(التفوق على تاريخ المستعمر)استعراض كتاب حميد دابشي:إيران,شعب معطل

06-01-2008

(التفوق على تاريخ المستعمر)استعراض كتاب حميد دابشي:إيران,شعب معطل

الجمل: يقلب كتاب حميد دابشي الذي صدر عام 2006 عن إيران المعرفة المدرسية الغربية التقليدية عن هذا البلد رأسا على عقب . برفضه الديناميكية التي توازن ما يسمى بالحداثة الغربية مع التقليدية "الشرقية" , فإن دابشي يخلق تأريخا جديدا تلهمه تعاليم ادوار سعيد و أبحاث فانون عن الكولونيالية ( الاستعمار ) . دابشي الذي يدرس حاليا الدراسات الإيرانية في جامعة كولومبيا لا يرفض التأثير الذي يدفع باتجاه الحداثة للاستعمار و الإمبريالية الغربيتين . عوضا عن ذلك فإنه يصف ديناميكية تخلق بواسطتها الحداثة نفسها نقيضها المعادي للإمبريالية و للاستعمار . هذه الحداثة المعادية للكولونيالية هي اليوم و في الأمس النتيجة المباشرة للطرق التي استخدمها الغزاة المستعمرون لفرض فلسفتهم عن التنوير و طريقة أمرهم للأشياء – و ذلك عبر المدافع و الاضطهاد . دامجاً عدداًَ وافراً من الفلسفات من بينها الماركسية , الإسلام الشيعي , و القومية البرجوازية التي يعتبرها الفلسفات الأساسية فإن حداثة دابشي المعادية للاستعمار قد استندت إليها و ألهمت عدة حركات ضد هيمنة الخارج في السنوات المائة و الخمسين الأخيرة من تاريخ إيران .
رغم أن هذا الديالكتيك التاريخي يعبر عنه في مجالات السياسة و الاقتصاد , فإن المجرى الأساسي و المتواصل لهذا التاريخ من المقاومة يوجد بشكل أكثر أهمية في شعر و نثر و أفلام الشعب الإيراني . هذه المقاومة ليست مجرد حوار بين الإيرانيين أنفسهم أو حتى بين الإيرانيين و بين بقية الدول غير الاستعمارية . إنها تتضمن الغرب في حوارها و هي , في الصميم , تقلب تاريخه رأسا على عقب . لا توجد "نهاية للتاريخ" فقط لأن صانعي السياسة الغربيين و المثقفين الذين يتملقونهم يقولون بها . عوضا عن ذلك يبقى التاريخ حيا و تكتبه تلك القوى نفسها التي يستخف بها صانعو السياسة و المثقفون أنفسهم و يحاولون إخضاعها . تصف هذه المقاربة للتاريخ على " أنه ذا نهاية مفتوحة , في بحثه عن الحرية " .
تحت هذا التيار من المقاومة هناك ظاهرة تفرض على العالم من قبل واشنطن و ترتبط مباشرة بكيف تريد هي من هذا العالم أن يرى التاريخ . يشير دابشي إلى هذه الظاهرة بالقبلية ( أو العشائرية ) . إنها النتيجة الطبيعية لمثقفي المحافظين الجدد و جماعتهم من الليبراليين الجدد الصامتين الذين يزعمون أن التاريخ قد انتهى و أن الغرب قد تربع على عرشه . إنها ظاهرة تسمي محاولاتها للسيطرة على العالم بكل طريقة ممكنة "صراعا بين الحضارات" . من خلال منشور دابشي فإن هذا الذي يدعى بصراع بين الحضارات يعرض كما هو في الحقيقة : اختزال الصراعات ضد الهيمنة الإمبريالية إلى معارك بين المتطرفين الدينيين . هذه المعركة تظهر النظام الصهيوني الذي يوجد بسبب وجود إمبراطورية مسيحية تنظمها و تسيطر عليها واشنطن و التي تصم كل خصومها على أنهم متطرفين إسلاميين . هذا الوصم صحيح في الواقع فقط لأنه يصف حتى الآن أفعال و أفكار عدد قليل نسبيا من الألفيين المسلمين السنة أساسا الذين ظهروا أثناء حروب واشنطن المعادية للسوفييت في الستينيات و السبعينيات و الثمانينيات من القرن العشرين . بالفعل فإن أصل القاعدة وطالبان ( كلاهما ألفيان بالطبيعة و إسلاميان بالاسم ) يمكن تعقبه نحو الوراء إلى آليات المخابرات المركزية و الوكلاء السعوديين لواشنطن و المؤسسة السياسية في العاصمة واشنطن . في هذه الأثناء هناك أصولية هندوسية تقوم جزئيا على رغبتها بإخراج المسلمين من الهند و هي في صعود و تستعر في العراق حرب بين الطوائف الإسلامية المختلفة – و ذلك في جانب كبير منها بسبب غزو واشنطن و احتلالها . عوضا عن وضع نهاية للتاريخ فإن دعم واشنطن للحكومة الصهيونية في تل أبيب و الألفيين الإسلاميين في أفغانستان و سواها حول التاريخ إلى محاكاة للعصور الوسطى .
ماذا عن إيران اليوم بعد ثورة 1979 ؟ يصف دابشي الثورة عن حق على أنها انتفاضة شعبية كان أساسها الفلسفي يتمثل في الفلسفات الثلاثة المذكورة سابقا – الماركسية و الإسلام الشيعي و القومية . أبعد من ذلك فإنه يناقش التأثير المدمر لتولي مجلس الأوصياء للسلطة المطلقة المشكل من قبل العناصر الإسلامية المحافظة التي مثلها آية الله الخميني و دائرته على العناصر المشاركة في الثورة و على إيران البلد ككل . على عكس معظم التحليلات الغربية عن الثورة يناقش دابشي الطبيعة الطبقية للعناصر المختلفة و فشل العناصر الماركسية و القومية في إدراك و محاولة جسر التناقض الطبقي بين قواعدهم الطلابية و من العمال المهرة و بين الفلاحين و الطبقة العاملة الريفية . مكن هذا الفشل رجال الدين المحافظين المتحالفين مع طبقة التجار من التلاعب بالعواطف الدينية و الثورية للجماهير الأكثر فقرا ليؤدي إلى السيطرة التالية المطلقة تقريبا على الحكومة من قبل رجال الدين هؤلاء . ربما كان أكثر جانب حيوي في هذا الجزء من كتاب دابشي هو إصراره على أن ثورة 1979 كانت أكثر من مجرد ثورة إسلامية و أنها لم تكن لتنشب لولا اللحمة المتكاملة لكل القوى المعارضة للشاه و سيطرة الولايات المتحدة . وجهة النظر هذه و تفاصيل دابشي عن أصل الثورة في التاريخ الإيراني يوفر قراءة واعدة أكثر لهذه الثورة من تلك التي تعرضها واشنطن و نخبها الجاهلة بين صفوف المؤسسة الدينية المحافظة في طهران .
يعكس دابشي تجاربه الشخصية التي تفتحت تحت حكم الشاه كوسيلة ليروي تاريخ إيران و معنى هذا التاريخ . فهو يصف شبابه في وطنه و سنوات دراسته الجامعية في طهران كطالب و معادي لنظام الشاه . على العكس من معظم الكتابات الغربية عن إيران يسمي دابشي انقلاب 1953 الذي نظمته المخابرات المركزية الأمريكية على رئيس الوزراء المعادي للإمبريالية مصدق حدثا أساسيا في التاريخ الإيراني للقرن العشرين . إنه يناقش الآمال التي ارتبطت بثورة 1979 و يلاحظ انكسار الكثير من تلك الآمال في السنوات التالية مباشرة مع اختفاء بعض الخصوم الثوريين لرجال الدين المحافظين و نفيهم فيم منح آخرون دعمهم على حساب سياساتهم . كما يناقش الدور التاريخي للشيعة كحركة معارضة للسلطة و معنى ذلك بالنسبة للحكومة في طهران . إيران , شعب معطل هو تاريخ بانورامي ( شامل الرؤية ) لإيران يناقش الوقائع السياسية و الثقافية في هذا التاريخ . كما يخدم كصرخة ضد إضفاء الطابع القبلي على السياسات العالمية من الثيوقراطيين ( السياسيين الدينيين ) في واشنطن و إيران و دلهي و تل أبيب و كل مكان آخر .
إنه كتاب معقد يبدأ فقط بحث التاريخ المعقد لشعب يدعى إيران . باعثا على اليأس و الأمل في نفس الوقت , فإنه يزود المؤرخ بطريقة بديلة و بالنتيجة أكثر كمالا لتفحص التاريخ الإيراني ( و العالمي ) . يكتب دابشي أن اليأس الموجود بالتأكيد في مجالات مختلفة من الفشل السياسي يتغلب عليه تفاؤل الأدب الذي لا يلهم فقط الأحداث السياسية في اللحظة التي كتب فيها , بل يستمر ليكون ملهما لثوار جدد في المستقبل . بالنسبة لغير المؤرخين فإن كتاب إيران , شعب معطل , هو مدخل مختصر لكامل اتساع التاريخ و الثقافة الإيرانية غير مثقل بالهراء الاستشراقي الذي نجده اليوم في المكتبة الغربية الحالية عن هذا الموضوع .
     

ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن  www.zmag.org  

 ز نت , بقلم رون جاكوبز , 29 ديسمبر كانون الأول 2007

للكاتب أيضاً:

قلبي ينزف من أجل باكستان

الاقتصاد البديل والتوزيع العادل للناتج الاجتماعي

نيكولاس رابيتس: الحياة بعد الرأسمالية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...