رفض سلطة قيم الجمال، اللغة، التراث، اللا إنسانية

19-07-2008

رفض سلطة قيم الجمال، اللغة، التراث، اللا إنسانية

الجمل- مازن كم الماز: بدأ أولا استخدام العبيد في أمريكا كيد عاملة رخيصة لا تتمتع بأية حقوق , و من ثم عمل الخطاب السائد , السياسي و الفكري و "الثقافي" و الاجتماعي و "العلمي" , على تبرير "الواقع" الطبيعي , على تبرير "الحقيقة" التي تقوم على كون هؤلاء الزنوج هم منتجي الثروة المحرومين منها بأنهم مصابون ب "تخلف و تأخر" طبيعي لا شفاء منه مقابل تقدم صاحب الأرض الأبيض , هذا أيضا كان يجب أن يكون الموقف من الهنود الحمر و من شعوب الدول المستعمرة أي من كل ضحايا الرأسمالية الغربية , ثم اختلقت هذه "الحقيقة" بعدها الواقعي بأن أسست قيم الجمال السائدة مثلا استنادا إلى قسمات وجه و تفاصيل جسد الرجل و المرأة البيض و اعتبرت لون البشرة الأسود و تفاصيل الجسد الزنجي تعبيرا عن البشاعة و القبح و ربما القذارة , إن قيم الجمال السائدة في النهاية تعبير عن واقع اجتماعي سياسي سلطوي , إنها ترفض المساواة في الجمال مثلا أو التنوع في الجمال الإنساني كنتيجة للتنوع الإنساني نفسه , إنها تعكس رفض هذا التنوع باتجاه الواحدية الغربية البيضاء , إن القضية الأخيرة ليست حقوقية , في عالمنا اليوم ليست القضية في إعلان حقوق الإنسان العالمي أو في الدساتير الوطنية , إنها في العلاقات السياسية و الاجتماعية القائمة بالفعل بين الفئات و الطبقات , إنها في علاقات الملكية أو من يسيطر على وسائل الإنتاج و في علاقات السلطة التي تنتجها , و في نهاية المطاف في المستوى اللاواعي أو القيمي أو الجمالي للعلاقات الإنسانية , لا يمكن مواجهة السلطة فقط على الصعيد السياسي أو الحقوقي فقط , لا بد من القيام بثورة شاملة على كل تعبير عن علاقات الهيمنة و سلطتها على الإنسان , لا يعني هذا أن القضية ليست في تغيير علاقات الإنتاج أو الملكية , أو علاقة السلطة الحاكمة "برعاياها" , بل إن علاقات الملكية أكبر من مجرد من يملك , إن القضاء على الظلم الاجتماعي أكبر من مجرد وضع وسائل الإنتاج بيد أقلية جديدة , بل إن جمعنتها تتطلب إلغاء فعلي لكل الانقسامات غير الطبيعية بين البشر..
لا ريب أيضا أن اللغة تمارس تأثيرا هائلا على الفكر , إنها أكبر من مجرد مستوعب "محايد" للخطابات الفكرية و السياسية , و اللغة لذلك تمثل جزءا أساسيا من الهوية , إنها جزء من حضور الماضي في الحاضر و من سلطته على الحاضر , و سلطتها هذه هي في تفاعل مستمر مع السلطة القائمة , يمكن فقط أن نذكر مثلا أن أتاتورك قد مد يده إلى اللغة و عدلها جذريا لتنسجم مع المضمون الجديد الذي أراد أن يعطيه للهوية التركية , و يجب أن نذكر التطور في اللغة الأدبية مع العصور المختلفة من التطور الحضاري العربي كتعبير آخر عن مجمل التطور الاجتماعي السياسي و الفكري , في لحظة تاريخية حبلى بالإمكانيات التاريخية الهائلة قام النبي محمد بإعادة تجميع و خلق ثورية لعناصر الهوية العربية نحو مضمون جديد للهوية ثوري بالنسبة لما سبقه بالتأكيد , كان الصراع الذي دار في النصف الأول من القرن العشرين في مصر حول استخدام اللغة العربية صراعا على الهوية , هذا بديهي , لكن الصراع على الهوية و على مضمونها صراع مستمر , إننا هنا ننتقل إلى الوجه الآخر من العملة , نحو رفض التنوع الإنساني استنادا إلى هوية تقوم تحديدا على مرجعية الماضي , القضية هنا هي في ضرورة تقديم تعريف ديمقراطي إنساني للهوية في مواجهة الهوية الكوسموبوليتية الموحدة التي يريد خطاب العولمة الرأسمالية أن يفرضها كمعنى وحيد للهوية الإنسانية و في مواجهة التعريف الأصولي للهوية , قوميا كان أو دينيا , إن الالتزام باللغة الفصحى يعني الاستسلام لسلطة الماضي الفكرية , لرقابته ضد أي حديث يتحدى مجمل مفهومه عن الإنسان , عن الأنا و الهو , و عن وسائل و حدود التفكير و أساسا عن السلطة , لقد كان إصرار القوى القومية الحاكمة على مرجعية الماضي لغويا و تاريخيا في تعريف الهوية وراء تمكن القوى الأصولية من استعادة مكانها في تشكيل الوعي المعاصر للجماهير لأن هذا لم يكن سوى تفعيل للنسق الفكري و المعرفي السائد و الشعبوي..ليس فقط أن الأنظمة القومية لم تكن راغبة , بل لم يكن بمقدورها قيادة ثورة أعمق في الوعي الجمعي أبعد من تأسيس سلطتها الزمانية على مرجعية ماضوية تقوم على قدسية السلطة , إن مقاربة الفكر القومي للتاريخ رسخت السلطة كفاعل أساسي بل و وحيد في التاريخ و كانت الأنظمة القومية مجرد تماهي مع هذا التاريخ القائم على السلطة أساسا..لا يمكن الدفاع عن مضمون ديمقراطي إنساني للهوية دون مقاربة ثورية للغة السائدة , ليس فقط أكاديميا أو في مجال الإبداع الفني , بل أيضا في الشارع , لغة تقوم على حرية فعلية تتجاوز مرجعية الماضي , إن فضاءات الحرية المطلوبة اليوم لا يمكنها أن تنسجم مع مرجعية الماضي المتمثلة في اللغة السائدة , و لا مع مركزية السلطة في التاريخ , و لا مع مرجعية التراث الوحدانية , لا يوجد أي معنى هنا للحديث عن مرجعية أخرى في التراث هي مرجعية الفلاسفة العرب و المعتزلة و العلماء , لأن هؤلاء كانوا قد أعادوا تعريف الهوية على أساس إنساني جامع , عندما مثلا أدخلوا مجمل الفكر اليوناني في ماهية الهوية , الإنسانية هنا , التي أسسوها على ما هو معقول أساسا , عندما سموا أرسطو مثلا بالمعلم الأول دون النبي محمد مارسوا فعلا واضحا في إعادة تحديد مضمون الهوية كما فهموها , أي أن التراث ليس وحدة متناغمة , لكنه يتمثل اليوم في وحدته القائمة على مرجعية أصولية , إن الفكر العقلاني بكل أشكاله لا يحضر اليوم حتى في مقاربة النهضويين , لأن العودة إلى التراث أو الاستسلام لمرجعيته هو موقف لا عقلاني تماما كما كان موقف أعداء العلماء و الفلاسفة العرب المسلمين يومها..هناك شرط أساسي في استيعاب الفكر العربي الإسلامي القروسطي العقلاني أو حتى المعارض ( لأن الخطابات المعارضة كانت في بعض نماذجها لا عقلانية , صوفية أو في شكل فرق غلاة ) في تحديد إنساني ديمقراطي للهوية : و هو فهمه , نقده و من ثم تجاوزه , لا تكراره..إن الإصرار على اللغة العربية الفصحى سيعني أننا محكومون مباشرة أو بشكل غير مباشر ليس فقط بالفراهيدي و سيبويه بل بالمنظومة الفكرية السائدة يومها و بشكل و مضمون السلطة السائدة يومها , إن التغيير الجذري في شروط حياتنا اليوم لا يمكن أن يتم دون بدء و الإصرار على عملية نقد ليس فقط لشكل الخطابات السائدة بل لأدواتها التي تستخدمها..إن قضية تحرير الإنسان تعني بكل بساطة تحطيم كل قيوده لا أي شيء آخر..

الجمل


  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...