في الذكرى الرابعة: كيف سقطت بغداد /آراء وتحليلات/

09-04-2007

في الذكرى الرابعة: كيف سقطت بغداد /آراء وتحليلات/

العراقيون على اختلاف مآربهم لم يكن يساورهم أدنى شك فى أن بغداد ستنتفض مقاومة عندما يقترب الغزاة من أطرافها خاصة وأن الرئيس الراحل صدام حسين طوال أشهر سبقت الحرب كان يطرب أذان العراقيين صباح مساء بأن بغداد ستكون مقبرة للغزاة، إلا أن كارثة وقعت فما أن وصلت القوات الأمريكية إلى أطراف عاصمة بلاد الرافدين فى 9 إبريل عام 2003 حتى إنهارت كأحجار الدومينو.

وما ضاعف المرارة في قلوب العراقيين والعرب أن قرية صغيرة فى جنوب العراق هى أم قصر ظلت تقاوم قوات الاحتلال مدة أسبوعين فى حين لم تقاوم بغداد أبدا رغم ما فيها من تحصينات وحشود عسكرية وترسانة أسلحة عراقية كان يتغنى بها النظام العراقي السابق.

وفجأة اختفت قوات الحرس الجمهورى والجيش العراقى من العاصمة وذهل العالم وهو يرى قوات الاحتلال تسقط تمثال صدام حسين فى ميدان الفردوس الشهير بوسط بغداد في 9 إبريل وكانت الصدمة المروعة عندما نقلت الفضائيات مشاهد النهب والسرقة تحت أعين الغزاة والتي لم تقتصر على المحلات العمومية والخاصة بل طالت كذلك رموز الهوية الوطنية مثل المكتبات والمتاحف .

وأطل الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بعد السقوط المدوى ، ليتوجها برسالة إلى الشعب العراقي يرددان فيها ما دأب الاستعماريون القدامى والجدد على قوله كلما دخلوا بلدا جديدا وأخضعوا شعبه بالقوة الغاشمة وهو الادعاء أن "جيوش التحالف" لم تدخل العراق غازية بل "محررة" وبشّرا الشعب العراقي بـ"الديمقراطية" وبـ"إعادة البناء" ، إلا أن القصف الجوى الوحشى الذى أودى بحياة آلاف العراقيين الأبرياء ونتج عنه تدمير المدن والقرى والبنية التحتية ونهب الهوية وطمس الذاكرة من خلال استهداف المكتبات والمتاحف هى جرائم فضحت أكاذيب الاحتلال منذ وطأت أقدامه ارض العراق في 20 مارس .

وتعددت الروايات حول ماحدث في 9 إبريل ففى الوقت الذي ادعى فيه بعض قادة الجيش العراقى أن سياسة وخطط صدام هى التى أدت إلى احتلال العراق بذلك الشكل " المهين " ، ألقى صدام من جانبه اللوم على الخونة دون تحديد وأشار فى رسالة بعث بها من مخبئه فى 30 إبريل وأذاعتها القنوات الاخبارية العربية إلى أن الخيانة كانت وراء سقوط بغداد، قائلا :" لم ينتصروا عليكم يا من ترفضون الاحتلال والذل ويا من فى قلوبكم وعقولكم العروبة والإسلام إلا بالخيانة."

وفى الذكرى الرابعة لسقوط بغداد ، نستعرض أبرز الروايات حول لغز السقوط المدوى على أمل التوصل لإجابة التساؤلات التالية: لماذا اختفى الجيش العراقى فجأة وسقطت بغداد بدون قتال فى 9 إبريل؟ وهل كان الانهيارالمفاجئ بسبب خيانة بعض قادة الجيش؟ أو خيانة المحيطين المقربين لصدام؟ أو أنه نتيجة تخاذل صدام نفسه؟

رواية الجيش:  في مقابلات مع صحيفة الشعب اليومية الصينية في 9 إبريل 2004 أى في الذكرى الأولى لسقوط بغداد ، أشار عدد من العسكريين العراقيين إلى أن الجيش العراقى كان مكونا من وحدات يائسة ليس لها قيادة مركزية إذ أمر بعض القادة جنودهم بعدم القتال فيما جرى إخفاء الطائرات المقاتلة العراقية بأمر من صدام بجانب أن الرادارات والبطاريات كانت معطلة أو تعمل بنصف طاقتها.

ووفقا للعسكريين العراقيين فقد كانت الخطة التى وضعها صدام وأصبح كل عراقى على علم بها أن القوات الأمريكية عندما تحاول دخول بغداد سيدمرها فى حرب الشوارع لكن أحدا من الضباط والجنود لم يكن يثق بهذه الخطة التى ثبت فيما بعد فشلها .

وكشف اللواء عبد الكريم عبد الرزاق أحد قادة الجيش العراقى في هذا الصدد أنه جمع من تبقى من جنوده فى صباح السابع من ابريل وكانوا مرهقين ومتعبين جدا، فى وقت كان فيه الطيران الأمريكى يقصف والقوات الأمريكية تتقدم والجيش العراقى يتلقى أوامر بمواصلة القتال .

واستطرد يقول " عندما أصبح واضحا أننا فقدنا السيطرة أصدرت أمرا لجنودى بالانسحاب لأن بقاءهم يعنى موتهم " ، موضحا أن القوات العراقية انهارت من الداخل فى الأيام الأخيرة من الحرب حيث فر الجنود من وحداتهم ورفض الضباط دفع جنودهم الى موت أكيد على أيدى تكنولوجيا متفوقة للقوات الأمريكية.

وفى السياق ذاته ، قال العميد حسن جبانى إن 70 بالمائة من جنوده لاذوا بالفرار فى الثالث من إبريل ، مشيرا إلى أنه أدرك عدم وجود أية فرصة بالفوز فتركهم يذهبون.

ونقلت الصحيفة الصينية عن عسكريين عراقيين آخرين قولهم إن انهيار الجيش العراقى تم ليس بسبب الضربات الأمريكية فحسب لكن بسبب طريقة بناء الجيش وانعدام الثقة والممارسات القمعية خاصة بعد أن خسر صدام حرب الخليج عام 1991 حيث فقد ثقته بجيشه النظامى وبدأ ببناء قوات متخصصة تعمل خارج نطاق الجيش النظامى .
وقال اللواء ياسين محمد الجبورى فى هذا الصدد إن صدام خلق جيوشا صغيرة لحماية عشيرته ومصالحه لأنه كان خائفا من أن يتمرد الجيش النظامى عليه كان صدام يكلفهم بواجبات يصعب إنجازها ثم يغدق عليهم الهدايا، ما جعلهم يزودونه بتقارير مبالغ فيها وكاذبة مثلما حدث بالنسبة الى المدفع العملاق الذى لم يتجرأ أى من الضباط أن يخبر صدام بأن المدفع لن يعمل، نقلا عن .

وأضاف الجبورى أن الأخبار التى وردت من الجنوب فى بداية الحرب كانت مشجعة ورفعت من معنويات الجنود لكن بعد وصول القوات الأمريكية إلى مطار بغداد انهارت معنويات الجنود، وهرب نصفهم، بينما اختفى الآخرون فى بنايات مهجورة قرب طريق المطار.

وفي مقابلة مع فضائية العالم الإيرانية فى 7 إبريل 2004 ، كشف
اللواء مزهر طه الغنام وهو ضابط ركن في وزارة الدفاع العراقية خلال الحرب وحاليا يشغل منصب قائد الشرطة في محافظة صلاح الدين ، أن وزارة الدفاع منعت من التخطيط وإدارة معركة بغداد رغم أنها هي المعنية بذلك ، قائلا :" لم يسمح لوزارة الدفاع أن تخطط للدفاع عن بغداد ولا أن تدير معركتها لذلك كان دور الوزارة ثانويا وأوكلت هذه المهمة إلى الحرس الجمهوري وكان يشرف على الحرس الجمهوري ويقوده قصي نجل الرئيس السابق وهذا الرجل لم يكن عسكريا إنما هو خريج كلية القانون.

وتابع الغنام قائلا :" قبل أكثر من سنة من الحرب أعدت وزارة الدفاع العدة وحولت مدن العراق إلى وضع يسهل الدفاع عنه من ناحية التعبئة والإعداد على الارض وتهيئة مواضع دفاعية متعاقبة وتوزيع أكداس العتاد ومواد تموين القتال ووضعت الخطط الدفاعية للدفاع عن جميع مدن العراق وحسبت حسابات كثيرة من ضمنها التخلي عن بعض المدن ذات الأهمية الثانوية والتركيز على الدفاع عن المواقع ذات الاهمية الاستراتيجية المهمة وحسب أهمية هذه المدن وقسم العراق إلى مناطق لتلافي حالة انقطاع الاتصالات وتم تعيين قادة لهذه المناطق ولكن مع الأسف أن القادة لم يكونوا قادة عسكريين إنما كانوا يتمتعون بصفة سياسية".

وأضاف قائلا في هذا الصدد :" هناك مبدأ عسكري هو يجب عدم زج الوحدات قبل تنظيمها وتدريبها وتهيئة الاسناد الاداري والناري لها فعندما لاتكون هذه الأمور مهيأة تجد الوحدة العسكرية نفسها في حرج ولا تتمكن من ان تؤدي واجبها وهذا ما حصل، إن القوات المهاجمة تقدمت من محاور لاتوجد فيها الوحدات بكثافة واستفادت من قدراتها على الاستطلاع كذلك كان لديها متعاونون بشكل كبير من خارج العراق أو داخله، الوحدات العسكرية للحرس الجمهوري وجدت نفسها مشلولة ولم تتمكن من تأدية دورها في الدفاع عن بغداد ووزارة الدفاع كانت ممنوعة من قبل القيادة السياسية أن تدير معركة بغداد".

وشدد الغنام على أن هناك أسبابا أخرى أدت إلى هذا الانهيار السريع وهي ضعف الاداء والاهمال والتقصير في أمور كثيرة منها ضعف القيادة ، وعدم تهيئة مواضع دفاعية بشكل صحيح وعدم تهيئة مسرح العمليات بشكل صحيح وهذا أدى إلى إرباك الوضع العام ، وتساءل " كيف يقاتل الجندي الذي لايوجد لديه موضع للقتال؟ إذا لم تكن منظومة موانع امامه كيف يقاتل؟ إذا لم يوجد اسناد ناري كاف له كيف يقاتل؟ إذا لم يكن إسناد إداري ولاتوجد خطة واضحة كيف يقاتل وحتى الوحدات التي تأتي للتعزيز تتنقل في تلك الظروف الصعبة وتقطع مئات الكيلومترات وتصل إلى بغداد ولا تجد مكانا تقاتل فيه فهذا أدى إلى إرباك وضعف في الأداء ".

وأشار الغنام إلى أن ما حصل من تناقضات في القيادة ومنع القادة العسكريين المحترفين من أداء دورهم يعود إلى أسباب أمنية لأن صدام كان يخشى من الانقلاب العسكري لذلك لم يقوموا بواجباتهم الرئيسية في الدفاع عن بغداد وقال " إن الحرس الجمهوري لم يكن له قائد وهو تشكيلة غريبة علينا كعسكريين" . وأضاف: "كان للحرس الجمهوري رئيس أركان وعين قصي صدام مشرفا عليه باعتباره القائد وحسب معلوماتي أن رئيس الأركان لايمتلك القرار الحقيقي للتصرف بالحرس وإنما القرار الحقيقي بيد المشرف وهو رجل مدني يمتلك خبرات قليلة وفي تقديري أن الحرس الجمهوري لم تتوفر له القيادة المناسبة ولم تهيأ له الظروف المناسبة للدفاع عن بغداد ووزير الدفاع لم يكن يمتلك الصلاحيات اللازمة ولا يستطيع أن يصدر أمرا يتعارض مع توجيهات قائد المنطقة الجنوبية علي حسن المجيد أو قائد المنطقة الشمالية عزة الدوري أو غيرهم لذلك فان القادة العسكريين كانوا مقيدين ومهمشين".

وواصل حديثه قائلا "حسب علمي أبلغ قصي وزير الدفاع بأن الدفاع عن بغداد مهمة الحرس الجمهوري وأن وزارة الدفاع ما عليها إلا أن تكون متفرجة في هذا الجانب"، مشددا على أن وزارة الدفاع كانت على ثقة أن الإجراءات المناسبة لم تتخذ للدفاع عن بغداد .

وعن معركة المطار التي اعتبرت بداية الانهيار ، قال الغنام "في وزارة الدفاع ومنذ الأيام الأولى قلنا لهم (القيادة ) إن أول هدف سيهاجم في بغداد هو المطار الدولي وكان لدينا وضوح تام بهذا الموضوع لأننا كنا نضع أنفسنا مكان المهاجم".

رواية هيكل:  في إحدى حلقاته على فضائية الجزيرة ، كشف الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل أنه والأخضر الإبراهيمى مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى العراق إطلعا على رسالة كتبها الدبلوماسى العراقى السابق نزار حمدون والذى كان ضمن قلائل يلتقون صدام ويتحدثون معه بصراحة وتروى الرسالة حوارا بين صدام ونزار قبل الحرب مباشرة يقول فيه صدام: الغزو سوف يحدث لكن الحرب الحقيقية أو القتال الحقيقى سوف يكون بعد ذلك فأنا اعرف الشعب العراقى وامريكا لا تعرفه.

وعلق الكاتب الصحفى محمود المراغى في مقال له بصحيفة العربى المصرية فى 15 أغسطس 2004 على رواية هيكل قائلا : إنها تعنى أن الغزو قادم ولا مفر منه وأن القوة العراقية لا تستطيع الصمود حتى النهاية لتحول دون وقوع الاحتلال وأن حربا حقيقية أو قتالا حقيقيا سوف يعقب ذلك فهذه هى طبيعة الشعب العراقى الذى خاض معارك كثيرة وبشراسة واضحة .

ووفقا للمراغى فإن الأرجح أن أمرا قد صدر بإيقاف القتال من جانب واحد هو الجانب العراقى وأن ذلك الأمر كان يعنى اختفاء الأفراد والأسلحة ليتم استئناف الحرب بعد ذلك وعلى هذا النحو فإن الحرب مازالت معلقة لم يتم حسمها رغم ما بدا من مشهد درامى تابعه العالم على شاشات التليفزيون حين اختفى الجنود ثم اختفى التمثال ثم ارتفع العلم الأمريكى.

واستطرد يقول :" نعم.. الحرب لم تنته لحظة الغزو والحرب الممتدة حتى الآن وطبقا لرواية هيكل ما هى إلا تعليمات قد صدرت يوم 9 إبريل ". وأضاف المراغى أن الجيش العراقى والحرس الجمهورى وفدائيى صدام الذين بلغ عددهم نحو نصف مليون خرجت الغالبية العظمى منهم سالمين خلال القصف الجوى الأمريكى العنيف كما أن ترسانة الأسلحة الضخمة ظلت قائمة فى جزء كبير ، بالإضافة إلى أن الجيش العراقى المنتشر والمتخفى والذى أخذ بالتأكيد أشكالا تنظيمية مختلفة ولا مركزية، هذا الجيش مازال يحتفظ بوسائل تطوير وتصنيع أسلحته فى حدود المهام المنوطة به الآن وهى: الحرب الشعبية التى تستخدم أسلحة تتخطى ما تسميه أسلحة فردية إنهم يملكون الصواريخ ومضادات الطائرات والدبابات وهم يوقعون بجيش الاحتلال الكثير من الخسائر والتى قد تكون فى جانبها المادى أكثر من جانبها البشرى.

وبناء على ما سبق ، رجح المراغى أن الجيش العراقى هو عماد المقاومة وأن لأفراده القدرة على الاختراق والقيام بعمليات استخباراتية يعرفون من خلالها تحركات وأسرار العدو حتى أن كبار القادة مثل بريمر وجون أبى زيد كادوا يقعون فى الشباك لولا الصدفة ، والقدرة على وضع خطط حربية خالصة تختلف فى نوعياتها عما تقدمه عناصر فدائية استشهادية لا تملك غير حزام ناسف يودى بحياتها وقد يودى بحياة الآخرين بل انها تختلف عما يقدمه البعض من سيارات مفخخة على طراز الحرب اللبنانية، والقدرة على المواجهة والقتال والاحتفاظ بالمواقع الحصينة.

واستطرد المراغى يقول :" هكذا فإننا أمام جيش كان نظاميا ومازال على قدر من نظامه وإن كان الأرجح ان مركزيته قد انتهت بسبب الظروف التى يعمل فيها . ومقاومة الجيش لاتنفى وجود تنظيمات غير منتمية للجيش السابق فنشوء حركة مقاومة أو حركة تحرير شعبية أمر منطقى ووارد بل هو قرين كل احتلال كما أنها لاتنفى وجود عناصر متطوعة وافدة من خارج الحدود بدافع قومى أو إسلامى".

إن قصة الخيانة بحسب المراغى وهيكل ونزار حمدون ليست هى القصة الحقيقية أو الرئيسية وأن سقوط بغداد كان بفعل فاعل عراقى رأى أن بغداد سوف تدمر وأن القرار الصحيح ليس الاستسلام وليس مواصلة الحرب وإنما الاختفاء والانتشار ثم إعادة الكرة فى وقت لاحق.. أى أنها الحرب المؤجلة والممتدة .

رواية بعثية:  صحيفة الوطن العمانية نشرت في أواخر إبريل 2003 رواية بعثية عما حدث في معركة سقوط بغداد ، أوضح خلالها الدكتور قاسم سلام عضو القيادة القومية لحزب البعث المنحل أن معركة المطار كانت هي المعركة الفاصلة في الحرب.. بل هي "أم الحواسم" كما أسماها، غير أنه سبقها ظهور بوادر تململ في صفوف الجيش العراقي في البصرة، حيث عمد بعض كبار الضباط إلى تصرفات تهدف إلى التخلص من الفدائيين والمتطوعين العرب.. وعندما تم الإنزال الأمريكي في مطار صدام الدولي، امتنع الحرس الجمهوري عن التوجه للقتال في المطار، ما دفع الرئيس صدام حسين إلى قيادة إحدى كتائب الحرس شخصيا، مستقلا الدبابة الأولى التي هاجمت القوات الأمريكية في المطار مسنوداً بقوات المتطوعين العرب والفدائيين، حيث تمكن بهذه القوات من قتل العشرات من الجنود الأمريكيين قبل انسحابهم ، رغم أن طيران الجيش امتنع عن توفير غطاء جوي له.

ووفقا للمسئول البعثى السابق ، فإنه بعد هذه المعركة الفاصلة التي حسمت لصالح العراق، وبدلا من أن ترتفع المعنويات.. بدأ فصل جديد من المؤامرة تمثل في ازدياد كثافة عمليات انزال اعداد محدودة من الدبابات الأمريكية داخل مواقع متعددة داخل بغداد، وانزال افراد معارضة عراقية بواسطة المروحيات الأمريكية، وقد جيىء بهم من خارج العراق ليقوموا بإلقاء الورود على المحتلين ونهب المؤسسات العامة بدءا من الثامن من إبريل بهدف خلخلة الجبهة الداخلية للعراق.

وترافق هذا مع اشاعة خبر مقتل الرئيس صدام حسين بعد توقف الإذاعة والتليفزيون العراقيين ، ومهد كل ذلك للنهاية المأساوية المتمثلة في تخاذل قيادة الصف الأول في الحرس الجمهوري، التي أعطت تعليمات لقادة الصف الثاني، مرروها بدورهم نزولا إلى الجنود، تفيد بانتصار الأمريكان وانتهاء المعركة، ووجوب الإنسحاب والاختفاء استعدادا للمعركة المقبلة طويلة الأمد، مخلفين وراءهم أسلحة تكفي لخوض حرب تستمر لسنة ونصف.

إن الجيش، وكذلك الحرس الجمهورى لم يخوضا المعركة الإستراتيجية في بغداد بحسب المسئول البعثى السابق ، قائلا :" التلاعب بدأ في البصرة.. وقد رويت لي بعض الروايات، من قبل بعض الرفاق، تقول إنه في احدى المواجهات التي وقعت في البصرة، كان هنالك ثلاثة من الفدائيين العرب واثنان من العراقيين هوجموا وتمت السيطرة عليهم وأسرهم من قبل القوات الأمريكية. وعندها خاطب أحد الفدائيين ضابطا في الجيش العراقي متسائلا: كيف يأسرون رفاقنا ونحن نتفرج..؟! أجابه الضابط: ما عليك..! هنا قام الفدائي بإطلاق الرصاص من رشاشه على السيارة الأمريكية التي كانت تقل الفدائيين الخمسة كأسرى، ما ادى إلى انقلابها. وتم تحرير الأسرى. وانضم المقاتلون العراقيون إلى الفدائي العربي وحرروا الفدائيين الأسرى، وقتلوا الجنود الأمريكان الذين كانوا قد أسروا الفدائيين".

واستطرد يقول :" هذه الرواية تشكل مؤشراً إلى أن هذا الضابط العراقي كان يريد ايهام الفدائيين بوجود كمين غير مرئي للجيش العراقي سيقوم باعتراض السيارة الأمريكية التي كانت تقل خمسة من الفدائيين أسرى، في حين أنه كان يكذب، كان يريد للأمريكان أن يأسروا الفدائيين العرب.
ازاء حالة التململ التي بدأت في صفوف قادة الصف الأول في الجيش، بدأنا نشعر بوجود ثغرة في السيطرة".

وفي معركة المطار ، طلب صدام حسين تغطية عمليات الكتيبة التي يقودها من قبل طيران الجيش، لكن طيران الجيش لم يحضر، ما جعل الدبابات العراقية مكشوفة، وصدام حسين مكشوفاً.. غير أن السماء وفرت الغطاء له.. إذ ثارت عاصفة رملية لم يعرف العراق مثلها من قبل وشكلت هذه العاصفة ستاراً لكتيبة الحرس الجمهوري التي يقودها صدام حسين. فإلى جانب الظلام الدامس الذي ساد في الحادية عشرة من مساء السادس من إبريل، جاءت العاصفة الرملية لتكمل انجاز مهمة ستر الكتيبة العراقية التي يقودها صدام.

ومازال الكلام للمسئول البعثى السابق ، فوجئت القوات الأمريكية بقوات من الفدائيين العرب تهاجمهم في المطار، وبصدام حسين على رأس كتيبة دبابات فوق رؤوسهم. ولم تبق تلك المعركة احدا من افراد القوات الأميركية في المطار، لقد دمر كل ما كان موجوداً من القطع العسكرية والأسلحة والبشر وحاولت أمريكا التقاط أنفاسها عبر سحب بعض الجرحى والهرب من ذلك الجحيم، بواسطة طائراتها التي حلقت في السماء. وقد تم تحرير المطار، كما تم تحرير أبو غريب ، وعاد الرئيس إلى نفق الشرطة وتمت تصفية الدبابات التي أنزلت هناك، وكذلك الدبابات التي انزلت في ساحة الاحتفالات، وكان عددها ست دبابات.وعلى ذلك، فقد كان كل شيء يوم السابع من ابريل تحت السيطرة.

وفي تفسيره لإنقلاب الموازين منذ 7 إبريل ، قال المسئول البعثى السابق :"
فجأة، اختفى الحرس الجمهوري الذي كان متحصنا في البساتين، وذلك جراء تعليمات من قادة الصف الأول في الحرس، إلى قادة الصف الثاني، أن ابلغوا افراد الحرس بأنه كي نتمكن من تنظيم المواجهة في معركة مفتوحة طويلة الأمد، فإن أفضل ما يمكن فعله الآن هو الإختفاء".
إضافة إلى ذلك، "فقد تم ترويج اشاعة تقول أن صدام حسين قد قتل الى أن ظهر يوم 8 إبريل في الوزيرية والكاظمية، وظهر لهم ثانية في اليوم التالي في شارع 14 رمضان، لكن حالة التململ التي بدأت في الصف القيادي الأول في البصرة انتقلت إلى بغداد، ما تسبب بالسقوط السريع لبغداد".

وشدد قاسم سلام في هذا الصدد على أن أعمال النهب نفذها رجال المعارضة الآتون من الخارج والذين نجحوا في استقطاب بعض العناصر الداخلية ، قائلا " لكن الذين كانوا يتقدمون الصفوف هم الآتون من الكويت والسعودية وبلغاريا ورومانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وايران. لقد دخل خمسة آلاف مسلح من ايران".

واستطرد قاسم سلام يقول " لقد تعامل الفدائيون بقسوة مع منفذى أول عملية نهب، وعند ذلك تدخلت الدبابات الأمريكية لحمايتهم. كان يتم تسيير دبابات أمريكية على شكل دوريات في المناطق المستهدفة بالنهب، أو يتم وضع دوريات ثابتة من الدبابات على شكل حواجز لتوفر الحماية لمن ينفذون أعمال النهب والحرق. وكانت الدبابات تسحب بعد الانتهاء من النهب والحرق" .

وأشار إلى أن منفذى عمليات النهب لم يتركوا مصنعا أو مؤسسة أو متجراً حكوميا إلا دمروه، وكأنهم أرادوا الإنقضاض على كل ما بناه صدام حسين خلال 35 سنة من حكمه للعراق .

رواية رابعة:  كشف القائد السابق للحرس الجمهوري العراقي الفريق أول سيف الدين الراوي في مقابلة مع فضائية الجزيرة عشية الذكرى الرابعة لسقوط بغداد ، أن القوات الأمريكية استخدمت قنابل نيوترونية ضد الجيش العراقي إبان معركة مطار بغداد عام 2003.

وأضاف يقول في هذا الصدد :" إن الأسلحة النيوترونية التي استعملها الجيش الأمريكي تقتل البشر وتحرق الأجساد تماما لكنها تبقي الأسلحة والأبنية سليمة" ، مشيرا إلى أن الجيش الأمريكي استخدم أيضا في معركة المطار قنابل تزن تسعة أطنان وقنابل فوسفورية حارقة قادرة على إحراق منطقة عمليات بحجم سرية إضافة إلى عوامل تشل القدرة.

وأكد أيضا أن الجنود العراقيين الذين قال إنهم كانوا من قوات النخبة قاتلوا حتى الموت ولم ينج أحد منهم خلال تلك المعركة التي جاءت قبل أربعة أيام من استكمال القوات الأمريكية احتلال بغداد.

ويمكن القول إنه رغم تعدد الروايات حول لغز سقوط بغداد ، إلا أن حقيقة ما حدث بالفعل يبقى لغزا محيرا .

جهان مصطفى

المصدر: محيط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...