التغيير السوري على طريقة ابن رشد

18-09-2011

التغيير السوري على طريقة ابن رشد

الجمل ـ عبد الله علي: التغيير السياسي أو الانتقال من نظام حكم معين إلى نظام آخر بهدف التوصل إلى أفضل نظام يحقق مصالح الشعب في الحرية والفضيلة والرفاهية، كان وما يزال من أكثر المواضيع التي تشغل الفكر الإنساني وتحتلُّ حيِّزاً هاماً من اهتماماته. وقد حاول الفلاسفة ورجال الفكر منذ القديم دراسة هذا الموضوع وتصنيف أنواع أنظمة الحكم السائدة وخصائص كل واحدة منها، ووضع النظريات التي تدرس قوانين الانتقال من نظام حكم إلى نظام آخر.
ويمكننا أن نميز في الفكر العربي بين اتجاهين مختلفين: الأول حتمي، يفسر الانتقال من نظام حكم إلى آخر بقوانين طبيعية ونمط من التطور لا فكاك منه، أي أن التغيير حسب هذا الاتجاه لا يسير وفق رغبات المواطنين وإنما وفق مسلسل من الأحداث تتحكم فيها عوامل موضوعية مستقلة عن الإرادة البشرية. والثاني إرادي، ينظر إلى الانتقال على أنه من أعمال البشر التي يأتونها بمحض إرادتهم هذه الإرادة التي لا بدَّ أن تتأثر بالسنن القائمة كالتربية والسياسة والتشريعات، وهكذا فإن التغيير حسب هذا الاتجاه لا يحصل ضرورة وبالحتم كما تحدث التغيرات والتحولات في الطبيعة وإنما يكون تابعاً لتحول السنن ومرتباً على ترتيبها.
الاتجاه الأول يمثله ابن خلدون بينما يمثل الاتجاه الثاني ابن رشد.

*****

فابن خلدون يقرر، في مقدمته، أن القوة المحركة للتاريخ هي العصبية، وأنه على الرغم من "أن الدول العامَّةُ الاستيلاءِ العظيمةُ الملكِ أصلُها الدين إمَّا من نبوةٍ أو دعوة حقِّ"، فإن "الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم"، و"أن من طبيعة الملك الانفراد بالمجد" والجنوح إلى "الترف والدعة والسكون"، وأنه إذا استحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم"، "وأن الدولة لها أعمار طبيعية كالأشخاص"، و"أن الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع".
بعبارة أخرى، العصبية "تجري نحو غاية هي الملك"، والملك ينتهي إلى الترف والانفراد بالمجد، وهذان ينتهيان به إلى الهرم ولا بدَّ، فتسقط الدولة (أي نظام الحكم) تحت ضربات عصبية جديدة مطالِبة تبدأ دورة جديدة وتلاقي هي الأخرى نفس المصير ، وهكذا…
أي أن أفق تفكير ابن خلدون محكوم بحتمية الهرم لأن هرم "الدولة" في نظره طبيعة من طبائع العمران التي لا يمكن تفاديها أو الحيلولة دونها.
والنتيجة الهامة التي تترتب على فكر ابن خلدون هي استبعاده أي إمكانية لإصلاح الدولة أو أنظمة الحكم لأن مسيرة الدول عنده خاضعة كما بينا لتسلسل حتمي ينتقل بها من مرحلة إلى مرحلة انتهاءً بالهرم والسقوط، كالإنسان الذي يمر خلال حياته بمراحل من النمو تنتهي به إلى الشيخوخة والموت.
والاستثناء الوحيد الذي يطرأ على حتمية ابن خلدون هو ما عبر عنه بقوله " تستجد الدولة عمراً آخر سالماً من الهرم" وذلك بأن "يتخير صاحب الدولة أنصاراً وشيعة من غير أهله وقبيلته" الذين حصل بهم الانفراد بالسلطة والمجد والذين دفعوا الدولة نحو الهرم.
ومع ذلك فإن هذا العمر الذي تضيفه الدولة إلى عمرها الأصلي لا يحول دون وقوع الدولة، في نهاية المطاف، في "المرض المزمن الذي لا تكاد تخلص منه ولا يكون لها منه برء إلى أن تنقرض ". فقد تضيف الدولة لنفسها عمراً آخر، لكنه لا يقيها من الهرم المحتوم.
وهذه الإشارة من قبل ابن خلدون إلى العمر المستجد من خلال تغيير الأنصار والشيعة، قد يذكرنا بما يجري تداوله حالياً في الأوساط الدولية من ضرورة قيام النظام السوري بتغيير تحالفاته والتخلي عن إيران أو محور المقاومة وأن من شأن ذلك أن يساعده على البقاء والاستمرار، أي يستجد عمراً آخر سالماً من الهرم يمنعه من السقوط.

*****

هذا بالنسبة لابن خلدون، أما ابن رشد فقد ذهب باتجاه آخر مختلف كلياً، فاعتبر أن التغيير أو الانتقال من نظام حكم إلى آخر لا يسير عبر مراحل متسلسلة كعمر الإنسان ولا يجري وفق قوانين حتمية كالموت، وإنما نظر إلى عملية الانتقال على أنها عمل بشري يخضع لإرادة الإنسان وإمكانياته وتأثيرات محيطه.
ولدراسة رأي ابن رشد لا بد أن تكون البداية مع أفلاطون صاحب كتاب "الجمهورية" الذي شرحه ابن رشد. ففي هذا الكتاب يحدد أفلاطون أنواع أنظمة الحكم وقانون تعاقبها الحتمي على النحو التالي: حكومة الأرستقراطية Aristocratie التي ترجمت إلى العربية بـ "حكومة الأخيار"، وهي عنده أفضل أنواع الحكم الممكنة واقعيا. وبانحلال هذا النوع تقوم التيموقراطية Timocratie وتعني حرفيا دولة الثروة والقوة العسكرية، وقد ترجمت إلى العربية بـ"رئاسة الكرامة" أو "مدينة الغلبة" لكون أصحابها يسعون إلى "الكرامة"، بمعنى المجد والغنى، عن طريق الفتوحات العسكرية (كما كان الشأن في اسبرطة). وبانحلال التيموقراطية تنشأ الأولغارشية Oligarchie أي حكومة الأقلية من الأغنياء، وقد ترجمت إلى العربية بـ"رئاسة القلة" وبـ"رئاسة الخسة" و"برئاسة خدمة المال" وبـ "رئاسة اليسار". وبانحلال الأوليغارشية تقوم الديمقراطية Démocratie وهي "حكم الشعب نفسه بنفسه"، وعرف هذا النوع في الترجمات العربية القديمة بـ "الرئاسة الجماعية" وبـ"مدينة الحرية". فالديموقراطية عند اليونان هي المدينة الجماعية التي يغلب فيها ما هو طبيعي وفطري ولا تتجاوز في الغالب ما هو ضروري، ويكون السؤدد فيها لذوي النسب والحسب. وبانحلال الديموقراطية تعم الفوضى ويكون المآل قيام الحكم الاستبدادي أو الطغيان Tyrannie وقد ترجم هذا المصطلح قديما بـ "مدينة التغلب" أو "رئاسة وحدانية التسلط".
لكنَّ ابن رشد يرفض رأي أفلاطون حول التعاقب الحتمي من نظام حكم إلى نظام آخر. ويرى أن هذه الأنظمة لا توجد بسيطة إلا على صعيد التحليل، أما على أرض الواقع فهي في الغالب مركبة. يقول: "وينبغي أن تعلم أن هذه السياسات التي ذكرها ليست تُلْفَى بسيطة وإنما تلفى أكثر ذلك مركبة".
وهذا التركيب الذي يأخذ به ابن رشد يوصلنا إلى نتيجة هامة وهي أنه من الممكن تغليب أحد العناصر الداخلة فيه على بقية العناصر، أي يمكن على سبيل المثال تغليب الاستبداد (التغلب) على أنواع الرئاسات (أنظمة الحكم) الأخرى، كما يمكن تغليب الديمقراطية أو أي نظام آخر. بمعنى أن هذه الأنظمة تمثل مجموعة من الخيارات الممكنة وليست مراحل مفروضة، أي يمكن لإرادة الإنسان أن تختار من بينها ما تريد.
هذه النظرة المرنة هي التي جعلت ابن رشد يتمايز عن ابن خلدون، ويتفادى تشاؤم أفلاطون، ويرى بخلافهما إمكانية إصلاح النظام عوضاً عن القول بحتمية الهرم والسقوط والزوال.
يقول ابن رشد : "إن تحول المدن غير الفاضلة نحو أن تصير فاضلة، يكون بشيئين اثنين، أعني بالأفعال والآراء، ويزيد هذا، قليلاً أو كثيراً، تبعاً لما تجري به النواميس القائمة في وقت ما". ثم يضيف قائلا: "وبالجملة فتحولها إلى مدينة فاضلة أقرب إلى أن يكون في هذا الزمان بالأعمال الصالحة منه بالآراء الحسنة".

*****

مشكلة رأي ابن خلدون ودورته الحتمية أنه يتطلب منّا أن ننظر إلى أنظمة الحكم كنظرتنا إلى القضاء والقدر الذي لا يمكن تغييره أو تعديله أو التأثير فيه. ورغم أن ابن خلدون يبشرنا بأنه رغم انتهاء الدول (أنظمة الحكم) فإن ذلك لا يعني النهاية وإنما هناك دائماً بداية جديدة، حيث يقول: "وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث" إلا أن هذه البداية تعني أن نعايش من جديد المراحل الحتمية لمسيرة النظام ومنها الانفراد بالملك والمجد، التي يراها ابن خلدون على أنها طبيعة من طبائع الملك التي لا يمكن تغييرها أو الحد منها، وذلك بانتظار بداية جديدة أخرى.
بعبارة أخرى فإن ابن خلدون يفرض علينا أن نعيش في ظل نظام حكم تلو الآخر ضمن المراحل الحتمية لتسلسلها، وأن نعاني دائماً من انفراد عصبية ما بالملك والمجد والترف، دون أن يكون ثمة أمل في الخروج من هذه الدوامة إلا بالدخول في دوامة جديدة.
أما ابن رشد فإنه على العكس يمنحنا الأمل بالتغيير والوصول إلى نظام الحكم الأمثل دون أن نكون مضطرين للمعاناة من حالة الاستبداد والانفراد بالحكم مع مجيء كل نظام خلفاً لنظام ذهب. فيرى ابن رشد أن بقاء النظام على حالة الاستبداد أو دخوله في مرحلة الهرم ليس أمراً حتمياً، وإنما هناك مجال دائماً لإدخال إصلاحات على هذا النظام تنتقل به من حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطية، وإن ذلك لا يحتاج إلا إلى الإرادة أي إلى قرار سياسي يراعي الناموس العام الذي يمكن تفسيره اليوم بأنه عبارة عن الحقوق والحريات العامة أو خيار الأمة أو المطالب الشعبية، لأنه بدون هذه المراعاة لا سبيل لنجاح الإصلاح.

*****

وإذا كانت الدولة أو أنظمة الحكم العربية قد خضعت، خلال التاريخ الطويل الممتد منذ دولة الأمويين وحتى اليوم، لحتمية ابن خلدون والطابع اللاعقلاني واللاإرادي للتغيير أو الانتقال، فإننا نرى أنه قد آن الأوان للتخلص من الدورة الخلدونية بما تمثله من خطر يهدد مستقبلنا ومستقبل بلادنا، وأن نلتفت إلى رأي ابن رشد وعقله المستنير ونحاول أن ننتقل بإرادتنا إلى الدولة الديمقراطية محافظين على وجودنا ومصالحنا بعيداً عن خطر الهرم والموت ومستغنين في نفس الوقت عن وهم العمر الإضافي الذي يحاول أعداؤنا إقناعنا باستجدائه منهم.

التعليقات

هناك عدة نظريات ابتدعها الثوار في سوريا ومنها على سبيل المثال لا الحصر 1- نظرية أبو نظير(ربي يسر) 2- نظرية رضوان زيادة (هاتو الناتو) 3- نظرية أحمد صياصنة (أقتل واذا سألوك قل كنت في الوضوء) 4- نظرية بلال الكن (أنتو موتو والنسوان عندي) 5- نظرية المعارضة في تركيا (الي بياخد أمي بقلو عمي) 6- نظرية المعارضة في فرنسا(الدولة العلمانية الاخونجية الفدرالية الخزنوية الي بدها القدرة لتعرف شو هية المهم المباركة الأسرائيلية ) 7- نظرية معارضة الداخل الريف دمشقية (بس يسقط النظام فيقونا لنستلم السلطة) 8- نظرية الحماصنة ( قطع عالهوية وأهتف للوحدة الوطنية)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...