سوريا في فم الخطر

11-10-2006

سوريا في فم الخطر

أخيرا صرح الرئيس السوري بشار الأسد بأنه يتوقع عدوانا عسكريا إسرائيليا على دمشق في أي لحظة، وسيان ما هو الهدف من هذا التصريح وتوقيته، يبقى أنه يصف الواقع الفعلي، وإن لم يترتب على التصريح ما ينبغي أن يُصنع فعلا لمواجهة العدوان.

فقد ظهر أن الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد لبنان، كانت مدبرة بتخطيط إسرائيلي-أميركي، وبهدف ولادة "شرق أوسط جديد"، أي أنها كانت ضمن مخططات تشمل سوريا على وجه التخصيص، من بين حلقات ما بات يوصف بمحور يضمها مع إيران ومنظمات المقاومة بلبنان وفلسطين.

اختيار لبنان قبل سورية مقصود، وعلى وجه التحديد على خلفية الحرص على إثارة نعرات طائفية في المنطقة عموما، كما جرى في العراق، ولا يعني ذلك غياب عوامل عديدة أخرى، منها لفت الأنظار عن مسلسل العجز الأميركي عسكريا والانحطاط أخلاقيا، في محطات أفغانستان والعراق، وفي بؤر أبو غريب والفلوجة وغوانتانامو وسواها، علاوة على العجز الإسرائيلي عن إنهاء الانتفاضة الثانية في اتجاه تصفية القضية، فبدلا من ذلك وصلت حماس إلى السلطة.

العدوان على لبنان كان مطلوبا لذاته ولأنه بوابة العدوان على سوريا أيضا وعلى المحور المشار إليه، وما يتصل بالعدوان الإسرائيلي في المنطقة عموما لا يختلف من رئيس أميركي إلى آخر، إلا اختلاف الأساليب، ففي مخططات واشنطن سلسلة من المهمات المقررة أميركيا بغض النظر مَن يكون الرئيس الآني، وتشمل المنطقةَ الإسلامية، بدءا بأفغانستان، مرورا بالعراق، وصولا إلى سوريا بعد لبنان، ومن المرجح الوصول إلى مصر والسعودية لاحقا.

وكان قد بدا لبنان في هذا الإطار هو الخاصرة الأضعف في المنطقة، وأن السيطرة الصهيو-أميركية المباشرة أو غير المباشرة عليه، يمكن أن تنقل إلى الخطوة التالية في سورية، تمهيدا لما يليها.

وانطلاقا من رؤية حلقات مسلسل العدوان على المنطقة، لا ينبغي للسلطات السورية الاطمئنان إلى وهم دفع هذا الخطر من خلال مناورات ما حول ما يريده العدو الأميركي من سوريا على صعيد العراق، أو "الإرهاب"، أو سوى ذلك، فمخطط الهيمنة مع التطويع الشامل أقدمُ زمنيا من هذه العناصر، وأبعد هدفا منها، وينطوي على هجمات متوالية بغض النظر عن التغيرات الجانبية والمناورات الجزئية.

وبات معروفا أنه بدأ بالحديث عن "محور الشر" في وثائق "المحافظين الجدد" قبل انتقالها إلى مستوى تصريحات رسمية بسنوات، وبالحديث عن "العدو الإسلامي البديل" قبل أحداث نيويورك وواشنطن وغزو أفغانستان بسنوات.

وإذا كان الجديد في هذا المخطط عموما هو التحرك العسكري الأميركي المباشر، فإن حلقة العدوان على لبنان اعتمدت على الأسلوب التقليدي في تحركات التطويع الإقليمي، أي عسكريا على الشريك الإسرائيلي أو بعض القوى الإقليمية التي سبق تطويعها أو سبقت تبعيتها، وسياسيا على التسلط الأميركي على صناعة القرار الدولي عبر مجلس الأمن الدولي في نيويورك وخارج نطاقه.

لم تحقق الحرب ضد لبنان أهدافها العسكرية المعلنة، ولم تخرج المقاومة منها منكسرة، وما يُصنع على الأرض لا يُمكن القضاء عليه عبر الانحياز في سياسات دولية وإقليمية ومحلية، بما في ذلك جلب قوات دولية لتقوم بما عجزت القوات الإسرائيلية عنه، وبتعبير آخر موجز، أرجعت حصيلة القتال أوضاع المنطقة إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وربما إلى وضع "أسوأ" بمنظور مخططات الهيمنة الصهيو-أميركية.

هذه حصيلة تستدعي في الأصل التفاؤل والقول إن مسلسل انهيار دعائم المشروع الصهيو-أميركي مستمر، ولكن التفاؤل لا يفيد إلا بقدر ما يقترن بمخططات وتحركات مضادة لإيجاد مزيد من الأسباب على أرض الواقع ليستمر ذاك المسلسل.

وإذ لا يُنتظر التحرك المضاد على مستويات رسمية، يبقى التركيز على الأرضية الشعبية، كتلك التي انبثقت منها -في أشد الظروف صعوبةً وتعقيدا- نواةُ المقاومة الشعبية القادرة على التحرك في فلسطين ولبنان، وتحقيق الإنجازات تدريجيا على طريق مزروعة بالتضحيات الكبيرة.
لقد كشفت المواقف المرافقة للحرب العدوانية ضد لبنان، أن الجبهة العربية والإسلامية التي كانت ضعيفة متصدعة وجامدة إلا في حالات المشاركة المباشرة وغير المباشرة في بعض حلقات العدوان على المنطقة، كما كان في الحرب الأولى ضد العراق، وفي استكمال أسباب حصار حماس بعد تشكيلها الحكومة الفلسطينية.

والتفاؤل لا يعفي من ضرورة أن يوضع في الحسبان أن الطرف الآخر لن يقف عند حدود ما تلقى من انهيارات ونكسات. والحديث الغربي والعربي عن محور يتشكل من إيران وسوريا ومنظمات المقاومة في لبنان وفلسطين، لا يسلط الضوء على حقيقة هذا المحور وحقيقة تماسكه ومفعوله، بقدر ما يكشف عن أن استهدافه سيكون في صلب جهود ما بعد الحرب التدميرية في لبنان.

وتمثل إيران هنا عقدة عصية على الاستهداف بالوسيلة العسكرية، لاسيما في المرحلة الحالية. كما ظهر فلسطينيا ولبنانيا أن المقاومة الشعبية رقم أشد صعوبة، فالحرب كانت ضد لبنان فدُمر، وضد المقاومة فكانت الحصيلة أقرب إلى انتصارها على العدو المتفوق عدة وعددا.

ومن هنا أيضا يبدو أن التعجيل في هجمة عدوانية أخرى قد أصبح مطلبا مرجحا بمنظور الإسرائيليين بعد ما أصابهم من الخزي في الساحة العسكرية الحقيقية جنوب لبنان، يوما بعد يوم، على مدى أسابيع عديدة.

إن سوريا هي الهدف القريب التالي، إسرائيليا وأميركيا، سياسيا وعسكريا، لاستكمال القليل الذي تحقق والكثير الذي استحال تحقيقه عبر بوابة لبنان.

وسيان ما هي الإعدادات العسكرية السورية، وما هي العلاقات الدولية التي يُحتمل أن تعول السلطة السورية عليها، يبقى أن موازين القوى العسكرية ستكون على غرار ما وقع في العراق، عندما انهار النظام وقواته النظامية وشبه النظامية دفعة واحدة، وليس على غرار لبنان، حيث استطاعت آلة التدمير العسكرية القضاء على البنية الهيكلية للدولة، ولم تستطع القضاء عليها، ليس بسبب قوتها الذاتية، وإنما نتيجة للمقاومة وصمودها.

ما الذي يمكن أن تتعرض له سورية في حال استهدافها عسكريا بعدوان إسرائيلي أو إسرائيلي-أميركي؟

لقد سعت السلطة السورية ما استطاعت للحفاظ على معادلة إقليمية ودولية معها عبر مقولة إن البديل عنها لن يكون إلا بديلا إسلاميا أشد معارضة لأهداف الهيمنة العدوانية من السلطة الحالية.

على أن الهدف لن يكون إسقاط النظام بالضرورة وإن سقط فعلا، فلن يمنع من العدوان "التخويفُ من بديل إسلامي"، فالمطلوب هو توسيع النطاق الجغرافي لانتشار "الفوضى الخلاقة"، سيان ما ينبثق عنها، فآنذاك يكون لكل حادث محلي جديد حديث أميركي آخر.

سورية هي الهدف العسكري القادم للثكنة العسكرية الصهيو-أميركية القائمة في فلسطين، ورغم الرغبة في تجنب التنبؤات المتشائمة، فمن العسير ترجيح احتمال آخر ما عدا استباق العدوان بانبطاح ما على الطريقة الليبية. ومن العسير أيضا القول إن الانتقال عسكريا من لبنان بعد العراق وأفغانستان، إلى سورية -قبل مصر والسعودية- سيكون في المستقبل البعيد، بل الأرجح هو أن تكون المرحلةُ الأخيرة قد بدأت من العد العكسي الذي بدأ قبل اغتيال الحريري.

لا توجد في سورية، في الإطار الرسمي ولا خارج نطاقه، مقاومة شعبية منظمة ومعدة عبر سنوات عديدة، على غرار المقاومة في لبنان.

والأرجح أن يؤدي العدوان إلى انهيار سريع واسع النطاق، ولا يحتاج العدوان إلى ذريعة حقيقية، بل يمكن اختلاق ذريعة مقبولة دوليا وإن كانت دون أساس قانوني دولي قويم.

ولا يرتبط توقيت العدوان إلا بوصول الإعداد له إلى المرحلة المناسبة لتنفيذه، وليس متوقعا أن يحتاج ما بقي من الإعداد إلى فترة طويلة.

بتعبير آخر لن يكون تحديد معالم المرحلة المقبلة ميدانا لتأثير السياسة السورية عليه بأساليب المناورات والمغامرات، سيان في أي اتجاه.

ولا توجد في آفاق السياسة السورية أي علامة لحرية الحركة بمثل تلك المناورات والمغامرات اعتمادا على أرضية دولية، أوروبية مثلا أو روسية أو صينية، ولا أرضية إقليمية عربية أو إسلامية، بعد تبدل المسرح السياسي الرسمي العربي إلى درجة التشويه المطلق، وضعف المسرح السياسي للدول الإسلامية بصورة استعراضية مكشوفة.

المخرج الوحيد المعتاد أمام عدوان خارجي أكبر من طاقة السلطة الحاكمة هو ما يوصف بالوحدة الوطنية، ومفعولها كان على الدوام مرتبطا بمدى قيامها على التحام حقيقي بين السلطات والشعب، وليس مجرد الإعلان عنها في صيغة هزيلة، تختزل مضمونها في حدود كلمات ودية لا تؤثر جذريا على وضع شاذ قائم منذ عشرات السنين على أساس استبدادي دموي واحتكار للسلطة خطير.

وعند النظر في العامل الزمني إضافة إلى العوامل السالف ذكرها بصدد تهيئة الأرضية الدولية والإقليمية للعدوان على سورية، لا يمكن القول إن المخرج ممكن عبر وحدة وطنية يمكن أن تتحقق يوما ما، عبر خطوات بطيئة مدروسة، وعبر مفاوضات ومؤتمرات ما، بل المفروض فرضا أن يتخذ السعي لمواجهة الخطر المستفحل صيغة شبيهة بانقلاب فوري على وضع قائم.

ولا نعني أن تقوم جهة معارضة ما بانقلاب، ليس فقط بسبب أن الأوضاع السورية الآنية تؤكد عدم وجود جهة مؤهلة لذلك، بل ولأن الانقلاب على سلطة قائمة لن يسفر عن إيجاد وضع جديد خلال فترة تكفي لإيجاد الأسباب الضرورية للصمود الرسمي والشعبي أمام عدوان خارجي.

إن المسؤولية الأكبر والأعظم تقع على عاتق السلطة القائمة في سوريا، والمطلوب أن تقوم هي بانقلاب على نفسها، وأن تفتح الأبواب أمام تغيير جذري شامل، دستوريا وسياسيا، مع تعبئة سريعة لسائر القوى السياسية والشعبية. وإلا فستحمل بين ليلة وضحاها وزر تدمير نفسها مع سوريا، إلى جانب ما حملت حتى الآن من أوزار الاستبداد.

المحور الحقيقي للمسؤولية المطروحة على السلطة السورية اليوم، متركز على:

1- تأخير حركة التغيير الجذري المفروضة، وهو حتمي قادم قطعا، بوجود مَن يوجد في السلطة حاليا أو في غيابهم.
2- التشبث بوضع يساهم في التمكين من وقوع كوارث كبرى نتيجة عدوان خارجي.
3- نشوء مزيد من العراقيل في وجه التغيير.

وجميع ذلك يضيف إلى أوزار المسؤولين في السلطة آنذاك -وإن سقطت- وزر ما يقع من تضحيات يسببها العدوان، وتضحيات يتطلبها الصمود وتتطلبها المقاومة للتحرر من عواقبه، وكذلك لتحقيق التغيير الجذري المحتم، سواء وقع العدوان أم لم يقع، وسقطت السلطة أم لم تسقط.

وفي سائر الأحوال سيواجه مَن يمارس العدوان المرجح من المقاومة ما قد يخطر أو لا يخطر في بال المخططين للهيمنة على سوريا والمنطقة بأسرها، وسيخطئون في تقدير حجم تلك المقاومة الشعبية ونوعيتها مثلما أخطؤوا باستمرار، في أفغانستان والشيشان، وفي العراق والصومال، وفي فلسطين ولبنان، وفي كل مكان يواجه فيه جبروت العدوان من حيث يحتسب ولا يحتسب طاقات متفجرة من الصمود والمقاومة.

نبيل شبيب

المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...