«مام» يقتحم زواريب الحارات الدمشقية
لم يعد سياح مدينة دمشق القديمة ومحبو التجول بين الآثار بحاجة الى خريطة من مكتب سياحي لتفرعات الحارات الكثيرة والمشتعبة والتي يطلق عليها سكان دمشق «محل ما ضيع القرد ابنه»، اذ اصبح في امكان اي سائح التجول في هذه الازقة بالاعتماد على دلالات للمسارات السياحية وشاشات الكترونية تفاعلية تعرض اهم الازقة والمواقع بالصور وباللغات العربية والانكليزية والفرنسية.
هذه الالتفاتة المهمة لسياح المدينة القديمة هي جزء صغير من انجازات برنامج «تحديث الإدارة البلدية» (مام) الذي يختتم العام المقبل بعد عمل استمر خمس سنوات ونصف سنة في ست مدن رئيسة هي دمشق وحلب وحمص واللاذقية وطرطوس ودير الزور، اضافة إلى تنفيذ خطط إقليمية في كل من المنطقة الشرقية وتدمر وذلك بمبادرة من «بعثة المفوضية الاوروبية» في دمشق بالتعاون مع الحكومة السورية وبموازنة قدرها 20 مليون يورو.
ونتيجة لنجاح برنامج «مام» وهي اختصار الاحرف الاولى لـ «برنامج تحديث الادارة البلدية» قررت المفوضية والحكومة السورية التوقيع على مشروع لأربع سنوات جديدة وبنفس قيمة التمويل السابقة يكون استمراراً لمشروع «مام».
القاعدة التي ينطلق منها البرنامج في عمله تقوم على «التوجه لجعل حياة الناس افضل وتعميم الفائدة على شريحة اكبر من الناس» بحسب ما يقول خبير التطوير والدراسات البلدية في المشروع بيتر بيجور روس، مشيراً إلى ان «كل المشاريع التي ستمول هدفها تحسين حياة الناس ومستقبلهم ولن تتوجه الى زيادة ثراء الأثرياء ولا تستهدف الجيل الحالي فقط بل تتوجه الى الاجيال القادمة».
ويفخر روس بالانجاز الذي حققه المشروع بعد اختتام اعماله لجهة المقاربة بين انجاز الدراسات المتعلقة بتقديم الدعم والمساندة لعمل البلديات والارتقاء بمستوى خدماتها مع المراكز البلدية المرتبطة بها، اضافة الى تقديم خدمة متميزة للمواطنين، قبل ان يشير الى «ان الحلول التي طرحها البرنامج كانت في النهاية حلولاً تحمل الطابع السوري، وهذا امر حيوي بالنسبة إلينا».
ويقول روس: «ان افضل طريقة للقيام بهذه المهمة هي العمل جنباً الى جنب الموظفين السوريين المعنيين وهو الجزء الاكثر حساسية في عملنا مع ما يعنيه هذا العمل من طول المدة، نحن لسنا مجموعة أوروبية نضع تقارير ونرحل الى بلدنا بل كنا نعمل كخبراء جنبا الى جنب الكوادر السورية بهدف الإبقاء على ارث للتعاون المشترك وخلق نواة للعمل المستقبلي تكون قادرة على ان تكمل العمل بالمنهجية نفسها».
ويعمل البرنامج الذي يعد أحد أكبر برامج التطوير الإداري والدعم الفني على مستوى الإدارة البلدية، على تطوير ادارة البلديات، اضافة الى جزء من مهمات الوزارات الموكلة للعمل على تطويرها.
ويعطي روس امثلة على عمل المشروع، منها تطوير البنية القانونية للادارة البلدية وإنجاز مسودة قانون الادارة المحلية الجديد ومسودة قانون التخطيط الاقليمي الذي يوضع للمرة الاولى في سورية. ويقول: «نعرف ان هذا النوع من العمل يقع على الجانب المجرد الذي لا يتعلق بحياة الناس اليومية، لكن في النهاية هو عمل لا بد من انجازه وعلى جانب كبير من الاهمية». لكنه يشير الى انه «على الطرف الاقصى من العمل المجرد القانوني لدينا منح اعطيت للجمعيات الاهلية غير الحكومية وللشركات الصغيرة او المتناهية الصغر وبرنامج خاص لتدريب النساء العاملات، مثلاً ساعدنا منظمة غير حكومية على بناء ملاعب سلة في أحياء متوزعة في مدينة حمص».
ويتابع: «بين الطرفين انجز المشروع طيفاً واسعاً من الاعمال منها انجاز 11 خطة عمل عمرانية تشمل مواقع تطوير عمراني وتم تسليمها الى الحكومة، بعضها كانت له علاقة بتطوير سكن العشوائيات او السكن الجماعي كدليل على عدم تجنب الجوانب الصعبة، كما اقترحنا حلولاً مرورية شاملة. وفي السياق نفسه عملنا على تحديث منطقتين اثريتين على درجة بالغة من الاهمية هما مدينة دمشق القديمة وتدمر».
ولا يقتصر التعاون على الجانب التقني والفني، بل سعى المشروع الى انجاز الكثير من المشاريع التي لها تماس مباشر مع المواطنين مثل انشاء النافذة الواحدة في بلدية حمص وتم انشاء وحدات تعنى بنظام تعليم جغرافي في كل البلديات». وحرص البرنامج في كل مشاريعه على البحث عن الطريق الامثل للقيام بالمشروع وجعله على ارض الواقع، ومثال على ذلك ايجاد آلية مناسبة لخلق شراكة وأساليب التعاقد بين القطاعين العام والخاص ومساعدة البلديات على فهم افضل الطرق للاستفادة من القطاع الخاص في خدمة المواطنين، كما تم البحث عن المستثمرين المحتملين لبعض المشاريع الحيوية».
ويقول روس: «اتمنى ان نكون نجحنا ليس فقط في توفير نظريات وأفكار بل في بحث الآليات والطرق المثلى لتحويلها الى واقع مادي». ويضيف: «بغض النظر عن وجود برنامج جديد اعتقد ان النتيجة التي زرعنا في المرحلة الاولى قادرة على استكمال خطواتها في التنفيذ».
ويحسب لبرنامج «مام» وضعه مشروع قانون للتخطيط الاقليمي للمرة الاولى في سورية حيث تم بطلب من الحكومة جمع ثلاث محافظات شرقية على نهر الفرات بخطة اقليمية رائدة اولى بعدما تم انجاز دليل للأقاليم الاخرى في سورية يمكن اعتماده لانجاز خطتها الاقليمية.
وتعتبر المدينة القديمة بما تتضمنه من صعوبات كمدينة اثرية تضج بالحياة احد ابرز الامثلة على منهجية البرنامج حيث تم تقسيم العمل الى اربعة محاور، الاول دعم المحافظة وبلدية دمشق القديمة لإعداد استراتيجية تنموية للمدينة القديمة والمساعدة في إعداد آلية جديدة ومتطورة لخلق قاعدة بيانات لهذه المدينة حيث تم انجاز اطلس يتضمن كل البيانات المتعلقة بالمدينة في شكل مربوط بالاحداثيات الجغرافية، وهذه البيانات لا تتضمن فقط المواقع الاثرية او المهمة، بل تغطي كامل العقارات وبنيتها الفيزيائية وحالتها الانشائية وكل المعلومات المتعلقة بحال الاراضي. فيما تضمن المحور الثاني التشجيع على نمط سياحي معين من خلال إعداد خطة سياحية تساعد على إبقاء «الغروبات» السياحية لمدة اطول من خلال المساعدة في انجاز مخطط لست محاور سياحية متباينة.
وأشار روس الى «ان جمع الطرفين السياحة مع السكان كان التحدي الابرز، ببساطة المدينة ليست متحفاً، هي مجتمع حي يعيش في المدينة القديمة». وفي المحور الثالث قام المشروع بدعم جمعية اهلية ناشطة في المدينة وأعيد انشاء حديقة قديمة هي «القشلة» لتكون متنزهاً للسياح والسكان، إضافة الى تأهيل ملجأ تحتها وتحويله مرسماً لأطفال المنطقة، وساعد المشروع في المحور الرابع على دعم البنية التحتية للبلدية من خلال انشاء النافذة الواحدة.
ونال الجامع الاموي بما يمثله من عمق تاريخي للمدينة وحجز الزاوية فيها قسطاً من اهتمام المشروع حيث تم انجاز دراسة تاريخية توثيقية لتاريخ الجامع وتطوره باللغتين العربية والإنكليزية بالتعاون مع آثاريين وباحثين سوريين وأوروبيين وأعيد انشاء حديقة صلاح الدين التي تتضمن ضريحه والتي ستتحول لتكون المدخل الرئيس للجامع الى الساحة مع انارة بالتعاون مع خبير دولي لإنارة المواقع الاثرية.
وعند سؤاله عن تقويمه نسبة انجاز المطلوب من البرنامج اعطى بيتر رقمين هما 90 في المئة و120 في المئة، موضحاً ان النسبة الاولى تتعلق بالفجوة بين من كتب الواجبات المطلوب انجازها وبين الوقائع والمستجدات على الارض، والثانية تشير الى الواجبات الاضافية التي لم تكن في الشروط التأسيسية مثل مشروع انارة للجامع الاموي والعمل في التخطيط الاقليمي وإعداد الخطة الاستراتيجية لإقليم تدمر.
وسيغطي البرنامج الجديد الذي يبدأ العمل به بداية العام المقبل سلة اكبر من المعطيات التي كانت مطروحة في البرنامج الاول، ويتكون البرنامج الجديد من ثلاثة محاور رئيسة يركز المحور الاول على تحسين التشريعات والاستراتيجيات والسياسات الداعمة للمضي قدماً في عملية تفويض ونقل المسؤوليات إلى الإدارات الحكومية المحلية، والثاني على تأهيل الكوادر البشرية المؤسساتية للادارة المحلية وذلك من خلال انشاء مركز معلومات في مركز التنمية المحلية المستدامة وتطوير القدرات في كل مستويات الإدراة المحلية وبخاصة في مجال التخطيط الإقليمي والتخطيط الهيكلي العمراني، والثالث على نوعية الخدمات المحلية المقدمة للمواطنين.
ويمثل برنامج الإدارة البلدية «مام» القائم حالياً وبرنامج اللامركزية والتنمية المحلية قيد التحضير لبنة هامة في تطوير الإدراة المحلية وتبادل الخبرات التنموية وفي بناء جسور التواصل بين سورية ودول العالم.
وأكد روس انه نظراًً لاهتمام الاتحاد الأوروبي بما تم إنجازه في شكل مشترك مع الوزارة والسلطات المحلية في سورية، تم التنسيق مع «بنك الاستثمار الأوروبي» لتأسيس صندوق لدعم البلديات في سورية بقرض من البنك يبلغ قدره 50 مليون يورو، سيركز في المشاريع التي سيمولها بقروض مدعومة للبلديات على المشاريع التي تم تخطيطها ودراستها من خلال خطط عمل برنامج «مام» في شكل أساس، إضافة الى إتاحة الفرصة المستقبلية للإدارات المحلية للتقدم بمشاريعها بطريقة تتناسب مع الاشتراطات التي سيتم اعتمادها للتمويل.
سمر أزمشلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد