في ذكرى فواز الساجر: المبدع لا يموت بصمته كبصمة الهواء في حياتنا
الحديث عن الراحل الحاضر فواز الساجر، يدعو بالضرورة إلى الحديث عن مسيرة الحركة الدرامية في سورية، فالعديد من نجوم الدراما والمسرح السوري هم من طلاب فواز الساجر، نهلوا من مدرسته وشغفه وحبه للمسرح.
لقد امتلك فواز مفاتيح العمل المسرحي المُمَنهج، بحبه وإخلاصه وإصراره ومثابرته، على العمل المسرحي، فحفر هذا الكبيرُ اسمه في تاريخ المسرح السوري العريق. وأتت هذه الأمسية التكريمية التي دعت لها دار الفنون وبرعاية من موقع الجمل، هذا الموقع الإلكتروني الذي يخص الصحافي العريق نبيل صالح، أتت هذه الليلة ناصعة البياض، رغم ظلامها، مليئة بالفرح رغم حزن الموضوع، وكأنها بارقة أمل، لأن في الوداع رحيل، أما في التكريم والوفاء فهو حضور الغائب، لقد كانت الشموع التي أشعلتها الدار أمام صوره، كأنها تستقبل عودته، وتحتفل بحضوره معنا من جديد. وإن الحضور الكبير للفنانين السوريين من مخرجين وممثلين وكتّاب ونقاد، إلى دار الفنون، هو أكبر دليل على استثنائية هذا الشخص، الذي رحل منذ نحو عشرين عاماً وما زال اسمه مثل الذهب العتيق يلمع فوق المسرح السوري.
تحت عنوان «فواز الساجر في الذاكرة» كانت أمسية الوفاء لفواز، في دار الفنون بالقنوات مساء السبت 16 أيار 2009، وخلالها تم تقديم العديد من الشهادات التي تلخص بعض جوانب حياة الراحل الحاضر فواز الساجر، فقد قدم العديد من محبي هذا الفنان المحبوب شهاداتهم به، وذكرياتهم معه، معبرين بإخلاص قل نظيره، عن تكريمهم العفوي والصادق لإبداع فنان سوري من منبج، قدم للمسرح السوري المعاصر ما لم يقدمه أحد قبله، ومن تلك الشهادات كانت شهادة المخرج المسرحي مانويل جيجي الذي قال: «سيبقى فواز الساجر في الذاكرة .. هنالك جزء ما من فواز في أي عرض مسرحي إبداعي نراه اليوم، لأن فواز الساجر لم يمت فالمبدع لا يموت أبداً. لقد ترك بصمة في المشهد المسرحي السوري كبصمة الهواء في حياة كل البشر».
ويزيد: «تعرفتُ عليه عام 1972 في أرمينيا، فعرفته الإنسان الصادق والمصرّ على مشروعه المسرحي بعناد كبير». وهنا يخبرنا بـ«أن لفواز الفضل الكبير في أن أكون مُدرساً في المعهد العالي للفنون المسرحية، وله الفضل في دخولي إلى مجلس الإدارة في نقابة الفانيين، وله الفضل أيضاً في أول عمل مسرحي لي مع إتحاد طلبة سورية».
ويضيف: «كان قوي الإرادة، صادقاً بعمله وبعلاقته مع زملائه، أعتبره من الأوائل الذين غيَّروا وجه المسرح السوري، ومعه فؤاد الراشد وشريف شاكر وعدنان جودة».
أما الفنان أيمن زيدان فقد قال: «كان لرحيل الفنان فواز الساجر قسوةً تشبه قسوة الحياة على نفوسنا. لقد تعرفتُ عليه من خلال متابعتي لأعماله المسرحية، ثم كنت واحداً من طلابه في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتعلمتُ منه الإصرار على الحلم، لذا أدرك الآن -وبعد 28 سنة من تخرجي- مدى عمق جذوره في الحركة المسرحية السورية. إن الحديث عنه كالحديث عن آخر الحالمين، هو الحديث عن محارب حارب على جبهات الثقافة المتنوعة، فقد كان المخرج والناظم للحركة المسرحية السورية، كما كان المربي والمعلم. وهو باختصار رجل استثنائي من الزمن الصعب».
وفي كلمته، قال الأستاذ فؤاد حسن: «إن مجرد التكلم عن فواز الساجر أشعر أنه تكريم لي، رغم تجربتي القصيرة معه، ولكن سأتكلم عن واقعة صغيرة حدثت في مسرحية "سكان الكهف"، فقد شاهت طفلة صغيرة ذات العشر سنوات تبكي بعد نهاية العرض المسرحي، وقد استغربتُ سبب بكائها، لكنني اكتشفتُ عندئذ مدى قدرة فواز للوصول إلى أعماق الجمهور وحتى الطفل الصغير. لقد علمني فواز الساجر أن أنظر في عيون الآخرين وأن أنظر إلى قمم الأشجار العالية».
من جانبها تقول الفنانة رفيف الساجر -ابنة الفنان فواز الساجر-: «لقد تعلمت من والدي شيئاً مهماً وهو معنى الحب. لقد علَّمني كم من المهم أن نحب، وأن نُعبِّرعن حبنا لمن نحبهم، وأن الحياة قصيرة جداً وسريعة، لذا يجب أن لا نخاف أو أن نخجل من قول كلمة "بحبك". إن هذه الأمسية بعد 21 سنة على رحيله هي دليل على مدى الحب الذي تُكنونه لفواز الساجر، فشكراً لكل من أعطانا من وقته وترك عمله بالحضور لهذه التحية لفواز الساجر».
أما الكاتب حسن م. يوسف، فقد أعادنا لذكريات كثيرة جمعته مع الفنان فواز الساجر، حيث غصَّ في حديثه عندما ذكر آخر لحظات تقابلا فيها، وأن الراحل كان يطلب منه مرافقته لمتابعة السهرة، إلا أنه اعتذر عن تلبية دعوته آنذاك، ويقول حسن م. يوسف في نهاية شهادته: «فواز الساجر رجل يشبه الحياة بما فيها من أحداث كثيرة، لقد كان فواز يمتلك نظرة مركبة تجمع ألوان قوس قزح في داخلها، فمن نظرة منه نرى الذكاء والحنان والقسوة والمحبة والأمل».
أما شهادة المخرج جواد الأسدي، التي قرأتها الكاتبة ريم حنا. قال فيها: «أنا القادم من كربلاء الندب، وبعد أن حطيتُ الرحال بـدمشق الشبابيك وآذان الصباح وبيت سعد الله ونوس وأنوار سعيد مراد وممدوح عدوان، يبدو أن مشروع الحديث عن مدينة بلا هؤلاء مثل الحديث عن حديقة غادرها حارسها، تاركاً المصطبات والزوار بلا أمل يذكر، وربما تكون رفيف الساجر هي فاكهة هذا النص، لعودة سريعة حمّل فيها فواز ابنة روحه وقصيدة شبابه رفيف، التي أوقفها ذات يوم على خشبة مسرح القباني ليطلب منها وهي بعمر الرابعة عشر أن تقرأ أمامي قصائد بوشكين.»
ويضيف: «فواز بإيقاعه المتفجر، يدرب ممثليه غسان مسعود ودلع الرحبي وفارس الحلو على "سكان الكهف"، كأنما ورود المسرح السوري وقتذاك كانت على وشك أن تكون ثمرة عالية الابتكار والتركيب، حرقة سعد الله لمسرح تجريبي لم يرَ نور وآلام فواز لتكوين ريبتوار مسرحي سوري متفرد، وصداقة فذة رتبت حلماً مسرحياً يقوم على أضلاعنا التي انكسرت بسرعة كأن الغربة الوحشية قد قررت ذبح المدينة بسرقة جسدين معرفيين في أوج عطائهما، بقسوة فريدة من نوعها. كيف لي العودة إلى دمشق بلا فواز ولا سعد الله، لا أحد يعوض خسارتي في الساجر وونوس. ينتابني إحساس بالمرارة كلما جرتني السيارة من قلبي إلى دروب الشام حيث لا نور في تلك البيوت التي كنت أزورها.
فواز الساجر .. أقول لك إن رفيف الرائعة المسكونة بحلمك المسرحي صارت طائر الطاولة الذي يجمعنا، وإن دمشق المسكونة بك وبسعد الله وعمار ألكسان عبثاً أحاول التجانس مع دروبها، إنها ريح الغربة العتية بين مدن مرمية على سكك حديد مخضبة، إنه رماد الحنين إلى تلك الأيام».
ومن الشهادات التي تمت قراءتها كانت شهادة الفنان سعد الله ونوس كتبها قبل رحيله، وتلتها الفنانة ندى الحمصي، إضافة لشهادة من السيد علي النوري حارس مسرح القباني الذي تابع كل عروض الفنان الراحل وهو الشاهد الكبير على تجربة فواز الساجر المسرحية.
بعد ذلك تم عرض فيلم وثائقي بعنوان «فواز الساجر .. حياة رغم موت الآخرين» يعود إنتاجه لعام 1988، من إخراج ثائر موسى. تضمن الفيلم العديد من الصور الفوتوغرافية للفنان الراحل ومشاهد من حياته الشخصية والمسرحية، إضافة لمشاهد من بعض أعماله المسرحية والتي كان آخرها مسرحية سكان الكهف للكاتب الأمريكي وليم سارويان.
المصدر: اكتشف سورية
إقرأ أيضاً:
اول احتفال على نطاق واسع في ذكرى رحيل المخرج السوري فواز الساجر
دار الفنون تعيد الحياة لفواز الساجر
eSyria: "الساجر".... في دار الفنون بعد 21 عاماً
العرب أون لاين: أصدقاء فواز الساجر ينعون المسرح السوري في ذكراه
إضافة تعليق جديد