اغتصاب الزوجة: واقع مأساوي يتجاهله القانون
الجمل- المحامي عبد الله سليمان علي: الاغتصاب هو أن يقدم الزوج على إجبار زوجه بالعنف والتهديد والإكراه على ممارسة الجنس دون إرادتها ورضاها. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو حكم القانون في هذه الحالات؟ وهل يعاقب القانون على الاغتصاب أم أن هذه الحالات ما زالت خارج إطار القانون؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل في الشريعة الإسلامية أحكاماً تنظمها؟
قلنا أن الاغتصاب هو أن يقدم الزوج على إجبار زوجته بالعنف أو التهديد أو الإكراه على ممارسة الجنس دون رضاها.
ويبدو أن قانون العقوبات السوري كغيره من قوانين العقوبات العربية، لا يعاقب على جرم الاغتصاب الذي يرتكبه الزوج تجاه زوجته. ويقتصر القانون على معاقبة من يرتكب الاغتصاب تجاه أي أنثى أخرى غير الزوجة. حيث تنص المادة / / من قانون العقوبات السوري على أنه : ((من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات على الأقل)) . وبموجب هذا النص نرى أن المشرع السوري يحصر جرم الاغتصاب بغير الزوجة، أما الزوجة فلا يتصور وقوع جرم الاغتصاب بحقها حسب ما ذهب إليه هذا المشرع.
وليس من الصعب على أحد أن يتكهن عن المبررات التي دفعت المشرع السوري إلى اختيار هذا المذهب في معالجته لموضوع الاكراه الجنسي بين الزوجين. فالمشرع يعكس رأي المجتمع الذي لا يعنيه من أمر العلاقة الزوجية سوى عنصر الحلّية أي أن تكون العلاقة ضمن الإطار الشرعي المنصوص عليه دينياً وقانونياً، ويتجاهل العناصر الأخرى ومن أهمها حرمة جسد المرأة وحريتها في التصرف والاختيار. ولا يخفى ما تنطوي عليه هذه النظرة من استعباد حقيقي لجسد المرأة وإرادتها الحرة، وانتهاك صارخ لحقها في حرمة جسدها.
ووفق هذا النص القانوني فإن الزوجة التي تتعرض لأي نوع من أنواع الإكراه الجنسي وأياً كان شدة هذا الإكراه فإنها لا تستطيع بحكم القانون أن تطلب معاقبة زوجها على هذا الفعل لأنه مباح بحكم القانون. ولكن نشير إلى أنه إذا ترافق الإكراه الجنسي مع إيذاء جسدي ظاهر كالكدمات والسحجات وغيرها فإن من حق الزوجة أن تلاحق زوجها بجرم الايذاء فقط وليس بجرم الاغتصاب. وهذا تناقض كبير في القانون وثغرة واضحة إذ كيف نجيز للزوجة ملاحقة زوجها جزائياً لمجرد أنه تسبب لها بكدمة بسيطة أو سحجة سطحية ولا نجيز لها ملاحقته في حال أقدم على اغتصابها دون إرادتها.
ويبدو أن الشريعة الاسلامية تقف نفس الموقف الذي وقفه المشرع السوري من هذه القضية فليس في الإسلام أي حكم يقضي بعقوبة الزوج الذي يقدم على اغتصاب زوجته. رغم أن الإسلام ينطوي على كثير من التعاليم التي تحض الزوج على حسن معاشرة زوجه والتودد إليها واستمالة قلبها وربما من أشهر هذه التعاليم ما ورد على لسان النبي محمد عندما قال: ((لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة ، وليكن بينهما رسول ، قيل وما الرسول يا رسول الله ؟ قال : القبلة والكلام !)). فإذا كان النبي ينهى عن إتيان الزوجة دون رسول القبلة فهل يرضى أن تغتصب المرأة من قبل زوجها بأساليب وحشية؟ بالتأكيد لا، ولكننا رغم ما نلمسه في هذه الأحكام من احترام للمرأة وجسدها وتقنين حضاري دقيق لطريقة الاتصال بها فإننا لا نجد في أحكام الشريعة جزاءات تترتب على مخالفة هذا النهي، مما ينزل بهذا النهي من درجة الإلزام الشرعي إلى درجة الاستحباب غير المعاقب على مخالفته.
ونحن نرى أن هذا الموضوع يتصف بحساسية عالية في مجتمع محافظ كمجتمعنا السوري خاصة والعربي عامة، وندرك أن التطرق إليه قد يغضب جهات كثيرة، لكن هذا لا يقلل من أهميته وخطورته لاسيما وأن هذه العلاقة الحميمة بين الزوجين هي التي تضع شيفرة نجاح أو فشل الزواج ولها تأثير كبير على مختلف أوجه الحياة بين الزوجين. لذلك لا يجوز التغاضي عنها أو تجاهلها أو وضع أحكام قد يفهم منها أن المشرع يبيح لطرف أن يضطهد الطرف الآخر وينتهك حريته واستقلالية شخصيته وحرمة جسده.
ونلاحظ هنا أن المشرع راعى إرادة الأنثى عند عقد الزواج فلم يجز الزواج إلا برضاها وقبولها التام وهذه نقطة في غاية الأهمية ويمكن الاعتماد عليها لإثبات جرمية الإكراه الجنسي وعدم مشروعيته. لأن الإرادة لا تكفي أن تتوافر عند إبرام العقد بل يجب أن تستمر طوال فترة تنفيذ العقد ولا يجوز بأي حال من الأحوال إعطاء أحد طرفي العقد (أياً كان العقد) حق استخدام القوة لإجبار الطرف الآخر على تنفيذ التزاماته. ففي عقد البيع مثلاً لا يجوز أن يهدد البائع المشتري بمسدس أو غيره لإجباره على دفع ثمن المبيع، كما لا يجوز للمشتري تهديد البائع لإلزامه على تسليمه المبيع أو نقل ملكيته. ونعتقد أن الأمر لا يختلف في عقد الزواج فالمرأة التي عبرت عن إرادتها بقبول الزواج من رجل ما في لحظة من حياتها يجب أن لا نفهم هذا التعبير على أنها تنازل من قبل المرأة عن حريتها واستقلاليتها وحرمة جسدها حتى تجاه الرجل الذي قبلت الزواج به. وينبغي بداهة أن لا نعطي الزوج حق إجبار زوجه بالعنف والتهديد (الجزائي) على القيام بأي التزام مترتب على عقد الزواج بما في ذلك العلاقة الجنسية. لأن أساس الحياة الزوجية هو التوافق والتفاهم المشترك بين الشخصين، وامتناع أحد طرفي الزواج عن القيام بالتزاماته، لا يعطي الطرف الآخر حق الإلزام والإكراه، وإنما من حقه فقط إذا تعذر عليه تحمل هذا الامتناع أن يقوم بفسخ العقد وطلب الطلاق، أما الإكره فإنه مرفوض تحت أي ذريعة كانت.
في اليوم العالمي للمرأة، نتساءل ـ كما تساءل الأستاذ عمر نشابة على صفحات جريدة الأخبار اللبنانية ـ عن عدد الزوجات اللواتي يتعرّضن للإكراه الجنسي والاغتصاب. وفي هذا الإطار لا بدّ من الإشارة إلى أن عدم معاقبة القانون للزوج المغتصب يشجّعه على تكرار فعله من جهة، ويدفع الزوجة إلى الرضوخ له من جهة أخرى. يكرّس ذلك نظام السلطوية الذكورية في العائلة وفي المجتمع، ويقلّل من احترام المرأة وحقوقها.
هل يقبل المواطن بقانون لا يعاقب على إكراه الزوج لزوجته جنسياً؟
الجمل
إضافة تعليق جديد