مشروع الورقة التفاوضية لحل الأزمة السياسية العراقية

15-08-2010

مشروع الورقة التفاوضية لحل الأزمة السياسية العراقية

الجمل:  تحدثت التقارير الإعلامية الجارية مساء الأمس وصباح اليوم عن تطور ات جديدة في مسار ملف الأزمة السياسية العراقية. وبرغم ذلك، فما زال أفق الحل السياسي بعيد المنال. وفي هذا الخصوص تشير الوقائع إلى قيام التكتل السياسي الكردستاني بتقديم ورقة تفاوضية للحل، إضافة إلى قيام السفير الأمريكي في لبنان «جيري فيلتمان» الذي يتولى منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط بزيارة العراق. فما هي حقيقة التطورات السياسية العراقية الجديدة؟ وما هي طبيعة ورقة التفاوض الكردية؟ وإلى أي مدى سوف تستمر لعبة الأزمة العراقية؟خارطة الدينية للعراق
* التطورات الجارية في المسرح السياسي العراقي: ماذا تقول المعلومات؟
تتابعت مشاهد مناورات الكتل السياسية العراقية وهي تعكس بشكل رتيب نفس الشيء. ولكن، بحلول الثلاث أيام الماضية برزت الأحداث والوقائع التالية:
– قام السفير جيفري فيلتمان، السفير الأمريكي السابق في لبنان، والذي يتولى حالياً منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط والأدنى بزيارة إلى العراق، حيث قابل العديد من الزعماء السياسيين العراقيين، وطالبهم بضرورة حل خلافاتهم وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
- تقدمت الكتلة السياسية الكردية بمشروع أطلقت عليه تسمية الورقة التفاوضية لحل الأزمة السياسية العراقية، تضمن 19 بنداً، رأت الكتلة الكردية بأن التفاهم والقبول الجماعي بها سوف يتيح للقوى السياسية العراقية إخراج العراق من الأزمة السياسية التي أصبحت تبدو وكأنها بلا نهاية.
- سعت مجموعة من عناصر مجالس الصحوة إلى تهديد الحكومة العراقية وسلطات الاحتلال الأمريكي بأنها سوف تنضم إلى تنظيم القاعدة، إذا لم تتم الاستجابة لمطالبها المتعلقة بصرف الرواتب والمستحقات إضافة إلى تحسين شروط الخدمة.
- وسّعت السفارة الأمريكية في العراق نطاق خدماتها، وفي هذا الخصوص أكدت المعلومات، وبشكل مقتضب، عن افتتاح القنصلية الأمريكية في البصرة والقنصلية الأمريكية في أربيل.
على خلفية تفاعل هذه الوقائع الجديدة مع معطيات ملف الأزمة السياسية الجارية في المسرح السياسي العراقي، فمن المتوقع أن يكتسب زخم هذه الأزمة المزيد من مفاعيل الصراع الجديدة والتي على ما يبدو سوف تدفع باتجاه المزيد من الضغوط الزاحفة الجديدة.
* إدارة الأزمة السياسية العراقية: تأثير العامل الكردستاني
على خلفية نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية العامة التي تم عقد جولتها قبل حوالي أربعة أشهر، فقد برزت الأزمة السياسية العراقية لتطل برأسها في المسرح العراقي آخذة شكل الخطوط الآتية:
- خط تقسيم خارطة الصراع البرلماني: لم يحصل أي تكتل سياسي عراقي على الأغلبية البرلمانية المطلوبة، وذلك بحيث توزعت المقاعد ضمن كتل برلمانية لا تملك أي واحدة منها نسبة الـ 50% +1 المطلوبة لإجازة القرارات بالأغلبية الميكانيكية العادية.
- خط النوايا والتوجهات السياسية: سعت كل كتلة برلمانية إلى اعتماد بنودها وأجندتها الخاصة بها، ووضعت المزيد من الخطوط الحمراء التي منعت زعماء هذه الكتل من التمتع بهامش المناورة وحرية الحركة لجهة بناء التحالفات السياسية-البرلمانية مع الكتل الأخرى، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بتسمية رئيس الوزراء الجديد، فكل طرف له مرشحه أو مرشحيه الذين يرفض التنازل عنهم. وفي نفس الوقت هناك أطراف سياسية أبدت رفضها القاطع إزاء ترشيح زعم تحالف دولة القانون رئيس الوزراء نوري المالكي بسبب الرغبة في تصفية الحسابات الخاصة معه.
- خط الارتباطات الخارجية: يرتبط كل واحد من الكتل السياسية العراقية بعلاقات وروبط عميقة مع الأطراف الخارجية: التحالف الوطني العراقي أكثر ارتباطاً بإيران، ائتلاف دولة القانون أكثر ارتباطاً بأمريكا وبدرجة اقل بإيران، ائتلاف الفاتحة العراقية أكثر ارتباطاً بالسعودية وبالولايات المتحدة الأمريكية، التكتل الكردستاني أكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد أفسحت هذه الارتباطات المجال واسعاً أمام الأطراف الثلاثة الخارجية لجهة السعي من أجل التدخل لجهة التأثير في مستقبل مسيرة العملية السياسية العراقية.
شكلت هذه الخطوط المسارات الرئيسية التي ظلت تتعاكس ضمنها تحركات الزعماء العراقيين، بما أدى إلى المزيد من الصدامات المباشرة وغير المباشرة. وعلى هذه الخلفية، فقد جاءت ورقة التكتل الكردستاني التفاوضية والتي تضمنت 19 بنداً تضمن أبرزها النقاط الآتية:
- المحور الأول: سعى إلى التركيز على القضايا الوطنية العامة العراقية، مثل الإيمان بالنظام الديمقراطي، الالتزام باحترام الدستور، تنفيذ كل البنود الدستورية بدون انتظار أو تأجيل.
- المحور الثاني: سعى إلى التركيز على معالجة العلاقة بين إقليم كردستان العراقي والحكومة المركزية العراقية، وعلى وجه الخصوص، ما يتعلق بمعالجة الخلافات وحل القضايا المعلقة: حل أزمة مصير انتماء منطقة كركوك، الالتزام بتطبيق وإنفاذ المادة 140 من الدستور العراقي التي تحدثت عن مصير كركوك، معالجة ملف توزيع الثروة النفطية والطبيعية، ملف التزام الحكومة العراقية بتمويل وإعداد وتجهيز وتسليح قوات البشمركة الكردية بحيث تعتمد هذه القوات على موارد الدولة العراقية وليس على موارد حكومة إقليم كردستان.
تباينت ردود أفعال الكتل السياسية العراقية إزاء بنود ورقة التفاوض الكردية، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى ردود الأفعال الأولية الآتية:
– موقف يرفض بنود الورقة الكردية، ويرى بأنها وسيلة تهدف إلى ابتزاز العملية السياسية العراقية، بما يحقق مطالب القوى الإنفصالية الكردية على حساب الوطنية العراقية.
- موقف يرى بأن بنود الورقة الكردية يمكن التفاوض والتفاهم حولها، مع ضرورة الحذر الشديد، وعلى وجه الخصوص في الاعتبارات المتعلقة بالعلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراقي، إضافةً إلى الاعتبارات الأخرى المتعلقة بمعالجة القضايا الخلافية المعلقة مع إقليم كردستان.
هذا، وباستعراض أبرز بنود ورقة التفاوض الكردية وتحليل السيناريو الخاص بكل بند نلاحظ الآتي، عند التركيز على البنود الأساسية التي أثارت الاهتمام:
- بند مطالبة القوى السياسية العراقية بتأييد ومساندة مرشح الكتلة الكردية لمنصب رئيس الجمهورية العراقي، هو بند يطرح تفعيل احتكار كتلة معينة لمنصب رئيس الجمهورية، وهو أمر يتنافي مع قواعد الممارسة الديمقراطية القائمة على الانفتاح، والالتزام بمبدأ المواطنة كأساس للترشيح من أجل تولي منصب الرئيس العراقي بقدر يتساوى فيه كل المواطنين العراقيين.
- بند تخصيص منصب الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء بحيث يكون حصراً من نصيب الكتلة الكردية، وهو بند يتيح للكتلة الكردية فرض سيطرتها بالكامل على مفاعيل عملية توازن القوى والمصالح داخل كل أجهزة السلطة التنفيذية العراقية، بما يشمل برمجة وتسيير جدول أعمال مجلس الوزراء العراقي، وبقية أجهزة السلطة التنفيذية العراقية. وإذا أخذنا بالاعتبار وزن الكتلة الكردستانية، فإن حصول هذه الكتلة على هذا المنصب سوف يتيح لها الحصول على موارد سلطوية تفوق نصيبها الحقيقي الذي يحدده وزنها الحقيقي داخل الدولة.
- تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي وهي المادة المتعلقة بمصير منطقة كركوك. ونلاحظ أن تطبيق هذه المادة هو أمر سوف يترتب عليه المزيد من التعقيدات التي لن تؤدي سوى إلا تقويض استقرار أمن العراق، ولما كانت كل دول العالم لا تستطيع من الناحية العملية تطبيق كل بنود الدستور دفعة واحدة، فإن إصرار الكتلة الكردسانية على التطبيق الحرفي الميكانيكي لهذا البند هو أمر ينطوي على عدم الاهتمام بالحرص على استقرار العراق. فالكتلة الكردستانية يهمها حصراً ضم منطقة كركوك مهما كان الثمن، حتى ولو كان استقرار ووحدة العراق!!
- بند يطالب باعتبار الحكومة العراقية في حكم المستقيلة وغير الشرعية إذا قررت الأطراف الكردية الانسحاب منها. وهو بند معناه أن شرعية أي حكومة عراقية سوف ترتبط حصراً بمشاركة الكتلة الكردية فيها، وهو أمر لن يترتب عليه سوى جعل الحكومات العراقية مكشوفة أمام ابتزاز القوى الانفصالية الكردستانية. وبكلمات أخرى، إذا طرحت الأطراف الكردية داخل الحكومة العراقية مطلباً مثل ضم كركوك لإقليم كردستان ولم تتم الاستجابة لذلك، فإنه ما على القوى الكردية إلا الإعلان عن انسحابها من الحكومة وإسقاطها دون اللجوء للبرلمان، وهو أمر يتنافى مع المعايير والمبادئ الديمقراطية المتعارف عليها.
- بند يطالب بإلزام الحكومة العراقية تمويل وتجهيز وتسليح قوات البشمركة الكردية ، وهذا معناه أن الحكومة العراقية القيام بالانفاق على الميليشيات المسلحة الكردية التابعة للبرزاني وطالباني، وتزويدهما على حساب الموارد المالية والاقتصادية العراقية بالقدرات التي تتيح لها استهداف وحدة الدولة العراقية، وفصل إقليم كردستان عن طريق القوة.
تضمنت ورقة التفاوض الكردية العديد من البنود الأخرى التي سارت على نفس النسق، وبإلقاء النظرة الفاحصة على بقية البنود نلاحظ أنها تهدف إلى تحقيق الآتي:
- جعل الملف الكردي يشكل إحدى مكونات الأزمة السياسية العراقية. وبكلمات أخرى، سوف يؤدي دخول التكتل الكردستاني على خطوط الأزمة إلى جعل الورقة الكردية تمثل إحدى مكونات الصراع حول منصب رئيس الوزراء العراقي، وبالتالي، فإن كل طرف عراقي يسعى من أجل الحصول على هذا المنصب، فإنه يتوجب عليه تقديم التنازلات للتكتل الكردستاني، وهي تنازلات لن يكون أقلها القبول بضم منطقة كركوك لإقليم كردستان وإطلاق يد إربيل في السيطرة على نفط شمال العراق، إضافة إلى تحميل الحكومة العراقية مسؤولية تحمل أعباء تكاليف نفقات قوات البشمركة على حساب الميزانية الوطنية العراقية.
- إعطاء التكتل الكردستاني حق الفيتو لجهة إسقاط الحكومة العراقية (السلطة التنفيذية) وحلها تلقائياً بمجرد الانسحاب ودون الرجوع للبرلمان العراقي (السلطة التشريعية) وهو أمر غير مقبول. وفي كل الدول الديمقراطية لا يتم حل الحكومة إلا بعد الحصول على موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
تحدثت معظم التحليلات السياسية عن استحالة أن تصلح ورقة التفاوض الكردستانية كأساس لحل الأزمة السياسية العراقية. وإضافةً لذلك فقد شكلت هذه التحليلات مدى مصداقية بنود الورقة الكردستانية، وذلك لأنها لم تركز على حل الأزمة العراقية وحسب وإنما ركزت على استخدام وتوظيف هذه الأزمة لجهة ابتزاز القوى السياسية العراقية بما يحقق لنخبة إقليم كردستان قدرة الحصول على المزيد من المزايا الإضافية والتي لن يؤدي الحصول عليها إلا إلى تقويض أمن واستقرار العراق وجعله مهيئاً لمظاهر الفوضى الخلاقة. وعلى ما يبدو، فإن الدبلوماسي الأمريكي رفيع المستوى جيفري فليتمان قد سعى من خلال توليه الملف العراقي في الخارجية الأمريكية إلى دفع الوضع العراقي باتجاه المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، ومن المعروف أن فليتمان قد سعى إلى إعادة بناء ملف الأزمة السياسية اللبنانية على أساس اعتبارات ومعطيات نظرية المؤامرة، وهو ما تشير المعطيات إلى أنه قد سعى إليه بنفسه في إدارة دولاب ملف الأزمة السياسية العراقية بما يمكن أن يقود العراق إلى تحقيق أحلام وطموحات جيفري فلتمان الممثلة في: الحرب السنية-الشيعية، تحويل إقليم كردستان إلى قاعدة تتيح لمحور واشنطن-تل أبيب ابتزاز دول المنطقة، إضافة إلى ترويض تركيا في وقت أصبحت فيه أنقرا أكثر عناداً ومروقاً على هيمنة محور واشنطن-تل أبيب.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...