الاقتصاد في اليوم ١٧٠٠ من الحرب

08-12-2015

الاقتصاد في اليوم ١٧٠٠ من الحرب

لا يتفق خبراء الاقتصاد على توصيف الاقتصاد السوري بـ «اقتصاد الحرب». فحال الحرب الشرسة المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، لم تمنع الدولة من الحديث عن «أحوال السياحة ومحاولة تطويرها في البلاد»، كما أنه ليس تماما «اقتصاد أزمة»، فالحكومة ما زالت تعلن عن مشاريع حيوية وتنموية، بغض النظر إن كانت ترى طريقها للنور أم لا. ويكثر الحديث عن التقشف، لكننا نرى مشاريع ترفيهية بكلفة عشرات الملايين من الدولارات تفتتح، وتغص بالرواد.
واقع الحال، المعقد بتناقضات الحرب السورية، والتي تتغذى بدورها على مصالح واهتمامات وأمراض منطقة الشرق الأوسط والسياسة الدولية، يسمح بالنظر إلى المشهد السوري من عدة زوايا.
وفيما يمكن للبعض من سكان العاصمة، أن يقولوا إن الحياة طبيعية تماماً، يمكن القول في الوقت ذاته إنها لا تشبه الحياة في مدن أخرى طبيعية، من نواح اعتيادية كثيرة.
ذات الأمر حين الحديث إلى الصناعيين، أو التجار، الذين يتحدثون عن واقع إنتاجي بائس، وإن كان بمردود مقبول بسبب حاجة السوق، لكن في الوقت ذاته من دون انسجام مع القدرة الشرائية المتدنية جداً للمواطن.
من ناحية أخرى، ليس لهذا المواطن سوى الرب يشكو إليه. فانزلاق الليرة السريع مقابل الدولار، يقلص هامش المناورة لدى الأسرة، وتتقلص معه أمعاء أفرادها وشهيتهم للاستهلاك.
ولا يغيب هذا عن الحكومة الفقيرة للموارد بدورها، والتي تتحدث عن الدعم «العقلاني» للمواد الضرورية، ولكن من دون أن تقدمه بما يشبع حاجة مواطنها للصمود.
وفيما تواجه البنية الحاكمة، بمؤسساتها وهيئاتها، الانتقاد والاتهام بالتقصير، وهي مسألة تحتمل الجدل أيضاً، في ظل الصعوبات التي تواجهها هي الأخرى، تحضر مشاكل أخرى ليست مرتبطة تماماً بهذه الحلقة، أي المواطن والمسؤول، وهي الطارئ الحربي، والذي يعني خروج محطات كهربائية عن العمل، وانقطاع المياه لفترات طويلة جداً عن المناطق، وشح موارد الطاقة بما فيها المازوت، مادة التدفئة الرئيسية، بسبب التأثير المباشر للصراع.
وتتدخل القدرة الإلهية أحياناً، فتلهب صيف البلاد بحرارة تصل إلى 47 درجة مئوية، تصاحبها عواصف غبارية خانقة، ليترحم السوري على الشتاء الذي مر، رغم أنه كان الأقسى منذ 40 عاماً، ومن دون حضور مواد الطاقة الضرورية.
معقدة الحياة في سوريا، والابتسامة صعبة، لكن الناس تبتسم، وتضحك ساخرة من يومياتها الحزينة، والدولة صامدة حتى اللحظة، ومرشحة أكثر من أي وقت مضى في الأيام الـ1700 (تقريباً التي مضت على الحرب)، والاقتصاد بدوره يكافح للبقاء كاقتصاد دولة.. وفي المقالات التي ستنشر على مدى الأيام المقبلة محاولة متواضعة لإلقاء ضوء على كيفية حصول هذا.

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...