات البالغة التعقيد، وفي هذا الخصوص تعكس تطورات الأحداث والوقائع الجارية في كل من أفغانستان وباكستان تعقيدات بدأت تلقي بظلالها على مجريات الصراع الجاري في مشروع الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب في هذه المنطقة: ما هي طبيعة ومكونات هذه التعقيدات؟ وما هي تداعياتها على أطراف الصراع وعلى مستقبل الحرب في هذه المنطقة؟
* مسرح الحرب في شبه القارة الهندية: توصيف الوقائع الجارية
تقول المعلومات الجارية بأن مسيرة العمليات العسكرية التي تقوم بها حالياً القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو وبقية القوات الدولية الموجودة في المنطقة، هي مسيرة سوف تواجه منعطفاً فائق الحساسية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• الصراع في أفغانستان: وينطوي هذا الصراع على ثلاث مسارات أحدهما المسار السياسي الداخلي والخارطة أفغانستان وتوزع حركة طالبان ثاني هو المسار العسكري الداخلي أما الثالث فهو المسار الدبلوماسي المزدوج (الدولي والإقليمي). وفي هذا الخصوص نلاحظ الآتي:
- المسار السياسي الداخلي: انعقدت جولة الانتخابات البرلمانية العامة خلال الأسبوع الماضي ومن المتوقع أن تظهر نتائجها في مطلع شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم، وما هو مهم في هذه الانتخابات أنها تمت بمشاركة حوالي 40% من إجمالي عدد الناخبين المسجلين وذلك أولاً بسبب مقاطعة حركة طالبان التي تجد دعم السكان المحليين إضافةً إلى عزلة حكومة الرئيس كرزاي، وأيضاً المخاطر الأمنية المحدقة.
- المسار العسكري: في هذا المسار ما زالت الأوضاع كما هي عليه: حركة طالبان تتمتع بالتمركز وحرية الحركة في المناطق الريفية، والحكومة تسيطر على العاصمة كابول، أما القوات الأمريكية وقوات الناتو والقوات الدولية الأخرى فهي تتمركز في قواعدها المنتشرة في مناطق أفغانستان المختلفة وتكتفي بالقيام ببعض العمليات لاستهداف معاقل حركة طالبان، وبالمقابل ظلت حركة طالبان تكتفي بالعمليات التعرضية السريعة.
- المسار الدبلوماسي المزدوج: وفي هذا المسار نلاحظ أن بعض الأطراف الدولية المتورطة في الحرب أصبحت أكثر اهتماماً بضرورة السعي للتفاوض مع حركة طالبان، وبقيت أطراف أخرى أكثر اهتماماً بضرورة تحديد جدول واضح لانسحاب القوات من أفغانستان، وبقيت أطراف أخرى أكثر اهتماماً بضرورة استمرار الحرب ولكن ضمن مستوى منخفض الشدة.
تشير التوقعات إلى أن ظهور نتائج الانتخابات سوف يؤدي إلى المزيد من التعقيدات الجديدة، خاصةً وأن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي سوف يبقى في مكانه إضافة إلى أن البرلمان الجديد سوف يكون سقف الحرية السياسية المتاحة أمامه محدوداً بسبب النفوذ المطلق لسلطات الاحتلال الأمريكي والدولي.
• الصراع في باكستان: أصبحت باكستان أكثر خطورةً من أفغانستان بالنسبة لواقع الصراع الحالي، وفي هذا الخصوص نشير إلى مسارات الصراع الباكستاني على النحو الآتي:
- المسار السياسي: تدور خلافات بين أطراف التحالف الحاكم الباكستاني في ظل تزايد نفوذ قوة المعارضة السياسية التي أصبحت تحت قبضة الجماعات الإسلامية، وعلى الأغلب أن نشهد خلال الفترة القادمة المزيد من الانقسامات داخل البرلمان الباكستاني.
- المسار العسكري: تدور في باكستان مواجهات ذات طبيعة ثلاثية: فهناك أولاً العمليات الجوية العسكرية التي تقوم بتنفيذها الطائرات بدون طيار الأمريكية والتي تسعى للقيام بالاغتيالات المستهدفة لرموز حركة طالبان وتنظيم القاعدة وغيرهم ضمن ما أطلق عليه خبراء مكافحة التمرد الأمريكيين تسمية عمليات «تصفية البنية التحتية للإرهاب»، و ثانياً هناك العمليات العسكرية البرية التي تقوم بها قوات الجيش الباكستاني ضد معاقل حركة طالبان باكستان؛ ثم هناك العمليات العسكرية السرية، وهي تتمثل في التفجيرات اليومية التي ظلت تحدث ومازال الكثير منها مجهول المصادر. وفي هذا الخصوص تقول بعض المعلومات بأن الشركات الأمنية الأمريكية المتغلغلة في باكستان هي التي تقوم بإجراء هذه التفجيرات بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي بهدف إعطاء قوة دفع أكبر لمحفزات الصراع.
- المسار الدبلوماسي: وفي هذا المسار تتفاعل جملة من العوامل أبرزها العامل الأمريكي الذي يضغط حالياً باتجاه استخدام كارثة السيول مما يتيح لواشنطن ابتزاز الحكومة الباكستانية عن طريق تقييد تقديم المساعدات مقابل الحصول على التنازلات من إسلام آباد والتي سوف لن تكون أقل من موافقة إسلام آباد لاستضافة المزيد من القوات الأمريكية مع إطلاق حرية العمل داخل وخارج باكستان لهذه القوات مع ملاحظة أن التنازلات المطلوبة أمريكياً تتضمن في جزء منها الضغط على إسلام آباد لجهة القبول لتحويل محافظة بلوشستان الباكستانية إلى إقليم يتمتع بسلطة الاستقلال والحكم الذاتي، ليكون حصراً في يد النخبة البالوشية والتي بالطبع سوف تعمل لجعل الإقليم يكون على غرار إقليم كردستان العراقي وربما أكثر خطورةً من ذلك خاصةً وأن الحركات البالوشية السنية المسلحة وحلفاءها من الحركات السلفية الأخرى سوف لن تتردد في استغلال الفرصة وتحويل الإقليم إلى قاعدة لاستهداف إيران بما يمكن أن يؤدي إلى إطلاق حرب سنية-شيعية عابرة للحدود الإيرانية-الباكستانية.
على خلفية هذه المدخلات تقول المعلومات والتسريبات بأن الإدارة الأمريكية تنخرط حالياً في إعداد إستراتيجية جديدة لجهة التعامل وفق المعطيات الجديدة الجارية مع مسرح الحرب في منطقة شبه القارة الهندية، وبرغم أن الكثير من الحديث حول احتمالات انسحاب القوات الأمريكية قد دار في واشنطن قد دار خلال الشهرين الماضيين، فإن انتخابات الكونغرس الأمريكي النصفية والتي سوف تنعقد جولتها في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، إذا ترتب عليها صعود الجمهوريين وسيطرتهم على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، فإن الحديث عن أي انسحاب أمريكي من أفغانستان سوف يكون احتمالاً غير وراداً، وذلك لأن التشديد على استمرار الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان والعراق والسعي لتوسيعها أكثر فأكثر هو من ثوابت الخطاب السياسي الجمهوري الأمريكي التي لا تتزحزح.
* ترسيمات ملامح السيناريو القادمة
بسبب كثرة التعقيدات الداخلية والخارجية الخاصة بمسرح الحرب في شبه القارة الهندية وارتباط هذه الحرب بمشروع الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب، فقد أصبحت هناك العديد والكثير من العوامل الحاكمة لجهة تشكيل وصياغة ملامح السيناريو القادم، وما هو أكثر أهمية يتمثل في تأثير نوعين من المتغيرات هم:
• متغير الرأي العام الأمريكي: كلما كانت أغلبية الرأي العام الأمريكي معارضة للحرب، كلما كانت احتمالات الانسحاب الأمريكي أكبر، ولكن المشكلة الحرجة تتمثل في أن المدخلات التي تؤثر على الرأي العام الأمريكي كثيرة منها التحيز الإعلامي الداعم للحرب بفعل نفوذ اللوبيات، إضافةً إلى أن هناك العديد من الأطراف التي تسعى إلى التأثير على هذا الرأي عن طريق تنفيذ العمليات السرية مثل التفجيرات والاغتيالات وما شابه ذلك بما يجعل الرأي العام الأمريكي واقعاً تحت تأثير الوقائع المصنوعة لجهة تحفيزه نحو تبني المنظور القائل بأن الإرهاب المهدد لأمريكا ما زال ماثلاً ومتزايداً وبالتالي يتوجب على الإدارة الأمريكية الاستمرار في خوض هذه الحرب.
• متغير الرأي العام الأفغاني-الباكستاني: كلما كان هذا الرأي العام داعماً للحركات المسلحة التي تتطلع بأعباء المقاومة ضد القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو، كلما كانت ضغوط الخسائر أكبر لجهة إجبار قوات الاحتلال على الانسحاب والخروج، ولكن تماسك الرأي العام يواجه العديد من العوامل السالبة التأثير منها على سبيل المثال لا الحصر: ضغوط الكوارث الطبيعية وضغوط التدهور الاقتصادي إضافةً إلى الخلافات القبلية والطائفية.
وإضافةً لذلك نلاحظ أن هذين المتغيرين من الصعب الافتراض بأنهما يتمتعان بالاستقلالية، وذلك لأن المتغيرات الأخرى غير المستقلة أصبحت تسعى لبرمجة وترتيب الوقائع والأحداث التي توجه هذين المتغيرين المستقلين، ومن أبرز هذه المتغيرات نجد تأثير العامل الهندي الذي يسعى لابتزاز باكستان بما يتيح لنيودلهي الحصول على كشمير كاملةً غير منقوصة، عامل النخبة السياسية الباكستانية، العامل الصيني، العامل الروسي، العامل الإيراني إضافةً إلى تأثير العامل الإسرائيلي المزدوج سواء عن طريق الانخراط في الإشراف على تنفيذ العمليات العسكرية السرية داخل المسرح الأفغاني-الباكستاني أو تنفيذ العمليات السرية السياسية في أمريكا لجهة الضغط على مركز صنع واتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية. وبكلمات أخرى، يمكن الاستنتاج بأن مشهد خروج القوات الأمريكية من شبه القارة الهندية في الظروف الحالية هو غير ممكن إن لم يكن مستحيلاً في الوقت الحالي، وربما يستغرق الأمر بعض الوقت لكي نتوقع بإيجابية حدوث مثل هذا الخروج، وعلى ما يبدو أن هذا الأمر سوف يتوقف حصراً على مدى قدرة المعارضة المسلحة في إلحاق الأضرار الكبيرة بالقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو بما يمكن أن تترتب عليه تعريض واشنطن وحلفاءها إلى عملية إجهاد إستراتيجي كبيرة تضطرهم إلى قبول خيار الانسحاب والخروج.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...