إِيرِشْ كِسْتْنِرْ : رُومَانسية الواقِعِيَّة

02-11-2020

إِيرِشْ كِسْتْنِرْ : رُومَانسية الواقِعِيَّة

ترجمة من الألمانية إلى العربية: نورالدين الغطاس
"الشعراء يخافُون أن تُصبحَ الأرضُ غير رومانسية من جراء التَقَدُّم"*
إِيرِشْ كِسْتْنَرْ
توطئة:
يقول الألمان "لديّ فراشات في بطني"، وهو ما يعني أن إنسان ما وقع في حب إنسان آخر، وكأن الحبُ ينشأُ في البطن، أولاً. سنوات الإحساس بالفراشات في البطن جميلة، العُشاق يرتدون نظارات وردية، لا تسمحُ برؤية عيوب المحبوبة أو المحبوب. لكن مع مرور الوقت قد تعرف العلاقات الحميمية خمولا تدريجيا. الإحصائيات بألمانيا تؤكد أن السنة السابعة، وما حولها، مشؤومة، غالبا ما يقعُ فيها الفراق بين العاشقين أو الزوجين.
إذن، ما العمل إذا غابت تلك الحركة التي تدفعُ الإنسان الى لقاء الآخر؟
ضيفي اليوم، كاتب وشاعر أُحبهُ كثيرا، أعتبرُ إِيرِشْ كِسْتْنَرْ من رواد النثر الألماني، عُرف بكلماته المختزلة، الحادة والذكية، كتبَ القصيدة النثرية التي بين أيدينا سنة ١٩٢٨م، وثّق، بحزن ودفء، فراق زوجين بعد ٨ سنوات من الحياة معاً. في الحقيقة، لا وجود للرومانسية الواقعيَّة كما سمّاها إِيرِشْ كِسْتْنِرْ، لأنّ كل رومانسية (سنوات الفراشات) لا تعترفُ بالواقعيَّة، لكن شاعرُنا أرادها كذلك!
تُصنَّفُ أعمال إِيرِشْ كِسْتْنَرْر النثرية في إطار ما يُسمَّى "الواقعيَّة الجديدة"، حركة النثر الألماني بين ١٩١٩-١٩٢٩م. آنذاك كُتبت الروايات وكأنَّها رُوبُرْتَجَات، أما الشعراء فقد قرَّروا الكتابة بتَقَشُّف من مكان محايد، بنوا بينهم وبين النّص مسافة كبيرة، الشاعر يتحوّلُ الى مراقب، همُّهُ الوحيد هو الوصف بدون أي مطَّاطِية في الكلام، القصيدة تقرير حول غياب الأحاسيس، ورد فعل على بيع المشاعر في سوق الحياة، أحبُ بشكل قوي هذه الحقبة من النثر الألماني التي أنتجت الجميل، الجميل (من بينهم كذلك مَاشَا كَالِكُو...).
عندما يغيبُ الغَرَام، يعمُّ الصمت. الصمت لغة صارخة أقوى من الكلمات. فقط، ملاحظة واحدة وأترككم مع النّص. الأبيات الأربعة الأولى تبوح بكل شيء، بعد ثماني سنوات، ضاع الحُبّ كما تضيعُ القُبعة...، وهو الّذي قال "ديوان شِعْر يحتاجُ إلى قصائد متميِّزة، لا يستطيع الشاعر كتابة الكثير منها"*، والقصيدة هاته، من أجمل ما صنعهُ النثر الألماني، بامتياز. / نورالدين الغطاس
*******
ثماني سنوات، يعرفُون بعضهم البعض
(يُمْكِنُ القَوْل: أنَّهم يعرفون بعضهم البعض جيِّداً)،
فجأة، ضاع حُبُّهُمَا.
كما يضيعُ العُكاز أو تضيعُ القُبَّعة، للآخرين.
كانوا حزينين،
بمرحٍ، يخضعون بعضهم البعضْ،
يحاولون قبلات، وكأنّ شيئاً لم يَقَعْ،
يُحَمْلِقون إلى بعضهم البعضْ،
ولا يعرفون ما يفعلون بعدْ.
أخيراً، بَكَتْ، وهُو بجانبها.
عبر النَّافدة، يُمكنُ التَّلويح للسُفن.
قَالَ، قد تكون الرابعة والربع،
حان وقت ارتشاف قهوة بمكان ماَ.
بجوارهم، يَنْقُرُ شخص على البيانُو.
يجلسون بأصغر مقهى بِقريتهم
يُحركون في فَنَاجِينهم.
حلَّ المساء، وهم مازالوا قَابِعِين هُناك.
وحيدين، لا يتكلمُون
لا يستطيعُون إدراك ماَ وَقَعْ.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...