في سورية: 249 جريمة "شرف" في العام الماضي و200 حالة هروب خوف القتل
فشلت «م، ع» في إقناع أهلها ببراءتها من التهمة التي نسبها إليها زوجها وابن عمها «م، ع» فكان مصيرها القتل على يد أخيها.
هي أم لولدين، وقصتها التي شهدت نهايتها المأساوية منذ سبعة أشهر، بدأت بمجرد «الشك» الذي ساور زوجها بأنها تقيم علاقة مع رجل آخر.. فما كان منه إلا أن نقل شكوكه إلى والدها الذي لم ينتظر ولو لحظة للتأكد من حسن تربيته لابنته سنين طوالاً، ليدفع بأخيها الأصغر إلى قتل أخته تحت المسمى الفضفاض «ضيعت شرفنا».
محاولات القتيلة «م. ع» بالدفاع عن شرفها داسها العسف الاجتماعي بقدميه، وحين وجه إليها «الأخ القاتل» سلاحه، كان لمحاولتها الأخيرة في استعطافه بطفلها الذي لم يولد أن تحرك ساكن «الأخوة»، إلا أن «حمية الشرف» أو أياً كان اسمها، سجلت حضورها الطاغي على المشهد، ليسطر الرصاص الذي اخترق جسد الأم وجنينها ذي الأشهر الأربعة، عنواناً جديداً من عناوين جرائم الشرف في سورية.
هذه القصة التي جرت بأحد أرياف إدلب، هي واحدة من مئات الحالات التي تحدث سنوياً في سورية تحت عنوان جرائم الشرف.
خلود، عنوان آخر سجل حضوره في لائحة جرائم الشرف على طريقته، فبعدما فضلت الشابة الغضة الانتحار على أن يطولها «غسل العار»، ما كان إلا أن رمت بنفسها من الطابق الرابع قبل أن تصل إليها يد أبيها المتوعد على سماعة الهاتف.
قصة خلود، هي الأخرى لم تتجاوز «الشكوك»، فزميلها الشاب الذي اتهمت بعلاقتها معه ذكرت دقائقها البريئة في تلك الرسالة التي كتبتها قبل أن ترمي بنفسها.. الأكثر إيلاماً أن أباها الذي سمع نبأ انتحارها رفض تسلم جسدها معتبراً أن ابنته لوثت «شرف العائلة» وأنها نالت الجزاء العادل، دون أن يكلف نفسه ولو حتى عناء التيقن من المعلومات التي تناهت إليه، وهو الذي يقطن على بعد مئات الكيلومترات!.
80% في الأرياف
تعد سورية من الدول العربية التي تتصدر قائمة جرائم الشرف وحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية احتلت سورية المرتبة الثالثة بعد اليمن وفلسطين، حيث سجل في عام 2010 ما يقارب 249 حالة، على حين احتلت اليمن المرتبة الأولى بـ375 حالة، وفلسطين 264.
وذكرت الإحصائيات أن 80% من حالات جرائم الشرف التي حدثت في البلاد، كانت في الأرياف وخاصة الأرياف التي يغلب عليها الطابع العشائري، على حين سجلت تلك الإحصائيات أن أكثر من 200 حالة هروب حدثت خلال العام الماضي خوفاً من القتل.
لابد من إلغاء العذر المخفف
ونصت كل من المادتين 192 و548 من قانون العقوبات على تخفيف العقاب على كل من يرتكب جريمة قتل بدافع الشرف، شريطة أن تكون زوجته أو أحد أصوله أو فروعه دون أن يذكر مدة التخفيف.
واعتبر الأستاذ في القانون الجزائي الدكتور عبود السراج أن هاتين المادتين السالفتي الذكر تفتحان المجال لمبدأ الجريمة تحت عنوان جرائم الشرف، مشيراً إلى وجوب إعادة النظر بهما وحتى إلغائهما.
وقال السراج: إن القتل بدافع الشرف هو مشكلة اجتماعية أهم أسبابها التربية الناقصة التي يقع على الأب جزء كبير منها، وأضاف: لابد على القضاء أن يتشدد في المسائل الأخلاقية وأن يشرع القوانين الصارمة بحق كل تصرف غير أخلاقي حسب السراج.
كما تطرق السراج إلى اضطهاد المرأة في مجتمعاتنا العربية وما تتعرض له من عمليات اغتصاب واعتداء، ليلاقيها القتل تحت «دافع الشرف»، علماً أنها تكون في حالة مسلوبة الإرادة على حين الفاعل يتنعم بحياته دون قوانين صارمة لمعاقبته، والكلام للسراج.
لا جرائم شرف في الشريعة
واعتبر الدكتور محمد رمضان البوطي الأستاذ في كلية الشريعة، أنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية ما يسمى جرائم الشرف داعياً إلى التفريق بين قتل الصائل وجرائم الشرف، ورأى الدكتور البوطي أن قتل الصائل هو أن يدخل الرجل إلى بيته فيجد زوجه مع رجل آخر فيقتل الرجل الذي اقتحم بيته.
وقال البوطي: إن المادتين 192 و548 يجب أن يعتلا بهذه الصيغة، وهي وجود العذر المخفف في قتل الصائل المعتدي على حقوق الناس.
وأضاف البوطي: لا يمكن حل هذه المشكلة بترسيخ العقوبة أو تشديدها لأنه في مجتمعنا الراهن هناك أبواب خلفية تفتح لتسهيل المتع الجنسية على حد تعبير البوطي، وقال: إن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تلعب دوراً بارزاً في هذا المجال، إضافة إلى عدم وجود قوانين رادعة تحمي المجتمع من هذه الأفعال الشائنة وهذه المتع الجنسية الخفية، حسب البوطي، مشيراً إلى أنه لا توجد في قانون العقوبات مادة تعاقب مرتكبي تصرفات غير أخلاقية لا تليق في المجتمع.
آراء متناقضة
ورأى خريج الحقوق يحيى التركماني أن من حق كل إنسان أن يدافع عن شرفه معتبراً الدفاع عن الشرف هو من الفطرة التي وضعها اللـه في الإنسان مؤيداً بقاء المادتين السالفتين الذكر.
بينما اعتبرت ابتسام أنه لابد من المساواة بين الرجل والمرأة في هذا المجال متسائلة عن سبب التخفيف للقاتل على حين تذهب المرأة ضحية هذه القوانين الجائرة.
بدوره رأى أحمد أن جرائم الشرف أصبحت ظاهرة اجتماعية يجب حلها على الرغم من الصعوبات نظراً لعادات المجتمع، معتبراً أن هذه الظاهرة لا يمكن حلها بتشديد القوانين فقط وإنما بتوعية المجتمع من خلال الندوات الثقافية.
وقال أحمد: يجب إلغاء العذر المخفف بالنسبة لمن يقتل زوجه أو ابنته، مشيراً إلى حالات عديدة حدثت كانت فيها المرأة هي الضحية تحت مسمى «جرائم الشرف».
محمد منار
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد