دمشق كما هي في التاريخ والعمران والمواريث الحضارية

23-12-2006

دمشق كما هي في التاريخ والعمران والمواريث الحضارية

عقدت في جامعة دمشق في الشهر الماضي (20-23/11/2006) ندوة كبيرة من حيث العنوان «دمشق في التاريخ» وعدد المشاركين (حوالى سبعين باحثاً من دول عربية) ولكن شابتها أمور عدة أثرت على ما كان يمكن توقعه من ندوة كهذه.

وقد عقدت هذه الندوة بدعوة من «لجنة كتابة تاريخ العرب» في جامعة دمشق، التي يترأسها الدكتور وائل معلا رئيس الجامعة، وربما كان من الأفضل أن تتم ويتحمل مسؤوليتها القسم الأكاديمي المختص في الجامعة (قسم التاريخ).

وربما جاء توقيت عقد هذه الندوة في الأيام التي كانت تشهد الاحتفالات الرسمية بـ «الحركة التصحيحية»، التي أدت إلى تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد الحكم في 1970، ليجعل السياسة حاضرة بقوة في جميع كلمات الجلسة الافتتاحية (الإشادة بما قام به الرئيس الراحل وما يقوم به الرئيس الحالي في إعلاء شأن دمشق كمركز مقاوم للتهديدات الخارجية، إلخ).

ولكن إلى جانب السياسة كانت الأسطورة أيضاً حاضرة في اليوم الأول للندوة، سواء في الجلسة الافتتاحية أو في الجلسات اللاحقة. وعلى رغم أن هذه ندوة تاريخية، أي مخصصة لمؤرخين متخصصين في مجالاتهم التي تمتد من الألف الثالثة قبل الميلاد حتى القرن العشرين، إلا أن نزعة «الأسطرة» كانت واضحة في بعض الجلسات حيث يبدو أن «تقديس دمشق» وليس «تأريخ دمشق» أصبح هدفاً في حد ذاته على حين أن ندوة كهذه يفترض أن تميز بين ما هو أسطوري وما هو تاريخي.

وهكذا فقد تحدث سهيل زكار في الجلسة الافتتاحية (باسم الباحثين السوريين) عن أهمية دمشق عبر التاريخ واستشهد في هذا الإطار بزيارة السيد المسيح مع السيدة مريم العذراء إلى ربوة دمشق، مما يجعل لدمشق مكانة خاصة في تاريخ المسيحية. وقد صادف جلوسي في جوار زميلة مسيحية فلم أتردد عن سؤالها مباشرة عن هذه المعلومة التي سمعت بها لأول مرة، حيث أجابت بدورها أنها تسمع بها للمرة الأولى.

وفي الجلسة الثالثة المسائية كانت هناك ورقة للدكتور جوزف زيتون بعنوان «إضاءات على تاريخ دمشق المسيحية»، حيث انتهى فيها إلى أن «دمشق تلي القدس من حيث الأهمية في تاريخ المسيحية». ونظراً لوجود الأب الدكتور سهيل قاشا ضمن المشاركين، الذي فرض احترامه على الجميع بعلمه الغزير وتواضعه الجم، فقد تحدثت إليه في الاستراحة عما ورد في كلمة زكار وورقة زيتون فنفى صحة ذلك.

وإذا عدنا الى التاريخ يمكن القول إن معظم الأوراق لم تأت بجديد بل اجترت ما هو معروف في المنطقة. وربما يعود هذا إلى غياب المشاركة الدولية، التي اقتصرت على باحث واحد من تركيا ألا وهو مصطفى أوزتوك (رئيس مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة الفرات)، حيث قرأت ورقته القيمة في غيابه أيضاً. وتجدر الاشارة الى ان ورقته استعرضت سجلاً عثمانياً فريداً من نوعه عن الضرائب (العوارض) في ولاية دمشق مما يشكل مصدراً جديداً لدراسة الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها.

وكان من اللافـت للنـظر هنا أن تـتم مثـل هذه الندوة من دون مشاركة المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق (الذي لا يبعد عن مقـر رئاسـة الجامـعـة ومكان النـدوة سـوى 500 متـر) الذي له تـاريخ حـافل من الاهتمام بـدمشق وتاريخها العمراني والاجتماعي عبر الدراسات الكثيرة التي أنجزها ونشرها من «منشآت دمشق التاريخية» لجان سوفاجيه «دمشق» (1932) وحتى كتاب دورتيه زاك «دمشق – تطور وبنيان مدينة مشرقية اسلامية» الذي صدر أخيراً (انظر «الحياة» عدد 25/2/2006).

وفي هذا الإطار أيضاً كان يلاحظ غياب المدرسة اللبنانية، التي كانت لها مشاركة مميزة في الندوات السابقة، حيث لم يشارك من لبنان سوى سعاد سليم (جامعة البلمند) ونزيه شحادة (جامعة بيروت العربية) بينما غابت الأسماء المعروفة (عصام خليفة، وجيه كوثراني ومسعود ضاهر إلخ). ومن المؤكد أن للوضع السياسي في المنطقة دوره أيضاً في هذا الغياب الأكاديمي من لبنان، الذي كان يمكن أن يغني الندوة أكثر.

ولكن الغياب الأكاديمي لم يكن يقتصر على الجوار / لبنان والخارج بل على الداخل أيضاً. وهكذا يمكن القول إن الغياب الأوضح كان لمدرسة الدكتور عبدالكريم رافق، الذي كرّم في ندوة خاصة ببيروت السنة الماضية، بينما كرست الندوة مدرسة سهيل زكار مع ما يحمله ذلك من دلالات.

وهكذا كانت الأوراق التي تلفت النظر بما حملت من جديد قليلة العدد. ومن هذه تجدر الإشارة إلى ورقة فاضل بيات (الجامعة الأردنية) الذي بيّن خطأ ما نعلمه لطلابنا منذ تأسيس قسم التاريخ بجامعة دمشق. فقد كان الطلاب يتعلمون ولا يزالون أن الفتح العثماني لبلاد الشام أدى فوراً إلى تشكيل ولايتين كبيرتين (دمشق وحلب) ثم ولاية طرابلس الشام. ولكن بيات كشف بالاستناد إلى الوثائق العثمانية (دفتر رقم 928 العائد لعام 1523 في أرشيف رئاسة مجلس الوزراء) أن السلطان سليم بعد عودته من فتح مصر في 1517 فكر في اتخاذ القدس مركزاً لولاية واحدة تضم كل بلاد الشام، ثم استقر رأيه على اختيار دمشق لكونها تتوسط الولاية الجديدة التي أطلق عليها «ولاية العرب». ومع ذلك يلاحظ من تشكيلات هذه الولاية أنها شملت ألوية من الأناضول أيضاً كعينتاب وبيره جك وملاطيه التي كانت تضم غير العرب أيضاً. ومع أن بعض هذه الألوية انفصلت إلا أن «ولاية العرب» (عرب ولايتي) بقيت تمتد من أضنه في الشمال إلى غزة في الجنوب. وبعد ربع قرن من الحكم العثماني (1549) ظهرت ولاية حلب إلى الوجود لتضم بعض الألوية من بلاد الشام وبعض الألوية من الأناضول.

ونظراً لأن الأوراق المشاركة لم توزع في الندوة، واتسمت مشاركة الكثير من أصحابها بالخروج على النص أو العنوان ذاته خلال عرضها، فلا بد من الانتظار حتى تطبع الأوراق كاملة في مجلد حتى تتضح أكثر المصادر التي اعتمدت عليها والمعطيات الجديدة التي أضافتها إلى ما نعرفه عن تاريخ دمشق.

محمد م. الأرناؤوط

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...