«جنة» لأولريش سيدال الفيلم الملعون يستكمل إداناته الأوروبية

21-03-2013

«جنة» لأولريش سيدال الفيلم الملعون يستكمل إداناته الأوروبية

المقطع الأخير، المعنون «أمل»، أقلها صدمة، لكن أبلغها في التحامل على دونيّة الأوروبي. ثانيها «إيمان»، أكثرها عنفاً، وأشدّها تركيزاً على مهانات الارتياب، وهستيريا العنصرية، وتضاد العقائد. فيما جاء أوّلها «حب» تهكّماً زاهي الألوان، حول غرابة أطوار الأوروبيّ في بحثه عن اللذّة والصبابات بمحرّماتها وجنونها ومُكابداتها. تنعقد حكايات ثلاثية المخرج النمسوي المثير للجدل أولريش سيدال حول رحلات كائن متبطر بنعمه إلى حدّ الضجر، كما هي حال الإبنة المراهقة ميلاني بطلة «أمل»، أو عدائي إلى حدّ التوحّش، مثلما هي طبائع الخالة آن ماريا في «إيمان»، أو خاوي النيات إلى حد الهَبَل على طريقة الأم تيريزا (مارغريت تيزل).
استكمل سيدال فيلمه المَلعُون، ليُشكّل منطقاً سينمائياً بليغاً بشأن ما يسمّيه «تقييم وضع»، و«استبطان للحياة والمجتمع، لأن أحدهما يرسم حدود الآخر»، و«أن الظروف الواقعية دافع لرغبات غير مُلباة». تتحوّل رحلة العجوز تيريزا إلى شواطىء كينيا بحثاً عن إشباع جنسي... إلى نكتة جماعية. في نظر الشبان الأفارقة، هي صيد مالي سهل، لا حاجة إلى التفكير بظروف وحدتها وغمّها الشخصيين في بلاد باردة. إنها كائن يريد إشباع غرائزه بين غيلان سوداء، تمتلك أعضاء تناسلية لا مثيل في رجولتها حجماً ولوناً. هنا، تتبادل مواقع السوق: عين النساء الأوروبيات على الفُتوَّة، فيما يسعى الأفريقي إلى كذب الشهوة. أي أن الهَوى لديه سلعة تزكّي سرقة . لن يتحقق حلم تيريزا بـ«اصطياد» حبيب يرتضي تشوّهها الفيزيولوجي (بدانتها المفرطة)، بديلاً من أعراض أبناء جلدتها عنها. في الأرض الغريبة، تقع ممرضة فيينا في مطبّ لعنة الفهلويّة الأفريقية وقسوتها ومهانتها. تبحث في شوارع مزدحمة وعنيفة عن شاب جرّدها كيانها قبل أموالها، لتنتهي حثالة، لا أحد يلتفت إلى إنجادها. رذالة مدمِّرة عمّت فردوسها.
في الوقت نفسه، تتجسّد بطلة المقطع الثاني الخالة آن ماريا (ماريا هوفستاتر) بتولاً عصرية تجول بين بيوت العاصمة، حاملة تمثال مريم العذراء، داعية الانتساب إلى «جسد المسيح السرّي»، وإشاعة «نور الحقّ». إمرأة الصليبية الحداثية، التي لن تتوانى عن تعذيب جسدها وضربه وتعنيفه ذوداً عن خطايا آخرين، تصادفهم يمارسون الجنس كشياطين ليلية وسط حديقة عامة. كل شيء حولها نظيف، شديد الترتيب، طهوري، يكرِّسِ «الخدمة الملوكية» المسيحية الهادفة إلى تحقيق حرية إنسانية ناضجة. بيد أن هذا السعي يُقوَّض فجأة، مع «اجتياح» المصري نبيل (نبيل صالح) مملكتها. هذا الزوج المقعد، العصيّ، المصرّ على إسلامويته وعبادتها، ورفع صورة وجهَتها المقدّسة، يحطّم بعناد رموز كنيستها، ويسعى إلى استعبادها.
تشتعل معركة العقائد إلى أقصاها، حينما ترشّ آن ماريا الرجل بـ«ماء مقدس» لتطهير روح شريرة، فيما يصارعها نبيل الملتحي لاحقاً لأخذ حقّه الزوجي عنوة. يُنهي سيدال الواقعة العائلية الشديدة العنف بضرب بعضهما بعضاً بالأحذية. فردوسها خُدِش إلى الأبد.
قبل هذه المحنة، ترافق آن ماريا الصبية ميلاني إلى مخيم صحّي للتخسيس في المقطع الثالث «أمل»، قبل أن تختفي مع تماثيلها. بين جدران هذا المجمّع، الأقرب إلى معتقل أوليغارشي، يُكمل سيدال نظرته إلى الجسدية. لئن تحول بَدَن الأم تيريزا إلى ذل، وتعرض جسم شقيقتها إلى قصاص ذاتي دائم، فإن سمنَة جسم الصبية (ميلاني لينز) يصبح سبب خطايا تعجز على الاكتمال. إنها عورة اجتماعية لا يرغب فيها الذكور، وهي مقصد تهكّمهم. فخَّم سيدال ضغط روتين النشاطات اليومية، مؤشّراً إلى عنادها المقبل ضد الاستغفال. تقرّر أن حبّها الأول الحقيقي معقود على طبيب المخيم. حينما يعرض عن تحرشاتها، ينهار فردوسها الشخصي القائم على الحلم والخيال، وتلعن بدانتها كسبب لصدوده. يرى سيدال أن أجساد هؤلاء النسوة لعنات متراكبة لمجتمع يُغلّف غلاظته بالجدية والفردانية. يحيل هذا المجتمع خراب فيزيولوجيتهنّ إلى عقاب وإقصاء لا رحمة فيهما.


زياد الخزاعي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...